"اسمي بوند.. جيمس بوند".. 110 أعوام على ميلاد المؤلف إيان فليمينغ

الجريدة نت29 مايو 2018
"اسمي بوند.. جيمس بوند".. 110 أعوام على ميلاد المؤلف إيان فليمينغ

مرت على ذكرى ولادة الكاتب البريطاني الشهير، إيان لانكستر فليمينغ (1908-1964)، 110 أعوام، والذي إن لا يعرف الكثيرون اسمه اليوم، إلا أن جيمس بوند لا يجهله أحد تقريباً، من مختلف الأعمار، حاضراً في الأذهان، خاصة بعبارة “بوند.. جيمس بوند”.. العميل السري المدهش الذي لا يموت.

وتجدد ذكرى ميلاد فليمينغ الحديث حول “بوند”، الذي يعد ظاهرة ثقافية بشكل ما، ناهيك عن أن شخصية هذا البطل موضوع بحث جاد من قبل نقاد الأدب والسينما على حد سواء.

جامايكا

والمؤلف الذي استطاع خلق هذه الشخصية، لديه شيء من ذاته وضعه في بطله “بوند، وفيلمينغ هو أديب وصحفي بريطاني، بالإضافة إلى كونه ضابطاً بحرياً في الحرب العالمية الثانية، اشتهر بكونه مؤلف سلسلة روايات جيمس بوند وكذلك قصة الأطفال “تشيتي تشيتي بانغ بانغ”.

وخلال الحرب العالمية الثانية خدم فليمينغ في مخابرات البحرية البريطانية ومنها استوحى سلسلة جيمس بوند.

وفي إحدى مهامه أرسل فليمينغ إلى جامايكا ومكث فيها لفترة، ووقع في غرامها، وبعد الحرب ترك عمله بعد خلاف مع مسؤوليه في الجيش، وسافر عائداً إلى جامايكا، حيث استقر وبنى بيتاً على شاطئ البحر وعاش فيه حتى آخر أيامه، وحصل على اسم “جيمس بوند” من نفس اسم مؤلف كتاب دليل “طيور جمايكا”، بينما تذكر مصادر أخرى أن الاسم من كتاب لمعلم أخصائي في الجغرافية استقر بالصدفة على طاولته.

العميل رقم 007.. حتى 2019
استطاع العميل رقم 007 تحقيق شهرة خيالية لفليمينغ، على مستوى العالم، كما حقق أرباحا كبيرة لأولئك الذين نقلوا رواياته إلى الشاشة الكبيرة.

ويعد بوند أحد أهم أبطال الأدب الشعبي والسينما في النصف الثاني من القرن العشرين، وفي البدء صدرت الرواية الأولى عام 1953، والفيلم عام 1962، ورغم أن زوجة الكاتب، آن فليمينغ، اعتبرت هذه المؤلفات من الأعمال الأدبية الخفيفة واسمتها “قصص رعب مخيفة”، إلا أن مبيعات رواياته ومبيعات شباك تذاكر أفلامه كانت تتزايد باستمرار.

لم تكن زوجة فليمينغ فقط من رأت ذلك، بل واجه هذا الأخير انتقادات واسعة وآراء متضاربة، وسخرية ربما من الوسط الأدبي، إلا أن النجاح المنقطع النظير لـ “بوند” كان رداً من نوع خاص.

ولم يمنع موت فليمينغ من استمرار سلسلة أفلام جيمس بوند التي لم تتوقف أبداً، ومن المقرر أن يخرج فيلم بوند الجديد إلى النور وهو يحمل الرقم 25، في عام 2019.

ومن الجدير بالذكر أن الجاسوس الأشهر “جيمس بوند”، وما حوله من شخوص، استقاها المؤلف من شخصيات حقيقية كان يعرفها الكاتب من أصدقائه وزملائه في العمل ومن محيطه، إلا أن هذا العالم المثير استطاع أن يحيا حيوات متعددة في أذهان الجمهور وخاصة الشباب.

الحقيقة والخيال
وبحسب العديد من النقاد، فإن الحياة التي عاشها الكاتب فليمينغ، سعى فيها بكل الطرق للمزج بين الحقيقة والخيال، والذي عادة ما ينفيه الكتاب أو يحاولون تجنبه.

