أصبح ليس غريبا علينا أن نستقيظ في صباح أي يوم لنسمع بقصة جديدة بوقوع ضحية جديدة من القتل في أي مدينة من مدننا، فبالأمس القريب تقتل إمرأة في ريعان شبابها عل خلفية سرقة أموالها الخاصة من الميراث ومن أقرب الناس إليها، وفي اليوم التالي تكتشف جثة فتى لم يتعدى ربيع العمر، وبين الحين والآخر نسمع عن وقوع جريمة قتل لأفضل رجل من عائلته على خلفية أخذ الطار، وذلك بسبب وجود خلاف قديم بين عائلتين والآن حانت الفرصة لينفذ وصية أهله ويمسح العار دون سابق إنذار للمغدور، كما ونسمع بين الفينة والأخرى عن العديد من الجرائم المتفرقة والتي تبقى تترسب في ذاكرتنا وترسم صورة مؤلمة لما يحدث، ألا يحق لنا أن نتسأل عن سبب إنتشار تلك الجرائم؟ ، وكيف تسول نفس إنسان أن يتجرأ على قتل نفس أخرى من بني جلدته ودينه ؟، ألا يعلم أن قتل النفس المؤمنه من أعظم الأمور عند الله، حيث يقول الله سبحانه وتعالى متوعداً من قتل نفس مؤمنة ( ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خلداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما)النساء، بل إن هدم الكعبة أهون على الله من قتل أي نفس مؤمنة، كيف يتجرأ هؤلاء القتله على أفعالهم الإجرامية ؟، أأصبحت نفوسهم منقادة لنوازع الشر والشهوات والماديات أم هي الأحوال البيئية السلبية التي يعاني منها شبابنا هذه الأيام، حتى كاد الواحد منهم يقتل أقرب الناس منه لأجل مبلغ زهيد من المال دون أن يعبء بما يخلفه لأهل الضحية من ألم وحزن وتشرد لأبناء الأسرة؟ ، أم أصبح القتل سلوك متعلم مما يشاهد من أفلام ومسلسلات العنف والقتل تقليداً لبطل يشاهد في إحدى القنوات وخاصة الأجنبية منها والتي تأتي بأفلام درامية تبين وجود مجرم متخفي يملك من الدهاء والذكاء ما يعجز رجال الأمن للوصول إليه، ويصل لأي ضحية يحددها لنفسه متى شاء، فيطبق ذلك عملياً ليتذوق ويتلذذ بطعم ذلك الفعل بيديه مستهينا به وبأثره وعقوبته وعادات وقيم مجتمعه ؟ ، أم هي دوافع العصبية والخوف على شرف الفتاة؟ ، فالمجرد أن يشم الأخ أو الأب الاشاعة أن إبنته لها علاقة ما فيسرع إليها محددا لها مصير الموت ولا يمهلها فرصة التوبة، وكأن من أخذ القانون بيده قد إلتزم بكل أركان العقيدة وما بقي عليه سوى هذا الأمر ليخاف عليه دون أن يتبين من صحة ما سمعه والتأكد منه، أومعرفة الأسباب التي دعت الفتاة للبحث عمن يحبها ويعطف عليها، ولو عاد لنفسه لوجد التقصير من البيت فالأب يحرمها من ضمة صدره ولمسة يده الحانية، ولم يسمعها بكلمة طيبة ترفع من قدرها لنفسها واعتززها بأهلها ، بل ما تسمعه فقط إما شجاراً بين الأم والأب أو الأخوة والأب أو العمل على التقليل من مكانتها كأنثى في البيت والإستهزاء بدورها، أتعاقب الفتاة بسهولة بعد ذلك لخروجها للبحث عمن يعطف عليها بالحب والحنان، وأنا بذلك القول لا أشجع الفتيات على الخروج من البيت أو التمرد على سلطة الأهل بل أقرأ ما يحدث بحياتنا الاجتماعية قراءة ناقدة حتى ننتبه لما يدور حولنا وأسباب ذلك، ونعمل على الوقاية منه وعلاجه .
