مجموعة السكان المؤقتين ترد على تصريح رئيس بلدية الحي المحمدي

الجريدة نت6 نوفمبر 2014
مجموعة السكان المؤقتين ترد على تصريح رئيس بلدية الحي المحمدي

نعيد نشر الروبوتاج الذي أنجزته جريدة المساء خلال شهر أكتوبر الماضي مع رد مجموعة السكان على تصريحات رئيس المقاطعة الجماعية الحي المحمدي الواردة في نفس الروبوتاج.

هيام بحراوي
العدد :2507 – 21/10/2014
انطلاقا من شارع الحزام الكبير بالحي المحمدي في الدار البيضاء، وعلى بعد خطوات منه وطئت أقدامنا المشروع السكني الحسن الثاني الذي تراصت عماراته البيضاء في تلك المساحة من الأرض.
مشينا قليلا بين الإقامات السكنية، فإذا بمرافقي يضحك معلقا “لقد وصلنا إلى المنطقة المحظورة”، فانتبهت إلى أنه يقصد تلك الخيام التي بنيت من الخشب والكرتون وغطيت جدرانها وأسقفها بالبلاستيك والأغطية البالية. خيام احتجاجية تثير انتباه المواطنين الذين يمرون من المكان أول مرة، خاصة أن اللافتة المعلقة على جدار إحدى الخيمات تشرح الوضع الذي يعيشه السكان وتفسر سبب عيشهم في تلك الخيام لمدة تجاوزت
السنة.
بداية الحكاية
كان سكان كريان السوق وكريان لحونا – وهما جزء من كريان سنطرال التابع لعمالة عين السبع الحي المحمدي في الدار البيضاء – راضين عن حياتهم تحت البراريك وعن قدرهم في السكن، إلى أن أخبرتهم السلطات المحلية في أواخر التسعينيات بأن هناك مشروعا سيشيد من طرف شركة تدعى كوجيبا بتنسيق مع العمالة، وتحت إشراف وزارة الداخلية، لاستكمال برنامج القضاء على مدن الصفيح بالحي المحمدي، وكانوا مجبرين على اختيارين إما الانتقال إلى وسط كريان سنطرال للعيش أو الانتقال مؤقتا للسكن بشقق صغيرة كانت معدة كسكن لحراس في تلك العمارات، ريثما تبنى الشقق الخاصة بهم في أجل لا يتعدى ستة أشهر.
تداول السكان الخبر وبدؤوا يفكرون في مدى جدية السلطات آنذاك، وبما أن السلطة “كلامها لا يعلى عليه” يقول عباس العباسي، منسق مجموعة السكان المؤقتين بمشروع الحسن الثاني، فقد صدقه السكان وآمنوا به، فاجتمع السكان وقاموا بإجراء قرعة، لأن عددهم كان كبيرا يتجاوز 50 أسرة ولا يسمح لهم بالانتقال إلى الشقق المعدة للحراسة، فتم تدوين اللائحة الخاصة بالسكان، الذين سينتقلون للعيش بكريان سنطرال، ولائحة أخرى بأسماء السكان الذين سينتقلون لشقق “الكونسيرج”.
اطلعت العمالة على اللوائح وبدأت الشركة في عملية البناء في تلك المساحات بعدما هدمت المساكن عن آخرها ورحل سكانها عنها.
في سنة 1998، يضيف العباسي، بدأت الشركة تقوم بتقزيم أمتار الشقق لأصحاب كريان سنطرال من 72 مترا مربعا إلى 56 مترا ثم إلى 36 مترا، وظهرت بالمشروع عدة اختلالات، ورغم ذلك يضيف في حديثه مع “المساء” كان السكان يقبلون بالسكن رغم صغر حجم الشقق، التي تشبه علب أعواد الثقاب، بسبب ما سماه “إجراءات مافيوزية”، ليس هذا فحسب، يتابع، بل إن المشروع أصبح يستقبل سكانا من خارج الكريان، في الوقت الذي لم تجد عائلات مركبة ملجأ لها في المشروع رغم استفادتها منه، فوجدت الشركة نفسها أمام سيل من الطلبات، في الوقت الذي كان فيه العرض محدودا.
على أي حال، يسترسل العباسي، بعد سنة 2000 استقرت الأسر المرحلة في الشقق الجديدة رغم صغر حجمها وكلها أمل بأنها بعد مضي ستة أشهر ستحصل بدورها على شقة كباقي المواطنين، خاصة أن الأسر دفعت مبالغ مالية تتراوح بين خمسين ألف درهم ومائة ألف درهم كتسبيق لشراء شقة اجتماعية بمشروع الحسن الثاني.
