تأملات في عيد الأم والربيع

الجريدة نت22 مارس 2017
تأملات في عيد الأم والربيع

الله يحب الجمال .. إذاً لماذا خلق القباحة فى بعض المخلوقات وحتى فى الإنسان؟؟ أعتقد والله أعلم أنه من القباحة تعلمنا قيمة الجمال.. بمعنى آخر أنه لو كانت كل المخلوقات جميلة , لما عرفنا قيمتها لأننا لم نرى القباحة لنعرف ما هو الجمال..

عبقرية الأرض..

حينما يأتى الربيع ينتابنى شعور غريب , يتجدد الأمل مع كل أشراقة شمس ويمتد النظر الى الأشجار والزهور , ينبثق البلوسوم وتتفتح الأوراق وكأن الحياة تتجدد.. أنتظر زهرة الدافوديل الصفراء الجميلة مائلة فى بهاء على عودها الأخضر فى شكلها الجرسى وطلعتها البهية معلنة بداية الربيع.. الطيور تغرد , تتراقص بين الأغصان لكل منها لحن مطرب جميل ومنها تعلمنا الموسيقى .. الفنش الأخضر (يشبه العصفور لكن لونه أخضر ويغرد) , البلو تتس والبول تتس (الزرزور المغرد) , والبلاك بيرد (البلبل المصرى) يصدح بإعلان الفجر قبل الشروق بأعذب الأنغام.. (معذرة لا أعرف أسمائها باللغة العربية, رغم أنه بالبحث يمكن الحصول على أسمائها العربية)..

كلما سمح الوقت أغتنم الفرصة فى الحدائق العامة فهى ملاذى ومتعتى فى الربيع والصيف, أقضى معظم الوقت فى التأمل والتعجب والحيرة ثم أقول تلقائياً, سبحان الله..

العيون والإبصار..

العيون لا ترى.. هى مجرد عدسات مثل الكاميرات تمر الأشياء أمام العدسات ومن خلالها تصل بالشكل والأحجام والألوان الى الفيلم الداخلى أو البروسيسور الرقمى الآن فتتحول الى صورة.. أما العيون يمر من خلالها الضوء أو الصورة من القرنية الى الكاترات ثم الراتينا أو الشبكية الى خلايا مركز الإبصار بالمخ فتترجمها الى الشكل واللون الذى نراه وتراه المخلوقات..

تتراوح أو تتفاوت قوة وعمق الإبصار فى المخلوقات.. مثلا طائر ال- سوالو.. فى حجم العصفور قصير الرقبة وأجنحته مثل السيف يطير بسرعة فائقة وقوة هائلة فى تغيير الإتجاه والإرتافع والهبوط.. يمتلك قوة أبصار عن بعد فيرصد حشرة صغيرة جداً مثل الهاموش ويلطقتها.. أما الصقور فلها قدرة حادة على الإبصار من إتفاعات شاهقة ورصد حيوانات صغير الحجم وسط الزراعات أو البحار والأنهار..

العيون والإبصار كانت منبع وبداية الحياة لكل المخلوقات.. فلولا العيون ماكانت هناك حياة على الأرض إلا النباتات وبعض الديدان تحت الأرض.. ورغم ذلك كان هناك إعجاز لن يفهمه البشر أن هناك مخلوقات عاشت تبنى وتعمر وتعتاش بدون إبصار..!!..

حشرة الكومبوست السوداء

حشرة متناهية الصغر لا تزيد عن سن أبرة.. الغريب والمدهش.. كيف لها عينان ورأس ورئة وقلب وجهاز هضمى وتضع بويضات؟؟ كيف أن كل هذه المكونات متكاملة ومجتمعة فى حشرة فى حجم سن أبرة أو دبوس؟؟!!..

النحل..

الملكة الأنثى والذكور والعاملات , لا أعلم لماذا لم تكتمل الأعضاء التناسلية للعاملات , فلا هى أناث ولا ذكور..

الغريب والعجيب فى سداسيات أقراص الشمع , متساوية الحجم , خطوطها مستقيمة متساوية الأضلاع بدقة متناهية (إذا أختلفت , هو نتيجة الضغوط أثناء الجمع والنقل والحركة) الغريب والعجيب كيف تعرف كل شغالة أطوال الخطوط السداسية بعيدا عن زملائها الشغالات فى كل مناحل الأرض الطبيعية؟! .. لماذا أتخذت أو أختارت الشكل السداسى ولم يكن دائرى أو مربع أو مثلث أو حتى خماسى؟! تولد لتصنع الشكل سداسى متساوى الأضلاع , كيف تخرج الى الحياة وجهازها العصبى مبرمج لتقوم بهذا العمل متناهى الدقة؟!..

العنكبوت..

