القهوة.. مشروب يجمعُ الإثيوبيين وإرثٌ يقصده السياح

الجريدة نت10 يونيو 2019
القهوة.. مشروب يجمعُ الإثيوبيين وإرثٌ يقصده السياح

تمثل القهوة واحداً من الأسماء التي ترتبط بإثيوبيا، ليس على مستوى الصادرات الرئيسية فحسب أو كبلد اكتشف فيها البن، وإنما كمنتوج ارتبط بثقافة الشعب الإثيوبي بمختلف قومياته التي تجاوزت الـ80 قومية، فتجد القهوة حاضرة عند كل أسرة إثيوبية وإن اختلفت قليلاً في طريقة الإعداد من قومية إلى أخرى، لكنها تشكل مشتركاً ثقافياً بين جميع مكونات الشعب الإثيوبي.

أصبحت القهوة إحدى الثقافات التي يتباهى بها الشعب الإثيوبي، ويعتبرها واحدة من مكونات ثقافته المتعددة للقوميات المنتشرة على الأقاليم الإثيوبية التسعة.

ويزرع شجر البن في أغلب أقاليم إثيوبيا، ويتباهى كل إقليم بإنتاجه من البن من حيث الكمية والجودة وإن تصدرت منطقة “جما” بإقليم أوروميا في تلك السمعة.

وارتبط البن بثقافة الشعب الإثيوبي، ليس بسبب أن “البن” اكتشف بإثيوبيا بحسب المؤرخين، بقدر ما أنها أصبحت مكوناً ثقافياً مشتركاً بين شعوب إثيوبيا، ووجدت اهتماماً وانتشاراً واسعاً داخل القوميات الإثيوبية.

ويعتقد المؤرخون أنّ البن اكتشف لأول مرة في منطقة “كافا” (جنوب إثيوبيا)، وأن أصل كلمة قهوة باللغة الإنجليزية أو “Coffee” اشتق من كلمة كافا، ويطلق على صادرات البن الإثيوبي “بن أرابيكا”.

وشجرة البن وهي الاسم العلمي لنبتة البن الشائعة، كانت تنمو نمواً برياً في إثيوبيا أصلاً، وفي فترة متأخرة زرعت في مناطق أخرى من العالم .

وتعد إثيوبيا الأولى بأفريقيا في إنتاج البن، في حين تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى كأكبر مستهلك له في العالم .

وقال الباحث أحمد زكريا، المستشار بمعهد الدراسات الإثيوبية لـ”الخليج أونلاين”، إن القهوة هي أفضل ما تقدمه الأسرة الإثيوبية لضيفها، إذ تمثل “جلسة القهوة” مزيجاً من الحياة الثقافية والاجتماعية والدينية.

وأضاف أن من النقلات الطريفة أن القهوة أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الدينية في إثيوبيا، بعد أن كانت غير محببة في قرون مضت.

ولفت زكريا إلى أن المسلمين الإثيوبيين يتناولون القهوة في فترتي الصباح والمساء بصورة مستمرة، و لها برنامج خاص بعد صلاة الجمعة ، في البيت الكبير (منزل العائلة)، في حين يفرد لها المسيحيون يوم الأحد، ولا يختلفون عن المسلمين في أن يكون تجمعهم مع الأسرة الكبيرة.

طقوس واعتقادات للقهوة بإثيوبيا

ترتبط القهوة أو “بنا” كما تعرف باللغة الأمهرية، بالجانب الروحي عند الإثيوبيين، وهو ما كوّن ثقافة اجتماعية في إعداد القهوة.

وطقوس إعدادها لا تقل أهمية عن احتسائها، وإن اختلفت بحسب الأماكن كالمقاهي والفنادق مقارنة بإعدادها داخل البيت الإثيوبي، لكنها تظل حاضرة بنكهتها المميزة وتأثيرها المتفرد على متناوليها.

وقالت “سينايت هايلي” (ربة منزل 43 عاماً) في حديث صحفي: “تتولى الفتاة إعداد القهوة في الأسرة، وتبدأ بنثر العشب الأخضر (قيطما بالأمهرية) في المكان كرسالة للفأل الحسن”، مشيرة إلى أن الفتاة ترتدي الزي التقليدي، وتكون سعيدة للغاية، لكونها تعد القهوة وسط حضور أسري، وبمشاركة من الجيران أحياناً.