” بعد مضي ستة أشهر ظل الاختلال قائما فلم يتم إسكان الأسر المنتقلة مؤقتا والتي يبلغ عددها 16 أسرة، وبعد ستة أشهر أعلنت الشركة إفلاسها واعتقل عامل عمالة الحي محمدي آنذاك، بعد ستة أشهر وقعت بلاوي وكوارث” –يضحك- العباسي، فستة أشهر تحولت إلى 15 سنة من السكن في تلك الشقق، قبل أن تتم مفاجأة الساكنة بقرار الإفراغ.
حلم تبخر
بعد مرور 15 سنة من السكن في تلك الشقق بمشروع الحسن الثاني مؤقتا، بدأ السكان يتوصلون بقرارات الإفراغ، لأن تلك الشقق ليست في ملكيتهم، رغم أنهم أدوا عنها أقساطا مالية.
تحول حلم الأسر إلى كابوس يقض مضجعهم ويشعرهم بالمرارة برفقة أبنائهم الذين جاؤوا بهم صغارا، فأصبحوا بعد 15 عاما شبابا ورجالا تزوجوا بدورهم ورزقوا بأطفال، فلم يتحملوا وقع صدمة الإفراغ والتشرد.
اعتبر السكان أنفسهم ضحايا لاختلالات كبيرة وخطيرة عرفها المشروع وتواطأت فيها أياد خفية، يقول عبد الهادي الحاضي، رئيس هيئة المساندة والتضامن مع السكان المؤقتين، فبعد مرور 15 سنة بدأت قرارات الإفراغ تتقاطر على السكان وكان النموذج عائلة مي خدوج، التي قامت السلطات بإفراغها من مسكنها بالقوة، في منظر لن ينساه السكان، ويضيف بأن الجهات المسؤولة عجزت عن تنفيذ جميع تعهداتها والتزاماتها المتفق عليها مع مجموعة السكان وممثليهم من جهات منتخبة ومجتمع مدني، لهذا قرر المتضررون تنفيذ إفراغ جماعي تضامنا مع مي خدوج، فنصبوا الخيام في الشارع، وسلموا مفاتيح الشقق للجهات المعنية.
يقول العباسي، منسق مجموعة السكان المؤقتين بمشروع الحسن الثاني، قمنا بإرسال شكاية إلى السلطات المعنية طالبنا فيها بإيجاد حلول آنية لإسكان المتضررين ” ولا يرجعوا لينا فلوسنا وبراركنا”. في 7 دجنبر 2012، يضيف العباسي، كان هناك محضر اتفاق بين ممثلين عن المجموعة المتضررة من جهة وعمالة الحي المحمدي عين سبع من جهة ثانية، إضافة إلى رئيس المقاطعة الجماعية بالحي المحمدي والذي تتوفر”المساء” على نسخة منه، محضر الاتفاق توصل إلى اعتبار مجموعة السكان المؤقتين بالمشروع جزءا لا يتجزأ من ساكنة كريان سنطرال مع أحقيتهم الأولية في الاستفادة من مشاريع البقع السكنية المقبلة على الصعيد الإقليم مع اعتبار المبالغ المستخلصة من هذه الأسر في عهدة
الإدارة.
صرخة “مي خدوج”
في مساحة بإحدى الإقامات بمشروع الحسن الثاني نصبت مي خدوج خيمتها وعلقت على جدارها لافتة وصفت معاناتها، دخلنا بيت مي خدوج، جداره من البلاستيك والكرتون وزوايا أسقفه مغطاة بالأغطية والأثواب التي ترسم حدود البيت لتفرق بين المطبخ والصالون من جهة وتقي أسرة مي خدوج حرارة الصيف من جهة أخرى.
خلال جلسة الحديث مع مي خدوج تحدثت عن أيام عيشها في الكريان وكيف أن زوجها المتوفى قام ببيع “حانوت” كان هو مورد رزقه الوحيد، لكي يقوم بدفع المال للعمالة من أجل الاستفادة من السكن، لتوافيه المنية وفي قلبه حزن شديد لأنه لم يستطع تحقيق حلم أسرته في السكن.
وتضيف مي خدوج بحسرة: “لما توفي زوجي أصبحت يتيمة فأنا لم أعتد الخروج عندما كان زوجي على قيد الحياة، لم تطأ أقدامي المحاكم ولا مراكز الشرطة، فلما توفي تكالبت علي الهموم وأصبحت في وجه المدفع، خاصة بعدما كنت أول من توصل بحكم الإفراغ، فشعرت بالحكرة وبأن لا سند لي لولا تضامن السكان معي”.. “ولما رفضت تنفيذ حكم الإفراغ لعدم وجود مكان أرحل إليه قاموا باعتقالي ولما عاينوا قلة صحتي اعتقلوا ابنتي، وهددوني بالسجن، ولما أخبرتهم ابنتي بأن لا لها علاقة بالموضوع جاءت السلطة ونفذت الحكم بالقوة ورموا أغراضي في الشارع”.
