قدّم المنتخب الجزائري أحد أفضل مستوياته على الإطلاق، وذلك خلال مشواره في بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، التي أسدل الستار على منافساتها، بتتويج “محاربي الصحراء” باللقب القاري.
وحصد “الخُضر” الكأس القارية الثانية في تاريخهم، بعد نسخة عام 1990، التي أقيمت على أرضهم ووسط جماهيرهم الغفيرة؛ إثر الفوز على السنغال في المباراة النهائية بهدف نظيف.
وأبان رفاق القائد رياض محرز عن قدرات وإمكانيات كروية رفيعة فوق “المستطيل الأخضر”، وأكدوا ذلك بالتربع على عرش القارة السمراء عن جدارة واستحقاق كاملين.
ولا يُمكن تجاهل الدور الكبير الذي أداه المدرب جمال بلماضي في ظهور المنتخب الجزائري بمستوى كهذا، منذ توليه المسؤولية الفنية في أغسطس 2018، خلفاً لرابح ماجر، وبعقد يمتد حتى مونديال قطر 2022،؛ إذ انتشل “الخضر” من القاع إلى القمة.
وصرح بلماضي بعد توليه قيادة “الخُضر” بأنه سيفوز بلقب كأس الأمم الأفريقية، على الرغم من أن الجزائر بعيدة عن اللقب القاري منذ أحرزته للمرة الأولى والأخيرة عام 1990 في النسخة التي أقيمت على ملاعبها، وهو ما حدث بالفعل.
وأوضح المدرب آنذاك أنه يعلم كل العقبات والمعيقات التي تقف أمام الجزائري، لكنه شدد على ضرورة امتلاك هكذا عقلية وثقة وطموح وروح عالية من أجل العمل بغية الوصول إلى الأهداف الكبيرة.
من القاع إلى القمة
ونجح بلماضي منذ إشرافه فنياً على “محاربي الصحراء” في فرض شخصيته على اللاعبين، مؤكداً أن “لا فارق بين لاعب محلي وآخر محترف” سوى بالجهد المبذول فوق “المستطيل الأخضر”، رافضاً منح اللاعبين أي ضمانة للوجود في التشكيلة الأساسية للمنتخب الجزائري.
وتمكن المدرب المحنك من إدارة المجموعة التي اختارها بدهاء شديد، رغم توفرها على لاعبين بارزين ومهاريين ينشطون في كبرى الدوريات الأوروبية، مرسخاً قاعدة في قاموسه التدريبي مفادها “لا اعتراف بالأسماء والنجوم وإنما بالعطاء فوق أرضية الميدان”.
وتعتبر “الخسارة” أكثر كلمة منبوذة في قاموس المدرب الجزائري، وبحسب مقربين منه فإن الهزيمة تُحول بلماضي إلى “شخص آخر”، كما يحرص على البقاء بالقرب من أرضية الميدان لتوجيه التعليمات والنصائح للاعبيه لتقديم أفضل ما لديهم خلال المباريات.
“مورينيو أفريقيا”
ويمتاز المدرب الجزائري الشاب (43 عاماً) بقوة شخصيته ورفضه التدخل مطلقاً في صلاحياته، راسماً لنفسه “طريق النجاح” أينما حلّ وذهب في مسيرته التدريبية المليئة بالنقاط المضيئة رغم قصرها (10 سنوات).
واشتهر بكونه مدرباً متطلباً للغاية، ويركز على الدقة المهنية والتفاني والالتزام تجاه المجموعة، ولا يهاب الأسماء الرنانة، على غرار ما فعله حين أجلس نجم بورتو البرتغالي ياسين براهيمي على مقاعد البدلاء، واعتمد على لاعب الترجي التونسي يوسف بلايلي.
ولدى بلماضي تجارب سابقة حين كان مدرباً للمنتخب القطري؛ إذ أطاح بأسماء وازنة كسيباستيان سوريا، وخلفان إبراهيم، وفضّل الاعتماد على لاعبين مستعدين للقتال فوق “المستطيل الأخضر”.
ويُعرف عنه ردوده القوية على أسئلة الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة، كما يتبع سياسة هجومية في رده على أصحاب “السلطة الرابعة”، حتى وصل الأمر إلى تسميته بـ”مورينيو أفريقيا”؛ نسبة إلى المدرب البرتغالي الشهير جوزيه مورينيو، المعروف عنه “لسانه السليط”، ورفضه التراجع أمام انتقادات الصحافة، فضلاً عن استحواذه على كامل الصلاحيات.
إنجازات تدريبية
وحقق بلماضي إنجازات عديدة بوصفه مدرباً للفرق والمنتخبات القطرية منذ بدأ حياته التدريبية عام 2009، منها الفوز بـ”دوري نجوم قطر” مع لخويا (الدحيل حالياً) في موسمين متتاليين.
وقاد المدرب الجزائري المحنك منتخب قطر للفوز ببطولتين في 2014؛ الأولى “غرب آسيا” للمرة الأولى في تاريخ مشاركاته في البطولة الإقليمية، في حين كانت الثانية قيادة “العنابي” للظفر بكأس الخليج العربي “خليجي 22″، بعد الفوز في المباراة النهائية على السعودية (البلد المستضيف) بنتيجة (2-1).
وعاد بلماضي إلى قيادة الدحيل من جديد ليقوده لتحقيق “الثلاثية المحلية” عام 2018، وهنا يدور الحديث حول الدوري القطري، وكأس قطر، وكأس أمير قطر، ليظفر بجائزة “مدرب العام” في قطر، فضلاً عن “الكرة الذهبية” الجزائرية كأفضل مدرب في العام ذاته.
كما حقق 8 انتصارات متتالية مع الدحيل القطري في دوري أبطال آسيا، ووصل إلى الدور ربع النهائي بـ”العلامة الكاملة”، قبل أن ينفصل عن الفريق القطري، ليتولى لاحقاً تدريب منتخب بلاده.
وقبل دخوله عالم التدريب دافع الرجل الصلب عن ألوان أندية أوروبية عريقة، على غرار باريس سان جيرمان ومرسيليا الفرنسيين ومانشستر سيتي الإنجليزي، إضافة إلى سيلتا فيغو الإسباني، قبل ذهابه إلى المنطقة الخليجية.
وبلغ المنتخب الجزائري نهائي البطولة الأفريقية، بعد فوزه المستحق على “نسور” نيجيريا، بهدفين مقابل هدف، في لقاء “المربع الذهبي”، ليضرب الجمعة المقبل موعداً نارياً مع السنغال للصراع على الكأس القارية.
واستهل “الخُضر” مشوارهم في البطولة بـ”العلامة الكاملة” في الدور الأول بثلاثة انتصارات على حساب السنغال وتنزانيا وكينيا، ثم تغلّبوا على غينيا بثلاثية نظيفة، قبل أن يتجاوزوا عقبة ساحل العاج في دور الثمانية بركلات الترجيح (4-3)، بعد نهاية الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل (1-1) في أصعب مباريات “محاربي الصحراء” في البطولة الأفريقية.
ونظراً لتألق الجزائريين في النسخة الأفريقية الـ32 للمنتخبات، منح الاتحاد الأفريقي المدرب الشاب جائزة الأفضل في دور المجموعات، كما أنه بات قريباً من الفوز بلقب المدرب الأفضل في “كان 2019”.