قضى المصور الهولندي دانيال راي(26 عاماً) أسوأ أيام حياته، عندما وجد نفسه في قبضة تنظيم داعش في سوريا، لأكثر من عام كامل، خاضعاً للتعذيب من قبل مقاتلين بريطانيي الأصل في صفوف التنظيم، حيث كان برفقة كل من جون كانتيل وآلان هانينغ وجيمس فولي نفسه، بحسب ما أفادت صحيفة “دايلي ميل” البريطانية، اليوم الأحد، إلا أنه نجا من الاحتجاز، على خلافهما، ليروي قصته ومشاهداته، والتي تعد الأكثر تفصيلاً من داخل سجن تابع للتنظيم.
ويحكي دانيال أن المسؤولين عن احتجازه كانوا ثلاثة بريطانيين يعرفون بـ “الخنافس”. وفي أول أيام احتجازه، سأله “الخنفس”(من أصل بريطاني ويدعى جورج) عما إذا كان يعرف إلى أين سيتجه (حيث كان معصوب العينين في سيارة)، وعندما لم يجب راي، والمحتجزون الآخرون معه، تابع جورج: “ستذهبون لمشاهدة عملية إعدام”، حيث كان الرجل الضحية متهماً بالتجسس لصالح الغرب، وبالتالي حكمت عليه محكمة داعش بالإعدام.
لا أصفاد لرجل ميت
وبينما مضت السيارة بالمحتجزين داخل الصحراء، شرع جورج يدندن مع أنشودة لداعش، وعند وصولهم، نزعت ضمادات العينين عن دانيال والآخرين، ووجدوا رجلاً جاثماً على ركبتيه قرب حفرة، فيما ربطت يداه وعصبت عيناه، وتفاجأ دانيال بأن التنظيم “لن يضيع أصفاداً على رجل ميت”، حيث ربطت يدا الضحية بقطعة قماش فقط.
وأجبر عناصر داعش المحتجزين على حمل ورقة كتب عليها: “لا أريد أن ينتهي المطاف بي مثله(أي مثل الرجل المقتول). ادفعوا 2 مليون لتحريري”، وحذر جورج دانيال من أنهم سيطلقون النار عليه إذا “أفسد الأمر”، ثم نفذ الجهادي جون (محمد اموازي) عملية الإعدام، بإطلاق النار على الرجل في رأسه، فسقط في الحفرة، ثم سدد عليه 8 طلقات أخرى في صدره.
ورغم بشاعة المنظر، إلا أن دانيال وجد “راحة” في أن العملية تمت بسرعة، وأنها تمت بوساطة مسدس لا ذبحاً، كما توقع من حديث الإرهابيين في البداية.
وفي طريق العودة، مال رينغو(أحد الخنافس) على أذن دانيال وقال له: “أتريد ان تعرف سراً؟ أنت التالي”.
عذابات “أبو هريرة”
وتشير الصحيفة إلى أنه منذ احتجازه في مايو (أيار) 2013، تعرض دانيال للتعذيب والاستجواب يومياً. وفي أحد الأيام دخل عليه “أبو هريرة”، المعروف بأنه من أعتى حراس السجون في داعش، ونظر إلى رجل ملقى على أرضية الغرفة بلا حراك وقال لدانيال: “هل أنت مستعد لي؟ بعد 24 ساعة ستصبح مثله”، ثم أمره برفع يديه للأعلى، وربط يديه، المربوطتين أصلاً بأصفاد، بسلاسل حديدية، ما جعل جسده يتمدد بالكامل نحو السقف، ثم قاله له: “سأراك غداً، قد تكون مستعداً للحديث عندها”.
وحاول دانيال الانتحار، إلا أن محاولته باءت بالفشل، الأمر الذي “أسعد” الإرهابيين لأنهم بحاجة لضحايا ليبتزوا دولهم لدفع فدية لهم.
بعد 24 يوماً من الاحتجاز، وعندما وقف دانيال أمام مرآة للمرأة الأولى منذ خطفه، وجد علامات سوداء حول عينيه، وعلامات السلاسل الحديدة حول رقبته ويديه. كما أصبح خداه غائرين، ونتأت عظامه من تحت جلده.
وبحلول أكتوبر(تشرين الأول)، انضم لدانيال أكثر من 12 رهينة من دول غربية، في القبو الذي احتجز فيه بحلب، وكان بينهم الأمريكي جيمس فولي والبريطاني جون كانتيل.
وبحسب إفادات دانيال، كان ما يميز “الخنافس” أنهم دائماً يرتدون أغطية وجه سوداء وأحذية مناسبة للصحراء، وملابس عسكرية سوداء وخضراء. وكان جورج الأكثر عنفاً ولا يمكن التنبؤ به، بينما رينغو متحفظ، والجهادي جون مسؤول عن تنفيذ الإعدامات. وكان الإنذار عن وصول هذه المجموعة رائحة قوية للجسم، في كل مرة أحس السجناء بنفحة منها، تدبّ حالة من الذعر في أوساطهم.
وداعاً “فندق أسامة”
ويروي دانيال أن “الخنافس” ألفوا أغنية على لحن “فندق كاليفورنيا” الشهيرة، وأجبروا المساجين على حفظها وغنائها بنسختها الجديدة التي كانت تقول: “مرحباً بكم في فندق أسامة الجميل، مكان جميل، مكان جميل، لن تغادروا أبداً فندق أسامة، وإذا حاولتم، ستموتون”.
وفي أحد الأيام، وبعد تعذيب وسخرية من المساجين، وقف جورج أمام دانيال، أمسك بأنفه وسأله: “هل أنت الفتى الدنماركي؟”، فأجاب الأخير بنعم، عندها قال جورج: “عندنا سؤال لك”. وهنا ارتبك دانيال، فهذا السؤال كان ليتأكد والداه من أنه على قيد الحياة، قبل أن يدفعا الفدية.
سأل جورج: “من اشترى سيارتك القديمة؟”، وما كان دانيال ليحبذ سؤالاً في العالم أكثر من هذا، حيث كان بعث رسالة مشفرة لأهله، عبر رهينة محرر سابقاً، راجياً أن يطلب والديه إجابة سؤال يتعلق بشيء بلون أخضر إذا كان سيطلق سراحه، ولسعادته، كان لون سيارته القديمة أخضر، واشتراها والداه، ما عنى أنهما مستعدان لدفع الفدية(وقدرها 1.5 مليون جنيه إسترليني). وما إن أعطى دانيال الجواب الصحيح، حتى قال له جورج: “حسناً، بوسعك العودة للمنزل”.
عندها، غادر دانيال، متنقلاً من سيارة لأخرى، من سوريا عبر الحدود التركية، وتم تسليمه للجنود هناك.
وفي 20 يونيو(حزيران) 2014، عاد للدنمارك. وفي يناير(كانون الثاني) من العام الجاري، أكدت القوات الأمريكية مقتل “الخنفس” اموازي في غارة، بينما لا يزال مصير “الخنفسين” الآخرين مجهولاً.