هذا الحادث الذي أبكى مي خدوج مجددا لأنه ذكرها بالجرح الغائر الذي لم يشف بعد جعلها تكون شعار السكان المؤقتين في النضال، تضامنوا معها لما عرفوا بأنها كانت سلاحا استعملته السلطة آنذاك لترهيبهم من أجل الإفراغ أيضا، لهذا قرروا تنظيم الإفراغ الجماعي وكان ذلك سنة 2013.
“يسكن مؤقتا”
بعد الإفراغ الجماعي الذي قامت به الأسر المتضررة في مشروع الحسن الثاني، واستقرارها في تلك الخيام، يقول أحد المتضررين، تحولنا إلى “لاجئين أو مهاجرين في وطننا” ، فضلنا الخروج والعيش في الشارع على أن نظل في تلك البيوت التي تطالبنا السلطة بإفراغها، حالة غير مستقرة عشناها، تسببت لنا ولأطفالنا في مشاكل اجتماعية ونفسية، العيش في المخيم مذل حقا لكنه أرحم من العيش تحت كابوس “الإفراغ والطرد”.
والمضحك المبكي هنا، يقول المتحدث ذاته، أن شهادة السكنى عندما يقومون بطلبها تتضمن عبارة يسكن مؤقتا، الأمر الذي يثير استياء السكان المتضررين ويجعلهم يسكنون مؤقتا لمدة 15 سنة.
حالة من اليأس وصل إليها سكان المخيم، حالة تترجمها معاناة النساء اللواتي لا يجدن ماء لقضاء أغراضهم المنزلية، فعلى رب الأسرة حسب ما سردته “سعيدة “، أم لأربع بنات أصغرهن تبلغ من العمر سنتين، الذهاب ليلا “للعوينة باش يسقي والى تعطل في الخدمة بقينا بلا ما” أما الكهرباء فيعيش سكان المخيم على كرم سكان الإقامات المجاورة لهم فهم من يمدونهم بخيط كهربائي يضيؤون به عتمة لياليهم.
كما أن المخيم لا حارس له، أبواب منازله البلاستيكية من الخشب، سهلة الكسر. يقول علي: ” حنا هنا مخبين على البرد والشتا حتى تشوف الدولة من حالنا” .
ليس هذا فحسب، بل إن الأمطار الأخيرة التي عرفتها المدينة كبدتهم خسائر بالجملة، فقد فسدت بسببها أفرشتهم وأجهزتهم الكهربائية، ومن الأسر من أصيب أطفالها بنوبات برد حادة فضلا عن أمراض الحساسية التي انتشرت في صفوف أبناء المخيم، تقول أمينة، التي تدرس هذه السنة في مستوى الباكلوريا، “تأزمت نفسيا بسبب هذا الموضوع ، وبسببه لم أنجح العام الماضي لأن قرار الإفراغ الجماعي تزامن مع فترة الامتحان”، وبعد الاستقرار، تضيف، “أصبحت أتضايق من بعض الزميلات في المدرسة اللواتي يتغامزن ويضحكن علي ظنا منهن أنني أسكن في الشارع، لأن أسرتي مطرودة لأنها لم تتمم الدين الذي عليها من أجل السكن”.
كما أن “كائنات المخيم”، تقول أمينة، تعيش بدون مرافق صحية، بدون مراحيض، بدون أدنى شروط الحياة الكريمة، مما انعكس على نفسية الأطفال، الذين أصبحوا يعيشون في عزلة عن العالم الخارجي.
وفي الوقت الذي تعالج فيه الدولة ملفات المهاجرين السريين في المغرب، هناك فئة في الحي المحمدي تمنح شهادة سكنى منذ 1999 كتبت عليها عبارة “يسكن
مؤقتا”.
