قضت محكمة جزائرية أمس الاثنين بسجن مالك مجموعة النهار الإعلامية أنيس رحماني عشرة أعوام بتهم تتعلق بالفساد، بحسب ما نشر موقع النهار الإخباري التابع للمجموعة. فيما يعتبر مراقبون أن الحكم “انتقام شخصي” نفذه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.
وسبق الحكم على أنيس رحماني واسمه الحقيقي محمد مقدم، وهو أحد المقربين من السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، بالسجن ثلاث سنوات في مارس 2021 في قضية تسجيل مكالمة مع عقيد في الاستخبارات وبثها. لكن القانون الجزائري لا يجمع الأحكام وإنما يعتبر الحكم الأعلى فقط.
ووُجّهت إليه تهم “سوء استعمال عن سوء نية لأموال شركة الأثير للصحافة” التي منها تأسست مجموعة النهار، و”مخالفة التشريع المنظم للنقد والصرف”، و”استغلال النفوذ وموظفي الدولة للحصول على مزايا غير مستحقة” و”التصريح الكاذب” عن الضرائب.
وحوكم أنيس رحماني مع رجل الأعمال محي الدين طحكوت الذي عوقب أيضاً بعشرة أعوام سجناً نافذاً بتهمة “غسيل أموال”.
كما قضى القطب الجزائي المتخصص في الجرائم المالية والاقتصادية لدى محكمة سيدي امحمد بوسط العاصمة الجزائرية بتغريم شركة “الأثير للصحافة” 32 مليون دينار (نحو 209 آلاف يورو) ودفع تعويض للخزينة العمومية قدره 10 ملايين دينار (أكثر من 65 ألف يورو).
وفي الرابع عشر أكتوبر 2020 أُدين رحماني بالسجن ستة أشهر في قضية “تشهير” كان الضحية فيها مدير مجلة “الشروق العربي” التابعة لمجموعة الشروق للإعلام ياسين فضيل.
ومنذ ظهور قناة النهار في 2012، ارتبط خطها التحريري بدعم نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، حتى أنها كانت هدفا لشعارات الحراك المطالب بالديمقراطية باعتبارها “الذراع الإعلامية” له.
وخلال الانتخابات الرئاسية في دجنبر 2019 هاجمت قناة النهار المرشح آنذاك عبدالمجيد تبون الذي أصبح رئيساً للجمهورية.
وعام 2017 لعب الصحافي المثير للجدل أنيس رحماني دورا محوريا في “الانقلاب” الذي أنهيت بموجبه مهام الوزير الأول حينها عبدالمجيد تبون، حيث تم تجنيد قناة وصحيفة النهار بالكامل للإطاحة بحكومة تبون.
وقبل أيام أدانت محكمة سيدي امحمد في الجزائر الصحافي إحسان القاضي مدير إذاعة “راديو أم” وموقع “مغرب إيمارجون” الإخباري بالحبس النافذ لمدة ستة أشهر، مع تغريمه بمبلغ 50 ألف دينار (350 دولارا) . وفي المشهد الإعلامي الخاضع لسيطرة عالية يعتبر “راديو أم” عمليا المكان الوحيد الهش للغاية للحوار الحر في الجزائر.
وجرت المحاكمة في هذه القضية التي رفعها وزير الاتصال الأسبق عمار بلحيمر بتاريخ السابع عشر مايو الماضي، بعد سلسلة من التأجيلات، من بينها تأجيل النطق بالحكم في القضية مرتين.
وحوكم إحسان القاضي بتهمة “نشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالوحدة الوطنية” و”التشويش على الانتخابات” و”فتح جراح المأساة الوطنية”. ويقصد بالمأساة الوطنية الحرب على الإرهاب التي شهدتها الجزائر منذ بداية تسعينات القرن الماضي وقتل فيها عشرات الآلاف.
ويعتبر مراقبون أن هذه القضية هي رمز لهجوم النظام الجزائري على الأصوات المتنافرة.
ولم يفاجأ القاضي بالحكم إذ قال “لقد أصبحت قاعدة، عندما يصل المدعى عليه إلى جلسة الاستماع، يطلب المدعي العام أقصى عقوبة لكل تهمة دون جدال”.
وقال المحامي عيسى رحمون العضو في هيئة المدافعين عن معتقلي الرأي في الجزائر “هذا يدل على شيء، أن الصحافي في الجزائر أو العمل الصحافي والتعبير عن الرأي أصعب جدا مما كان عليه في السنوات الماضية”، معيدا إلى الأذهان محاكمات سابقة أخرى بحق صحافيين جزائريين أمثال خالد درارني ورابح كارش أو حسن بوراس الذي لا يزال حتى اليوم ينتظر محاكمته. واعتبر عيسى رحمون أن ذلك “يدل على أن النظام غير قابل لأي تفتح أو لأي رأي آخر”.
وبالنسبة إلى العديد من الصحافيين والنشطاء، يعتبر ملف القاضي صورة جديدة لـ”جريمة الرأي” التي يُعتقل بسببها 264 جزائريًا، بحسب معطيات موقع “المعتقلون الجزائريون”.
في حين قرر الملياردير يسعد ربراب على عجلة من أمره الانسحاب من قطاع الإعلام بتصفية صحيفة “ليبرتيي” الناطقة بالفرنسية والتي تعد صوتا تقدميا، تفاديا لانتقام النظام.
وتحذر منظمة مراسلون بلا حدود من “فقدان حرية الصحافة” في الجزائر التي احتلت المرتبة 134 في تصنيفها الجديد وفقا لمؤشر حرية الصحافة العالمي.
ويقبع عدد من الصحافيين الجزائريين في السجن بعد إدانتهم أو بانتظار المحاكمة، بحسب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وقالت منظمة العفو الدولية إنه يجب على السلطات الجزائرية أن تضع حداً فوراً لحملة المضايقات المتصاعدة ضد الإعلام التي شهدت إصدار أحكام قاسية بالسجن بحق صحافييْن بارزين لمجرد تعبيرهما عن آرائهما أو لتغطية الاحتجاجات.
يذكر أنه بالإضافة إلى مضايقة الصحافيين وسجنهم، تم منع الوصول إلى العديد من المواقع الإخبارية على الإنترنت في الجزائر.