في ذكرى وفاة ماركس وراهنية الماركسية

الجريدة نت15 مارس 2023
في ذكرى وفاة ماركس وراهنية الماركسية
جمال براجع

في 14 مارس من سنة 1883 “توقف دماغ أعظم مفكر في التاريخ عن التفكير”،إنه قائد ومعلم البروليتاريا العظيم كارل ماركس، تاركا وراءه نظرية علمية وتراثا فكريا وسياسيا ثوريا زاخرا، مازال ينير طريق نضال البروليتاريا للتحرر من الرأسمالية وبناء المجتمع الاشتراكي على أنقاضها كمرحلة انتقالية نحو المجتمع الشيوعي : مجتمع الحرية والعدالة والوفرة والسعادة الإنسانية في أسمى معانيها.
لقد كرس ماركس حياته لصياغة فلسفة ونظرية الثورة البروليتارية في ابعادها الفكرية والسياسية والعملية، ليس من موقع المفكر المتأمل من برجه العاجي، بل من موقع المفكر والفاعل المندمج في حركة الصراع الطبقي فاتحا عيون ووعي البروليتاريا على حقيقة هذا الصراع كصراع تناحري بينها وبين البرجوازية استنادا الى التحليل العلمي المادي الجدلي التاريخي، داعيا إياها إلى تنظيم نفسها في حزبها المستقل كشرط للفعل الواعي والهادف في في سيرورة هذا الصراع، مبرزا أن هذا الصراع سينتهي بالضرورة بإسقاط سلطة البرجوازية ونظامها الرأسمالي الاستغلالي، وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا حيث تتحقق سلطة العمال وحلفائهم، وحيث يتم تثوير المجتمع على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية بهدف التحرر من جميع مظاهر الاستغلال والاضطهاد الرأسماليين. وهذا هو الجوهري الثوري للماركسية.
والآن أصبحت للماركسية راهنية أكثر من أي وقت مضى في ظل توحش النظام الرأسمالي في مرحلته النيوليبرالية المعولمة وانفجار تناقضاته في الحروب العسكرية والاقتصادية والأيديولوجية/الإعلامية والصراعات الدينية العرقية والثقافية والتفقير الواسع والرهيب للطبقات العاملة والشعوب والتدمير المهول للبيئة واستنزاف ثروتها وأزمة المناخ …فاذا كانت العلاقات البرجوازية في مرحلة “المنافسة الحرة” قد غدت اضيق من تستوعب الثروة مما كان يدفع بالبرجوازية الى تدمير جزء من الإنتاج وغزو الأسواق الجديدة واستغلال الأسواق القديمة كليا كما جاء في البيان الشيوعي ، فان الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية النيوليبرالية الاحتكارية الحالية، بعد اكتساحها لجميع الأسواق وعولمتها سرقة فائض القيمة وتعميم نموذجها الاستهلاكي الشمولي وعسكرتها للعالم والتحكم في الانتاج العلمي والتكنولوجي وتوظيفه لخدمة مصالح الاحتكارات الرأسمالية الكبرى ، لا تدمر فقط جزء من الثروة والإنتاج كشرط لمعالجة ازماتها بل انها تقود البشرية نحو الدمار والفناء باستنزافها الرهيب لما تبقى من ثروات ومقدرات الكوكب واثارة وتأجيج الحروب والصراعات والسباق المحموم نحو التسلح بين القوى الرأسمالية الكبرى بتخصيص الميزانيات الضخمة للمجال العسكري في مقابل تعميم هشاشة الشغل و خوصصة الخدمات الاجتماعية وتسليعها الشيء الذي يحرم ملايير البشر من العيش الكريم والحق في العلاج والتعليم والأمن الصحي والغذائي والاجتماعي، والإلقاء بهم في براثين الفقر والبطالة والمجاعات والهشاشة والأمية.
و بارتباط بما سبق تأتي راهنية الماركسية في ظل إفلاس وتهافت الأيديولوجية البرجوازية الليبرالية حول التنمية المستدامة و الديمقراطية وحقوق الانسان، وانفضاح حقيقة الهجوم البرجوازي على الفكر الماركسي، وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتجارب الاشتراكية المطبقة تحت يافطة “نهاية التاريخ” وأفكار ما بعد الحداثة. وبعد بلوغ نظام القطب الوحيد الذي هيمنت فيه الولايات المتحدة حدوده التاريخية القصوى وبداية تشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يشي بتحولات جيوستراتيجية وجيوسياسية عميقة، قد تفتح أفقا واعدا أمام الشعوب والدول في البلدان التابعة للتحرر من التبعية و السيطرة الامبريالية، اذا توفرت لها شروط ذلك وعرفت كيف تستغل التناقضات وسط القوى الامبريالية والرأسمالية لصالحها. وهذا لن يتم الا اذا تحملت القوى التقدمية والثورية، وفي مقدمتها القوى الماركسية اللينينية، مسؤولياتها التاريخية في استنهاض الطبقة العاملة و الشعوب وتوعيتها وتنظيمها وقيادتها نحور تحقيق التحرر والديمقراطية والاشتراكية.
وهنا يأتي الدور التاريخي للقوى والفعاليات الماركسية في بناء الأحزاب المستقلة للطبقة العاملة الأحزاب، أي الأحزاب الماركسية اللينينية المنغرسة وسط الطبقة العاملة وحلفاءها من فلاحين فقراء وكادحين ومثقفين ثوريين، مستقطبة ومؤطرة للطلائع العمالية والكادحة التي تمرست وتصلبت في معمعان الصراع الطبقي. فلا بديل للقوى الماركسية من ان تتحول من أحزاب برجوازية صغيرة يتقاذفها الصراع الطبقي الى أحزاب عمالية ثورية فكرا وممارسة، أحزاب قوية و فاعلة في الصراع الطبقي، تقود الطبقة العاملة والجماهير الشعبية الى التغيير الثوري الحقيقي بعيدا عن الأوهام الإصلاحية للبرجوازية الصغيرة التي سادت لحد الآن وسط الحركات اليسارية والشيوعية في عالمنا العربي والمغاربي. وما دروس ومآلات التجارب الثورية ومنها السيرورات الثورية التي عرفتها منطقتنا خلال بداية هذه الألفية إلا تأكيد على هذه الضرورة.
فما أحوجنا اليوم، نحن الماركسيون، إلى استلهام الروح الحية و الثورية للماركسية كمنهج للتحليل العلمي للواقع، وكنظرية للتغيير الثوري وسلاح في يد الطبقة العاملة لتحرير نفسها من علاقات الإنتاج الرأسمالية، وتحريرالإنسانية جمعاء، عبر إقامة نظام اجتماعي جديد يتحكم فيه المنتجون الاحرار في انتاجهم ويوجهونه لتلبية حاجات الانسان المختلفة وإسعاده في تناغم مع الحفاظ على البيئة لضمان استمرار الحياة فوق كوكب الأرض، وتوجيه التقدم العلمي والتقني لخدمة الانسان والبيئة، وليس لخدمة جشع البرجوازية كما هو الحال الآن في ظل الرأسمالية.
جمال براجع.
14 مارس 2023

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.