أنواع كثيرة .. خيوط الشبكة التى تفرزها الأنثى من ثلاث غدد أسفل البطن , تصل الى أربعمائة ألف خيط بأطوال حوالى عشرين سنتيميتر ملتفة حول بعضها , كل منها أرفع من شعرة الرأس حوالى أربعمائة مرة , قوتها فولاذية مقارنة بالحجم والوزن, فهى تعادل قوة الكاتنرى كابل الذى يرفع المصعد حامل أربعة أفراد أو ما يعادله من حمولة الونش!! سائلة داخل الغدة, تتصلب عند خروجها .. الغريب والعجيب هو الدقة المتناهية فى القطر المقطعى لدائرة الخيط!! نفس الحجم من بداية الخيط الى نهايته فى دقة تفوق أحدث المغازل !! حتى لو كان يخرج بحجم ثقب الغدة , فكيف تسحبها بسرعة فائقة الدقة والحركة حتى يخرج الخيط من البداية حتى النهاية بنفس القطر؟!..

النمل..

ليس الإنسان فقط هو البارع فى هندسة وفن البناء والعمارة , هناك من سبقنا بتحف معمارية مذهلة ترتفع الى ستة أمتار , قد تعادل أرتفاع الهرم الأكبر إذا ما قورنت بحجم ووزن الإنسان والنملة البيضاء .. نظام دقيق معقد فى البناء يحتوى على سنترال أير كوندشن أو تكييف هواء مركزى, غرف بممرات للتهوية والتبريد بالصيف وأخرى دافئة بالشتاء , لها مداخل ومخارج أمنية وكل الممرات متصلة ببعضها فى نظام هندسى محكم البناء.. الغريب والعجيب أن هذه النملة عمياء ليس لها عيون!! كيف تحصل على غذائها؟؟ كيف تحصل على مواد البناء وكيف تبنى ؟؟ كيف تتوجه وكيف تقود هذا العمل الخارق الإعجاز وهى عمياء؟!..

الخفاش أو الوطواط..

داخل كهف فى ظلام كامل الدماسة , كيف تصل وتتعرف على رضيعها وسط حشد من عشرات الألوف معتمدة على إنعكاس الموجات الصوتية ؟؟ كيف تتوصل أليه؟؟..

الزهور..

أشكال وألوان , عطرة الرائحة , وبدون رائحة , عبقرية وإبداع فى أشكالها وألوانها , تتنقل الحشرات بينها حاملة ذرات اللقاح , ورغم ذلك لا تختلط ولا تتبدل فتخرج كل زهرة كما كانت , تتجه الأوراق والزهور تلقائيا الى أتجاه الشمس أو الضوء , أما زهرة الشمس أو عباد الشمس تدور مع الشمس من الشروق الى الغروب ثم تنتصب عمودية أثناء الليل فى أنتظار نهار جديد .. من الأوراق والزهور تخرج العطور والأدوية والزيوت .. كيف يخرج العطر من زهرة الفل والياسمين والورد رغم أنها ترتوى بمياه فقط ؟؟ كيف تخرج زيتا رغم أنها ترتوى بماء فقط ؟؟ كيف يخرج السكر من القصب والتفاح والفاكهة السكرية رغم أنها ترتوى بماء فقط ؟؟ كيف يخرج الموز من شجرة تشرب من مياه آسنة ورغم ذلك تخرج خالية ونقية ومعقمة تماما من كل فيرس أو باكتيريا؟؟..

كيف تتحول زهرة القطن الى فصوص ثم وبرات خيوط قطن خام لنصنع منه الملابس؟!..

الطيور..

لكل منها هندسة ونظام فى بناء بيته وعشه , نجد كل نوع يقوم بإختيار المواد والأسلوب والشكل فى بناء عشه أو بيته.. هناك فنش يبحث عن عود من الحشائش الطويلة ثم يربطها بإحكام حول أحد الفروع يختاره بدقة فى مكان يأخذ من أشعة الشمس فترة الصباح فقط , ثم يظل ينسج حوله أعواد الحشائش حتى يكتمل عش متدلى فى شكل رائع .. هناك نوع آخر من الفنش يختار أوراق شجر بحجم مناسب فى مكان مناسب من أشعة الشمس , يضع طرفا ورقتين فوق بعضها ثم يقوم بحياكة أوخياطة أطرافها بعود رفيع من الحشائش تماما كما يفعل الأنسان بإستخدام الخيط والأبرة , ثم يلف نهاية الأطراف فوق بعضها ويقوم بحياكتها لتخرج فى شكل رائع التكوين , يبطن الجزء الأسفل منها بالمس (بضم الميم وتسكين السين) وهى نباتات سطحية فطرية.. الغريب العجيب فى كل ذلك أنه لو أخذنا بيضها وأفقسناه فى حضانات وباشرناه فى جزيرة نائية , سوف نجد أن كل نوع يتخذ من بناء عشه نفس المواد والأسلوب والشكل!! كيف تبرمج جهازه العصبى قبل أن يخرج الى الحياة ليقوم بنفس العمل والنظام والأسلوب دون أن يعلمه أحد عن طريق النقل والمعرفة والخبرات المتراكمة كما يفعل الأنسان!!..