وجيمس بوند صاحب الشعر الأسود، فاتن النساء بنظرات عينيه الزرقاوين، صاحب إجازة بالقتل المطلق، هو في النهاية شخصية مصنوعة بشكل مثالي على مقاس التصورات التي صاغها عنها مؤلفها.

والتشابه بين الاثنين واضح، الاثنان جاءا بالأصل اسكتلندي، رغم أن فليمينغ جاء إلى العالم من عائلة نبيلة لندنية أقامت في حي “مايفاير”، إلا أن أصل العائلة اسكوتلندي، الاثنان درسا في المدرسة نفسها، “إيتون”، الاثنان كانا رياضيين متفوقين، الاثنان فقدا الأب في عمر مبكر.

كما أن المؤلف وبطله كانا مغرمين بالنساء والسيارات وحياة الفخامة والإثارة، وبدا للنقاد وكأن فليمينغ حاول من خلال بوند أن يعيش في الخيال ما لم يتح له في الواقع، كالمغامرات الخطرة الساحرة، وكل ما اعتقد أنه سيجده في حياة ضباط المخابرات، واستطاع الكاتب المبدع أن يمنع بطله شخصية كاريزمية لا تقاوم، وحول خياله لحقيقة بشكل ما، أكبر مما كان يتوقع له أن يكون، ونبع ذلك من موقفه إزاء العالم من حوله.

الساحر.. العملاء السريين

كما امتلك فليمينغ حساً قوياً للسينما والذي عُرف فيه حتى قبل أن يطلق جيمس بوند في روايته الأولى “كازينو رويال” عام 1953 وإن لم ينجح بتطبيق ذلك عملياً، فهو الذي اقترح عندما كان لا يزال ضابطاً في المخابرات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية إخضاع السجين الألماني رودولف هيس، الذي طار من اسكوتلندا في مايو (أيار) عام 1941، للتحقيق على أيدي الساحر الشهير أليستر كراولي، وهو الاقتراح لم يؤخذ به، مثله مثل الخطة التي اقترحها والتي توصي بإغراق حاوية مصبوبة بالكونكريت مفتوحة في العمق ومليئة بالعملاء السريين على الشواطئ الفرنسية، لكي يدرس المرء من عمق البحر وسائل الدفاع الألمانية، كل ذلك وغيره مشاهد أقرب إلى السينما تلك التي اقترحها فليمينغ أكثر منها اقتراحات عملية لضابط مخابرات بريطاني رصين.

موت الابن.. أسطورة بوند

وفي ما يتعلق بالرقم 007، فإن المرة الأولى التي فكر فيها يان فليمينغ بتبنيه له، كانت في الفيلا الضخمة الهادئة “غولدن آي” على شواطئ جامايكا، ولقي “كازينو رويال” مباشرة بعد نشره، نجاحاً أدبياً، لم تفقه إلا الكاتبة البريطانية جي.كي. رولينغ عن طريق سلسلة قصتها المعروفة “هاري بوتر”.

الأجزاء الأربعة عشر من جيمس بوند جعلت فليمينغ مثلما جعلت رولينغ اليوم، يصبح مليونيراً لدرجة أنه سمح لنفسه بأن يطلي آلة الكتابة الخاصة به بالذهب، خلال تصوير القصة من قبل الممثل (الاسكوتلندي أيضاً) شون كونري ثم روجر مور، تحول العميل السري الذي يقاتل في سبيل التاج إلى ظاهرة “ملكية”، بحسب كبار النقاد.

لكن النجاح لم يسعف فليمينغ بإنقاذ ابنه الوحيد “كاسبار” الذي كتب له كتاب الأطفال ” تشيتي تشيتي بانغ بانغ” الذي ظهر عام 1964.

وكان كاسبار يعاني الاكتئاب، الذي أدخله المستشفى، لاحقاً وأنهى حياته بالانتحار عام 1973 في عمر 23 عاماً، وفي 11 أغسطس من العام نفسه سقط فليمينغ صريع نوبة قلبية، ليموت بالضبط في نادي الغولف “سانت جيورج”، الذي أوحى له بتلك المبارزة الأسطورية التي رأيناها في السينما بين بوند وغريمه أوريك غولدفينغير، وترك وراءه أسطورة وأيقونة قائمة بذاتها عبر الزمن لا تموت، “بوند.. جيمس بوند”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.