فأين القانون من كل ما يحدث في بلدنا التي تشرذمت بالفرقة والخلافات والنزاعات السياسية والحزبية وعلى المناصب والمراكز السياسية، بالإضافة لتردي الأوضاع الإقتصادية التي زادت من تفكك الحياة الإجتماعية بين الناس، مما يتوقع أنه دفع لبعض شبابنا للإنتقام من أنفسهم بقتل الآخرين والتلذذ بذلك عقوبة لمجتمعهم، أو فراراً من واقع الحياة لليقبع في السجن أو الموت، أين أصحاب السلطة والقانون من تلك الجرائم؟ وما هي العقوبات الفعلية التي تطبق على كل شخص ثبتت جريمته بالفعل؟ ، وقد خلف من وراء فعلته الكثير من الجراح، من سيأخذ بحق الضحايا والمغدورين من أبناء مغربنا الحبيب؟ هل أصبحت روح الإنسان المغربي أهون الأشياء على الآخرين والتي لا يفكر بحمايتها إلا متأخراً، ألم تعاني نفوس الناس من التعب وتكل مما إستنزفته من معاناة بسبب الأزمات السياسية والإقتصادية والآن الأزمات الإجتماعية، ألم يصبح أفراد المجتمع غير قادرين على تحمل المزيد من الأزمات، وقد أصبح الواحد منا يخاف على نفسه عند خروجه من بيته أو إخراج إبنته أو زوجته وحدها، هل فقد الأمن الإجتماعي وما عادت المروءة تحكمنا ليحرص بعضنا على بعض حتى ليكاد الجار أن يشك بجاره والأخ يخاف من أخيه .
إن استمرار ارتفاع معدل الجريمة ، لهو دليل على فقدان كثير من القيم الإجتماعية التي تحكم علاقاتنا وتحافظ على وحدتنا، كما أنها دليل على قلة الوعي الديني والقيمي والجهل في معرفة عظم تلك الجريمة وعقوبتها عند الله، كما أنها تدلل على أن الأوضاع الإقتصادية السلبية التي تجتاحنا منذ سنين انعكست سلباً على نفسيات شبابنا فيتخذها البعض ذريعة لإرتكاب الجريمة، كما أن فقدان مراكز ومؤسسات رعاية الشباب والتي توفر لهم النشاطات التي يفرغون من خلالها عن مكنونات أنفسهم وانفعالاتهم المختلقة بطرق إيجابية وغير ذلك كثير، فلا بد من عمل دراسات علمية حول الجريمة لمعرفة أسباب ودوافع حدوثها، والعمل على المعالجة والوقاية منها وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فسوف يزداد إنتشارها بصوره أكبر، ويزداد افتقاد المواطن لأمنه الاجتماعي، ويزيد عدد شبابنا الذين أخذتهم الأيدي المنحرفة للجرائم وأعمال العنف والإعتداء، لأجل ذلك يجب على جميع المسؤولين بداية من الأسرة التي تنجب الأبناء أن تحرص على تربيتهم التربية الإيمانية السليمة القائمة على العقيدة والخوف من الله وحب الآخرين والإنتماء إليهم والتضحية لأجلهم وعدم التحاسد والتباغض، ثم دور المدرسة أن تعمل على توفير مناهج تربي القيم الإنسانية والإجتماعية الصالحة حتى يتربى أبناءنا عليها وتطبيقها على أرض الواقع إو الإتيان بوقائع واقعية تناقش مع الطلبه، أما المجتمع ومؤسساته فكل مؤسسات المجتمع المدني والحكومي مسئوله عن دعم البرامج والخطط التي تنمي شبابنا وفتياتنا وتوفر لهم كل الإحتياجات التي تساعدهم على إشغال أوقات فراغهم وتحقيق طموحاتهم وأحلامهم والتعبير عن مشاعرهم بطرق إيجابية، أما دور السلطة والحكومة فهي أن تسن القانون الخاص بالعقوبات، وتعمل على تطبيق العقوبات التي تتلاءم مع كل جريمة حتى يرتدع الآخرون وعدم الإقتصار على عقوبة بسيطة والإستهانه بالضحية وحقها والتقليل من قيمة أفراد المجتمع، فكلما وجدت العقوبة فسوف تهذب سلوكيات من يميلون إليها وترتعد نفوسهم، كما أنه يجب العمل على إعادة تأهيل وإصلاح البعض منهم وإعادة دمجهم في المجتمع إن كان لا يشكل خطراً في وجوده بين أفراد المجتمع .