أفول الصحافة الورقية في ظل شحّ استحداث نموذج عمل جديد

الجريدة نت22 يناير 2017
أفول الصحافة الورقية في ظل شحّ استحداث نموذج عمل جديد

في عصر طفرة الدوت كوم، تواجه الصحافة الورقية والمطبوعة في العالم أزمةً غير مسبوقة، ما دفع بالعديد من الناشرين إلى إطلاق مواقع إلكترونيّة مرتبطة بالصحف والمجلات، التي اشتهرت بتوزيعها في الطائرات ومحطات القطارات، لا سيّما في المملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الأميركيّة. لكنّ بعض مالكي الصحف لم يستطيعوا الصمود أمام هيمنة الإنترنت، واضطروا إلى إيقاف الطباعة.

إنّ معاناة الصحف الورقية تمتدّ على العالمين الغربي والعربي، ومن أبرز الأمثلة على ما تواجهه مجلّة “نيوزويك” الأميركية التي تأسست عام 1933، والتي أعلنت في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2012 أنّها ستوقف نسختها الورقية في مستهلّ العام 2013، وذلك بعد 80 عاماً على إصدارها وبيع ملايين النسخات منها، ضمن سياسة إقتصاديّة تحدّ من الخسائر التي تواجهها. كذلك صحيفة “إندبندنت” البريطانيّة، و”إندبندنت أون صاندي” اللتين أوقفتا النسختين الورقيّتين في آذار/ مارس 2016، من أجل تأمين مستقبل مستدام ومربح في الصحافة الرقميّة.

في مواجهة الأزمة.. لا حلول

وبعد الصحف الأجنبية، بدأت الأزمات تتصاعد في أروقة الصحف العربية، لا سيّما المصريّة التي قلّصت بعضها عدد الأوراق المطبوعة، فيما واجهت أخرى أزمات مالية ألزمتها على اتخاذ قرارات صعبة، مثل جريدة “التحرير” التي أوقفت إصدارها الورقي أول أيلول/ سبتمبر 2015. كذلك حطّت الأزمة في تونس حيثُ تمّ إغلاق صحيفة “التونسية” اليومية، واحتجبت صحيفة “البيان” الأسبوعية عن الصدور، فيما خفضت صحف أخرى من عدد العاملين لأسباب مالية، فأصبح القطاع الصحفي المكتوب يعيش نفس الحالة في دول عدّة.

ومؤخرًا برزت الأزمة في لبنان، وخيّمت على أعرق الصحف لا سيّما “السفير” التي صدر العدد الأول منها في 1974/3/26  و”النهار” التي بدأت تصرف عددًا من الموظفين، لعدم قدرتها على تحمّل الأعباء الماديّة.

عن “السفير”، تحدّث غاصب المختار، الصحفي الذي رافق صاحبة شعار”صوت الذين لا صوت لهم”، لافتًا الى أنّ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2016 كان اليوم الأخير لإصدار الصحيفة ورقيًا، ليتم بعدها حجب الموقع الإلكتروني فتطوي معه “السفير” كتابًا طويلاً من الصحافة العريقة التي لم تغب عن أي حدثٍ سياسي واقتصادي واجتماعي وغير ذلك.

ولفت المختار إلى أنّ الصحيفة واجهت أزمة مالية حادّة وخسائر في الأشهر الأخيرة، وبالرغم من أنّها حاولت اتباع بعض السياسات التي تحول دون إقفال الصحيفة، مثل إنقاص عدد الصفحات المطبوعة من 20 إلى 18 فـ 16 وصولاً الى 12 صفحة، لكنّ الإستمرار لم يكن من نصيبها.

ما هي الخطة الجديدة للنهوض بالصحافة الورقية؟

تابع المختار قائلاً: “إنّ مبيعات الصحيفة تراوحت ما بين 20 ألف و30 ألف نسخة يوميًا في لبنان”، ومع بدء فورة جيل الإنترنت الذي ينشغل بالأجهزة الذكيّة لم تعد تعنيه القراءة المطوّلة والعميقة بحسب وجهة نظره. وأصبحت تصله الأخبار العاجلة في لحظة وقوعها عبر هاتفه الشخصي، فلم يعد يهتمّ بقراءة الصحف المطبوعة، ومع تراجع المبيعات، قلّت نسبة المعلنين وبالتالي عائدات الصحيفة.