وضمن الطقوس أن يقوم الحاضرون الذين ينتظرون احتساء فنجان القهوة بمتابعة معدة القهوة بشيء من الاحترام والتقدير، وتقوم هي بتمرير (القلاية) وهي الآلة التي يتم فيها غلي البن لتوزع على الحاضرين نكهة القهوة المحمصة ولتعطيهم إحساساً بجودة البن ونكهته.

واعتقد الإثيوبيون أن البركة تحف جلسة تناول القهوة، في ظل تجمع أفراد الأسرة أو الأصدقاء، لذا تجدهم يصرون على تنظيمها كل صباح.

وتابعت سينايت أن المرأة تقوم بالإشراف وتوزيع القهوة على الحاضرين، و حتى الأسر الإثيوبية التي تعتمد على الخادمات تجد أن دور الخادمة ينتهي بإعداد القهوة، وتتولى الأمر سيدة المنزل بتقديم القهوة للضيف حتى لو كانت زوجة مسؤول كبير؛ لأن ذلك يمثل أهمية كبيرة في احترام الضيف.

القهوة معلم سياحي وتراثي

لم تعد القهوة محصورة داخل البيت الإثيوبي، إذ أصبحت حاضرة في كل مطعم أو مقهي وحتى الفنادق الكبرى، كما صارت مصدر رزق لبعض الفتيات الإثيوبيات، أمام الفنادق بأديس أبابا، والمدن الرئيسية.

وتشتهر إثيوبيا بانتشار مقاهٍ عالمية وأخرى وطنية تقدم القهوة للإثيوبيين والسائحين.

من جانبه، قال الخبير السياحي في مجال الثقافة، نبوي ملس، إنه بمرور الزمن أصبحت القهوة معلماً من معالم السياحة في إثيوبيا حيث تجدها في كل مطعم ومقهى وفندق، ومثلت أحد عناصر الجذب السياحي.

وأوضح ملس في حديثه لـ “الخليج أونلاين”، انتشار مقاهي البن في المواقع العامة، باعتبارها إحدى مكونات ثقافة وحضارة الشعب الإثيوبي، الذي يعتبر نفسه المكتشف الأول لنبتة البن في العالم، بحسب تعبيره.

وأصبحت القهوة لدى الفتيات الإثيوبيات مصدراً للرزق ومتنفساً من ضيق الجلوس في البيوت بسبب ندرة فرص العمل.

وبدأت” مقدس أبراهام ” حديثها عن القهوة قائلة إنها لم تعد مشروباً مفضلاً للإثيوبيين فقط إنما لأغلب السائحين.

وأوضحت مقدس، وهي بائعة القهوة بسوق “ماركاتو” أكبر أسواق أديس أبابا، أن أغلب الزبائن يفضلون احتساء القهوة ساخنة مع نصف ملعقة من السكر، ويأتون جماعات ويتبادلون أطراف الحديث وهم يحتسونها.

في حين تعتبر ” سلام كحساي” (25 عاماً) إعداد القهوة مقياساً لوعي الفتاة وثقافتها، وقالت: “أنا أشعر أنني أعمل في مجال من مجالات الثقافة التي تتبارى الفتيات في إعدادها”.

وبلغ اهتمام الدولة بالقهوة أن دشنت به احتفالات يوم القوميات والشعوب العام الماضي، بمشاركة نحو 10 آلاف إثيوبي في مهرجان بالعاصمة أديس أبابا، ديسمبر الماضي، بعنوان “فلتأتوا لاحتساء القهوة”.

وتعتمد إثيوبيا على البن كأحد عناصر الاقتصاد الوطني في المجال الزراعي، إذ يعمل أكثر من 25 مليون شخص في إثيوبيا (من أصل 104 ملايين) في زراعة وتوزيع وتجارة البن.

فبعد أن كانت القهوة مشروباً تراثياً اجتماعياً للأسرة الإثيوبية، أصبح احتساؤها حالياً في بهو الفنادق الكبرى والمطاعم وجوانب الطرق في أديس أبابا وغيرها من المدن الكبرى، ما جعل منها معلماً سياحياً.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.