بعد فضيحة مناقشة ملف التقاعد من طرف وزيرين وثلاثة مستشارين فقط بلجنة المالية بمجلس المستشارين وفي الوقت الذي تستعد فيه الحكومة لتهريب مايسمى بإصلاح التقاعد من مؤسسة الحوار الاجتماعي إلى الجلسة العامة بهذا المجلس، فاجأت الحركة النقابية بقيادة الاتحاد المغربي للشغل الحكومة بانتزاعها للنصاب القانوني الذي يسمح بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الاختلالات التي يعرفها الصندوق المغربي للتقاعد حيث وقع على العريضة المطالبة بلجنة التقصي مايزيد عن 40 مستشارا بالمجلس.
نجاح الحركة النقابية في الحصول على النصاب القانوني لتشكيل لجنة تقصي الحقائق يؤكد بما لايدع مجالا للشك عن صدقية المواقف النقابية وعدالة القضية التي تدافع عنها والمتمثلة في حماية مكتسبات وحقوق منخرطي الصندوق المغربي للتقاعد التي تحاول الحكومة الحالية الإجهاز عليها عبر ثالوثها الملعون: الزيادة في سن التقاعد، الرفع من الاقتطاعات وتقليص قيمة المعاش. وباللجوء إلى هذه الآلية الدستورية تكون الحركة النقابية قد خلطت من جديد أوراق الحكومة إذ لن يكون بمقدور هذه الأخيرة تمرير مشروع تعديل قانون المعاشات المدنية في الجلسة العامة بمجلس المستشارين بالسهولة التي باتت تتصورها حينما مررت هذا الملف المجتمعي الشائك الذي يهم مئات الآلاف من المنخرطين، في لجنة المالية بثلاثة مستشارين فقط، خاصة وأن التبريرات التي قدمتها الحكومة لتمرير مخططها تقوم على أساس وجود أزمة حقيقية بالصندوق المغربي للتقاعد تهدد ديمومته في الأجل القريب في الوقت الذي تؤكد فيه النقابات أن الطرح الحكومي مبني على باطل لأن الأمر يتعلق فقط بمجرد اختلالات ولازال أمام الجميع الوقت الكافي لتداركها عبر إصلاح شامل لمنظومة من قطبين قطب عمومي وقطب خاص، في ظل توفر الصندوق المغربي للتقاعد على احتياطات مالية هائلة تفوق 80 مليار درهم هذا في الوقت الذي يكتفي فيه المجلس الإداري للصندوق بالحديث عن وجود عجز تقني ليس إلا وهو ما يؤكد ضمنيا الطرح النقابي. لذلك فلجنة تقصي الحقائق هي التي ستقف على حقيقة الوضع المالي للصندوق المغربي للتقاعد وبالتالي المنطق الأخلاقي يقتضي هنا تأجيل طرح مشروع القانون المذكور بالجلسة العامة إلى حين صدور ومناقشة تقرير لجنة تقصي الحقائق وإلا فلن يكون أي معنى لهذه الآلية الدستورية لرقابة الحكومة المنصوص عليها في الفصل 67 من الدستور الذي ينص على تشكيل لجان لتقصي الحقائق بمبادرة من ثلث أعضاء مجلس المستشارين. وبما أن ملف الصندوق المغربي للتقاعد ليس موضوع أي متابعة قضائية، فإن بنكيران لن يكون بمقدوره إقبار هذه اللجنة.
هذه المبادرة النقابية تحمل في طياتها أيضا رسالة واضحة إلى الحكومة بخصوص مصير مشروع القانون المكبل لحق الإضراب الذي تنوي الحكومة إطلاق المسطرة التشريعية لتمريره هو الآخر دون تفاوض، مباشرة بعد تمرير مشاريع تعديل القوانين الخاصة بالتقاعد.
(سعيد صفصافي)