وحسب سعيد عاتق، فاعل جمعوي بالمنطقة، فإن هذه العبارة وصمة “عار” على جبين الجهات المسؤولة بالحي المحمدي، “يسكن مؤقتا” كرست منطق “الحكرة” وأبانت عن فشل السياسات التي تبنتها الجهات المسؤولة عن تدبير شؤون المنطقة التي مازالت تضم براريك كريان سنطرال، وشرح المتحدث لـ”المساء” كيف أن السكان المؤقتين بمشروع الحسن الثاني يعيشون في حيرة من أمرهم بعدما قامت بإسكانهم وزارة الداخلية في شخص العمالة سنوات التسعينيات، وقامت وزارة العدل بالحكم عليهم بالإفراغ في تناقض واضح وغير مفهوم يدفع السكان اليوم ثمنه ألما وتشردا تحت خيام بلاستيكية شديدة الحرارة صيفا وباردة شتاء .
وتساءل المصدر ذاته عن الأسباب التي جعلت السكان المؤقتين شماعة علقت عليها العمالة أخطاءها من جهة، وجعلتهم في مؤخرة الترتيب في الاستفادة، رغم أنه في سنة 2007 تم الاتفاق على تسوية وضعهم بانتقالهم للمشروع السكني بالهراويين، متسائلا عن متى سيتحول هؤلاء المواطنون إلى سكان دائمين في وطنهم، خاصة أنهم اليوم يهددون باللجوء الاجتماعي، بعدما تقطعت بهم السبل ووصول حوارهم مع العمالة إلى الباب المسدود.

[[{“type”:”media”,”view_mode”:”media_large”,”fid”:”14314″,”attributes”:{“alt”:””,”class”:”media-image”,”height”:”215″,”typeof”:”foaf:Image”,”width”:”480″}}]]

ناصر عبد العزيز. استطعنا إيجاد شقق للمتضررين لكنهم طالبونا ببقع أرضية
– ماهي حقيقة مشكل السكان المؤقتين بمشروع الحسن الثاني؟
مشكل السكان المؤقتين بمشروع الحسن الثاني لا علاقة له بالحي المحمدي، فالتقسيم الجديد يجعل هؤلاء السكان محسوبين على منطقة عين السبع، والمشكل له ارتباط بإعادة إسكان ساكنة كريان سنطرال في الدار البيضاء، فعندما كان عبد الرزاق أفيلال رئيسا لجماعة الحي المحمدي سنوات التسعينيات، استفاد مجموعة من ساكنة كريان سنطرال من شقق في إطار برنامج القضاء على مدن الصفيح، فظلت حوالي إحدى عشرة أسرة آنذاك بدون استفادة من السكن، فأخبرتهم العمالة بأنهم سيستفيدون مؤقتا من محلات في عمارات في ملك للخواص وهي عبارة عن شقق كانت مخصصة لسانديك تلك العمارات في انتظار الشقق التي ستكون في ملكيتهم، الناس سكنت في الشقق لمدة 15 سنة وبعد ذلك قام سانديك إحدى العمارات برفع دعوى ضد سيدة اسمها مي خدوج فحكمت المحكمة لصالحه وطالبت مي خدوج بإفراغ منزلها.
– ماهو سبب تدخلك في الموضوع مادام الأمر ليس من اختصاص مقاطعتك؟
سبب تدخلي شخصيا في الموضوع يعود إلى أن عامل عمالة الحي المحمدي عين السبع طلب مني الإشراف على الملف باعتباري ابن المنطقة وقريبا من الساكنة، لهذا لم أدخر جهدا في عقد حوارات مع المتضررين، من أجل التوصل إلى حل يرضيهم، وبعد عقد عدة لقاءات مع ممثلي الساكنة تم توقيع محضر اتفاق على أساس إيجاد حل لهم.
وفي إطار الاتصال مع العامل والوالي استطعنا إيجاد شقق لإيوائهم في عين السبع، واتفقنا مع السكان على تسليمهم المفاتيح بحضور ممثل الشركة، غير أن ممثلي السكان رفضوا الشقق وطالبوا بمنحهم بقعا أرضية، بدعوى أن الشقق لا تناسبهم باعتبارهم عائلات
مركبة، فظل المشكل معلقا.
– ما هو الحل إذن؟
صراحة أنا أتمنى استفادة السكان المؤقتين بمشروع الحسن الثاني من بقع كما يريدون باعتبارهم أسرا مركبة، أما فيما يخص عيشهم في الشارع، فحله موجود والشقق التي كانت ستمنح لهم مازالت فارغة تنتظر موافقتهم إن قبلوا الانتقال إليها وإخلاء المكان، أما إن أرادوا البقع فإن تحقيق طلبهم سيطول، لأن 15 في المائة من سكان كريان سنطرال مازالت لحد الآن لم تستفد وإذا تم إعطاؤهم الأسبقية في الاستفادة، فمن شأن ذلك أن يخلق فوضى ويحرج السلطات أمام سكان الكريان.

* رئيس مقاطعة الحي المحمدي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.