عد الضوء الأخضر الذي أعطاه زعيم القاعدة أيمن الظواهري لجبهة النصرة للانفصال عن تنظيمه، وإعلان زعيم “النصرة” أبو محمد الجولاني رسمياً الطلاق مع تنظيم أسامة بن لادن، كثرت التحليلات في شأن دلالات هذه الخطوة وما إذا كانت تعتبر فعلاً تحولاً بالنسبة إلى جماعة أنشأها داعش، الذي كان فصيلاً للقاعدة في العراق، وما اذا كانت ستؤثر في الإيديولوجيا السلفية-الجهادية للنصرة.
ومن المعروف أن النصرة هي ثاني أكبر مجموعة جهادية في سوريا بعد داعش. وشكل أفرادها رأس حربة المعارك ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه، بمن فيهم حزب الله. وهي تتمركز خصوصاً في شمال سوريا وغربها وجنوبها.
وتعد الجبهة متطرفين إسلاميين وبعض الجهاديين الأجانب، واعتبرت دائماً أن أولويتها هي إطاحة الأسد خلافاً للأهداف العالمية للقاعدة، وهو ما مكنها من العمل مع فصائل سورية أخرى، بما فيها فصائل معتدلة، لمقاتلة النظام وداعش.
وتقر هذه الفصائل بشجاعة الجبهة التي قادت تحالف جيش الفتح الذي نجح في إخراج قوات الأسد من شمال غرب إدلب.
وقف النار
ولكن قرب النصرة من فصائل معارضة أخرى عقّد دائماً جهود وقف النار، وخصوصاً بعدما استثنى اتفاق الهدنة الأخير الذي رعته واشنطن وموسكو كلاً من الجبهة وداعش، مما أتاح للمقاتلات السورية والروسية مواصلة قصفها لها، وإصابة فصائل معتدلة تشملها الهدنة، بما فيها فصائل تدعمها واشنطن ودول عربية. وهذا أحد العوامل الذي أدى الى انهيار وقف النار.
وقد دفع بعض الراغبين في الانفصال عن القاعدة لهذه الخطوة سعياً إلى إزالة الوصمة الدولية عن أكتافهم، مما يتيح للجبهة تقديم نفسها على أنها فصيل سوري معارض والعمل على نحو أكثر وثوقاً مع مزيد من المجموعات المعارضة الأخرى وحماية نفسها ربما من الحملة الدولية ضدها.
وسرت في الماضي شائعات عن انفصال بين الجانبين، ولكن ذلك لم يحصل فعلاً. والعام الماضي، جدّد الجولاني ولاءه لزعيم القاعدة أيمن الظواهري، قبل أن يعود الحديث مجدداً عن الانفصال.
وهذا الأسبوع نسبت وكالة الاسوشيتد برس إلى مقاتل بارز من النصرة في شمال سوريا قوله إن “مسؤولين كباراً في الجبهة يدعمون الانفصال”. وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بادعاءات عن اقتراب الخطوة، مع قول بعض المناصرين إن الجبهة ستغير اسمها إلى “جبهة فتح الشام”، وذلك قبل أن يطل الجولاني نفسه للمرة الأولى أمس الخميس معلناً الطلاق.
واشنطن
ظاهرياً، يتوقع أن يعقد الانفصال الأمور لواشنطن، وهو ما تنويه الجبهة أصلاً. إذ أن الولايات المتحدة وموسكو تحاولان التوصل الى اتفاق على شراكة عسكرية جديدة في سوريا. وينص الاقتراح الأمريكي الذي سربته صحيفة واشنطن بوست على تبادل معلومات استخباراتية وأهداف للقصف ضد النصرة وداعش شرط تعهد موسكو إقناع الأسد وقف الغارات السورية وبدء عملية انتقال سياسي.
إلا أن هذا الأمر سيكون أصعب إذا صارت النصرة أكثر قرباً من الفصائل السورية الأخرى، ذلك أن واشنطن وحلفاءها دعوا عبثاً المعارضة المعتدلة إلى الابتعاد عن خطوط الجبهات التي تنشط فيها النصرة.
وعن هذا الأمر، يقول تشارلز ليستر، الباحث البارز في “معهد الشرق الأوسط” ومقره واشنطن: “إذا فكت النصرة تحالفها مع القاعدة، فلن تفكر فصائل المعارضة بهذا الأمر أبداً”، وبالتالي، ستعتبر أي تدخل مقبل ضد الجبهة على أنه تحرك لدعم النظام السوري.
سلبيات
وفي المقابل، تنطوي هذه الخطوة على سلبيات للجبهة، مع قول محللين إنه إذا فكت “النصرة” تحالفها مع “القاعدة” فستخسر “علامتها التجارية” التي استقطبت بها الكثير من المقاتلين الى صفوفها.
ففي رأي سام هلر المتخصص في الشأن السوري، فإن المقاتلين الأجانب خصوصاً سيخيب أملهم كون كثيرين منهم انضموا الى الجبهة لصلاتها بالقاعدة، ويعتبرون مشاركتهم في الحرب السورية نوعاً من الجهاد العالمي لا مجرد حملة لخلع الأسد.
ومن هذا المنطلق، يخشى أن يؤدي الانفصال الى انتقال مقاتلين أجانب من فصائل متطرفة أخرى مثل “جند الأقصى” أو “الحزب الاسلامي التركستاني”.
إيديولوجيا لن تتبدل
ولكن أياً يكن، يقول ليستر إن إيديولوجية النصرة لن تتبدل على الأرجح، “وأياً كان الاسم الذي ستختاره لنفسها، فانها ستبقى المنظمة نفسها”، و”الولايات المتحدة لن تبدأ النظر إليها بطريقة أكثر إجابية”.
وهو يحذر في مقال في فورين بوليسي من الانخداع بهذه المناورة، قائلاً إن “جبهة النصرة لا تزال خطيرة وراديكالية كما في السابق. وبانفصالها عن القاعدة، تظهر بوضوح كبير مقاربتها القديمة للحرب السورية التي تسعى من خلال إلى اختراق صفوف الثوار وتشجيع الوحدة الإسلامية لتجاوز أعدائها، القريبيبن منهم والبعيدين”. وفي هذا السياق، يقول ليستر إن جبهة النصرة أو جبهة فتح الشام تختلف كثيراً عن داعش الذي تحرك دائماً وحيداً وبمنافسة مباشرة مع الفصائل الإسلامية الأخرى. فبدل الوحدة، سعى داعش دائماً إلى التفرقة.
قطر وتركيا
إلى ذلك، يحذر الباحث من أن هذا التطور الأخير يتيح لدول إقليمية، وتحديداً قطر وتركيا، توفير دعم مباشر للجبهة. ويمكن تركيا خصوصاً استغلال الانفصال للقول إن جبهة فتح الشام هي شريك شرعي، في الوقت الذي تفضل فيه واشنطن وحدات حماية الشعب الكردية.
وعندما سئلت الناطقة باسم وزارة الخارجية الامريكية إليزابيت ترودو عن أمر الانفصال قالت إن واشنطن تعتقد أن الطبيعة الأساسية للنصرة هي أنها “تنظيم القاعدة في سوريا”.