وأوضح أنّ الصحافة الورقية عبارة عن صناعة متكاملة، من الكتّاب إلى المحرّرين والمدققين الّلغويين والمصوّرين والمخرجين وصولاً إلى التقنيين والعاملين في”مطابع السفير التجارية” وعددهم في “السفير” أكثر من مئة، توقفوا عن العمل. ولفت المختار الذي كان عضوًا في نقابة المحررين إلى أنّ الأخيرة وبالتعاون مع نقابة الصحافة، اقترحتا على حكومات متتالية دعم الصحف، عبر تخفيض الضرائب على الورق والرسوم على الأمور التقنية وتخفيض رسوم الهواتف والكهرباء وغيرها، التي قد تساعد الصحف في الصمود، لكن لا آذان صاغية.

واعتبر أنّ الصحف الورقية تحتاج لخطّة نهوض جديدة ونقلة نوعيّة وتغييرًا لافتًا، فهذه العوامل كلّها قد تسهم في استمرارية الصحف المطبوعة، إلا أنّه أكّد أنّ “المعاناة قويّة والمستقبل غير مضمون”.

كذلك، تخلّت صحيفة “النهار” العريقة عن أكثر من 40 موظفًا في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، في ظلّ معلومات عن نيّة بصرف عددٍ أكبر من العاملين في الأسابيع المقبلة، إذ تحاول “النهار” المحافظة على استمراريتها عبر خطّة جديدة تنتهجها، تحدّ من الخسائر وتعوّض من خلالها ماديًا.

من جهته، حبس المصوّر سامي عياد الذي زاول عمله في “النهار” لمدّة 40 عامًا دموعه، وأعرب عن حزنه لمغادرة الصحيفة بشكلٍ مفاجئ، وهو الذي يملك أرشيفًا طويلاً على صفحاتها، واشتهر من جرّاء التقاط الصورة الأخيرة لرئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري قبل عملية اغتياله.

عوامل الجذب في الصحافة الرقمية

إذًا وبعد استعراض أزمة الصحف الورقيّة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أبرز ما يجذب القرّاء إلى الصحافة الإلكترونية، هو التفاعل المُتاح لهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط المتعددة، إضافةً إلى السرعة في نقل الخبر بفعل التطور التكنولوجي، وإمكانية المشاركة وتفعيل صحافة المواطن. كما أنّ معظم القرّاء قد يلجأون إلى محرّك البحث جوجل” لاختيار ما يريدون معرفته من أخبار، وبشكل مجاني، في الوقت الذي لا تزال الصحف المطبوعة مدفوعة، ولو أنّ ثمنها رمزي.

من هنا تتمكّن المواقع الإلكترونية من جذب المُعلنين الذين يخففون من الأعباء الماديّة على كاهلها مع تأمين قدرة عالية للوصول للمستخدمين. ولكن حتّى الصحافة الرقمية تعتريها ثغرة التكرار والنسخ والأخبار المتشابهة وغيرها، كما نلاحظ قلّة التحقيقات الاستقصائية التي تحتاج وقتًا ومالاً وبحثاً دقيقاً ما يدقّ ناقوس الخطر على عدد القرّاء الذين إذا ما ملّوا الروتين الإخباري، قد تقلّ زياراتهم للمواقع، مما يساهم بتراجع الإعلانات التي ستنعكس بشكل سلبي على الصحافة الرقمية.

مما لا شكّ فيه أن النقاش حول إقفال الصحف الورقية على حساب المواقع والمنصات الإلكترونية أصبح بالقديم، وقد حلّ مكانه سؤال جدّي حول قدرة المؤسسات الإعلامية التقليدية من ضمنها الصحف الورقية على تبني نهج جديد ونموذج لخطة عمل تؤمن ديمومة هذه المؤسسات الإعلامية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.