وود بيكر أو نقار الخشب أو الشجر .. هو نوع من الطيور يقوم بحفر دائرة لا تتعدى حجم قطر جسمه بعمق يناسب دخوله منحدرا الى أسفل.. إذا أستطعت تحديد مركز الدائرة بخط قطرى ووضعت برجلا فى المنتصف ستجد دائرة الجحر داخل جزع الشجرة فى شكل دائرى هندسى لا يمكن لإنسان بآلة يدوية حادة مثل مفك أو سكين يستطيع أن يحفر دائرة بهذا الشكل .. كيف تبرمج جهازه العصبى ليصنعها دائرة محكمة بحجم أكبر مقطع عرضى لجسمه وليس أى شكل آخر أو عشوائى ؟؟ الأكثر غرابة وعجبا , أن الوود بيكر ينقر هذا الجزع بقوة وسرعة تصل الى خمسة وعشرين طرقة أو نقرة بالثانية الواحدة!! إذا طبقناها على رأس أنسان أو أى طير آخر أو بعض الحيوانات بنفس القوة والسرعة , سوف تتفتت الجمجمة تماما!!..

أما طيور الجنة فيعجز اللسان عن وصف قمة الفن والجمال ودقة الألوان ولكل أسلوبه فى الرقص أو التراقص لجذب وإقناع الأنثى..

حينما تتأمل الشكل والنظام والإحكام لهذه المخلوقات , تقف عاجزا مشاهد فقط تأخذك الحيرة , لا تفهم ولن تفهم هذه البرمجيات , لكن هذا الإبداع يدعوك للتأمل , تتبلور فكرا , تتسع مداركك ومعارفك , تنظم سلوك حياتك .. هكذا يعلمون الأطفال فى بريطانيا , يحفزون أفكارهم , يحركون ملكاتهم من الطبيعة وعلى الطبيعة لأننا ليسوا مبرمجين مثل هذه المخلوقات , فالأنسان لا يستطيع عمل أى شىء دون أن يتعلمه , كما أن كل شىء نحيا عليه خرج من الأرض , الغذاء والملبس ومواد الطائرة والسيارة والكومبيوتر وكل شىىء على الأطلاق.. لكن مع الأسف هناك جيل كامل نشأ على العشوائية والتخبط والفوضى , تعليم عشوائى , سكن عشوائى , مواصلات عشوائية , شارع عشوائى , غذاء عشوائى , محافظ عشوائى , أدارة ونظام عشوائى.. النتيجة , طفل عشوائى , رجل عشوائى , أمرأة عشوائية , جيل عشوائى.. كيف يمكن تغيير أو تحديث أو تعديل هذا الجيل العشوائى؟؟..

حينما أتأمل فيما يدور حولى من غرائب وعجائب وروعة ونظام هذا الكوكب الجميل… بحار يتبخر منها الماء لترتفع سحب فى الفضاء لخفتها , لكن حينما تهطل تحول الأرض الى أنهار بمليارات الأمتار المكعبة من المياة , كل هذا الوزن كان معلق فى الفضاء لخفته!!..

عندما أتأمل كل ما سبق أتعجب .. فالخداع والكذب والنفاق والدونية والنميمة والسادية والعقد النفسية هى من صفات الإنسان فقط .. كيف دمر الأنسان البيئة وإفتعل الحروب وأسس الدكتاتورية وإغتصاب الأرض والشعوب .. أتعجب من بشاعة الإنسان وما أرتكبه على هذا الكوكب .. أتسائل مع نفسى.. هل أصبح الإنسان هو أحط مخلوقات الأرض؟؟ كيف كانت حياة وشكل الأرض بدونه؟؟ ربما كانت أفضل وأروع والله أعلم بما فيها وما عليها .. كل الشواهد من حروب وأبادة وإستعباد وقهر وحقد وتسلط ودمار البيئة , كلها شواهد تؤكد أن الأنسان تدنى وإقترب من مرتبة الدواب, رغم أن الدواب لم تقترف ما فعله الإنسان بأخيه الإنسان (داعش نموذجاً)..هل عاشت المخلوقات فى أمن وسلام قبل ظهور الإنسان؟؟, لأن الأنسان أصبح عدوها وعدو الأرض والبحر والفضاء وقد لوثها جميعاً, أخلاقياً ومعنوياً وبيئياً… كوكب الأرض جنة لا نعلم قيمتها.

ذكريات عبرت أفق خيالى بارقا يلمع فى جنح الليالى

نبهت قلبى من غفوتة وجلت لى ستر أيام الخوالى

كيف أنساها وقلبى لم يزل يسكن جنبى

أنها مصر.. قصة حبى

ذكريات داعبت فكرى وظنى لست أدرى أيها أقرب منى

هى فى سمعى على طول المدى نغم ينساب فى لحن أغنى

بين شدو وحنين وبكاء وأنين

كيف أنساها وسمعى لم يزل يذكر دمعى.. وأنا أبكى مع اللحن الحزين..

من قصيدة ذكريات لأحمد رامى مع أضافة جملة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.