فيدرالية اليسار وإشكالية تحديد العدو الرئيسي

الجريدة نت29 يوليو 2016
فيدرالية اليسار وإشكالية تحديد العدو الرئيسي

عقدت الهيئة التقريرية لفدرالية اليسار الديمقراطي اجتماعها والمنعقد يوم الأحد 24 يوليوز الحالي والمشكلة من الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي والحزب الاشتراكي الموحد، وتفاعلا مع ما جاء في تقرير نشره السيد محمد طلحيوي.

وفي البداية أسجل ملاحظة هامة بخصوص التقرير وباعتباره تقرير عن اجتماع الهيئة التقريرية للفدرالية فإنني ألاحظ وبشكل سريع أن الاجتماع تمحور حول الانتخابات فقط في حين أن على الساحة السياسية مستجدات خطيرة من قبيل ” تمرير قانون إصلاح التقاعد – ويجري الآن التداول لتمرير قانون الإضراب ” مما يجعلني أتسأل عن أهمية وأسبقية كل مستجد عن الأخر.
لن أخوض هنا في موقف المشاركة أو المقاطعة لأن الموقف قد حسم لصالح المشاركة بناءا على تحليل سياسي قد يكون خاطئ أو صحيحا، لكن ما أثارني هو السؤال الذي اندرج بالتقرير حول ” من هم أعداء الفدرالية ؟ ” وصنفهم التقرير إلى نوعين:
1 هو الأحزاب الإدارية
2 العزوف الشعبي وصنوه المؤدلج
بداية لبد من الإشارة إلى تحديد العدو الرئيسي، وأعتبر أن العدو الرئيسي هو النظام ألمخزني ” التكتل الطبقي السائد ” باعتباره الحاكم الفعلي الغير المنتخب والغير القابل للمسألة والمحاسبة، وهو المحدد لتوجهات الدولة على جميع المستويات ” السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية وحتى الدينية ” وهو المنتج والمخرج والمتحكم في خيوط اللعبة السياسية وكذا صناديق الاقتراع، من هنا يمكن تحديده على أنه العدو الرئيسي، أما مجموع الأحزاب الإدارية ليست سوى أدوات بيد النظام المخزني يؤثث بها مشهده السياسي المزيف داخليا يوهم الشعب المغربي بأن انتخابات ديمقراطية ونزيهة قد أجريت وأنها ستحدث تغيرا جوهريا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي لشعب، وخارجيا يسوق صورة حسنة لنفسه أمام المنتظم الدولي على أنه نظام ديمقراطي يتم فيه التداول على الحكم. وسأعطي أمثلة على شكلية الأحزاب الإدارية والمؤسسات التشريعية منها مثلا عدم قدرتها على الاعتراض ومناقشة التوجهات الكبرى للدولة مثلا ميزانية القصور والتشريفات والأوسمة وميزانية الجيش وميزانية الصناديق السوداء وخير مثال هو عدم قدرتها على مناقشة واعتراض قرار إرسال قوات عسكرية لضرب اليمن. والعديد من المسائل والقضايا لا تستطيع الأحزاب المنضوية تحت قبة البرلمان الشكلي أن تعارضها لعدم توفرها على صلاحيات وسلطات دستورية وتمركز هذه السلطات بيد المؤسسة الملكية المعبر السياسي للنظام المخزني. وهذا هو مربط الفرس والذي يجعل من أي عملية انتخابية مجرد مسرحية هزلية لا غير. ولعل الرفاق بفدرالية اليسار تفطنوا إلى الطريقة التي أغلق بها المخزن مشهده السياسي وهو الآن يخير المغاربة بين خيارين الأول التصويت على العدالة والتنمية والثاني التصويت على الأصالة والمعاصرة ومها وجهان لعملة واحدة ولا تهم إيديولوجية كل واحد منهما ولا داعي للحديث عن المرجعية الدينية للعدالة والتنمية أو الحداثوية للبام لأنها أمور لا تحدث تأثير جوهري على اللعبة وعلى البرامج الانتخابية لكل منهما لأن البرنامج الحقيقي الذي سيطبق بعد الفرز هو برنامج المخزن، وبالتالي فالرفاق في الفدرالية أخطؤوا تحديد العدو الرئيسي.
أما في ما يخص العدو الثاني كما حدده الرفاق بالفدرالية ” العزوف الشعبي وصنوه المؤدلج ” أعتقد أن تحديد ووضع الجماهير المقاطعة للانتخابات المخزنية ضمن لائحة أعداء الفدرالية لهو غلط كير لأن الشعب المغربي أدرك عدوه الحقيقي وعى بأن عدوه هو المخزن ويقاطع انتخاباته لأنه يعرف أنها لعبة مغشوشة ويعي بأن حل مشاكله لن يتأتى من صناديق متحكم فيها وتفرز نواب شكليين يصلون إلى مؤسسات شكلية يمرر المخزن بهم قوانين وقرارات لا شعبية ولا يعدون أن يكونوا مجرد موظفين ساميين للدولة يفتقدون لأي شرعية شعبية فالمواطن المغربي البسيط فقد الثقة في المؤسسات المخزن ومرشحيه وأكسبته تجربة أكثر من 50 سنة من الانتخابات وعيا كافيا بأن مصالحه وحل مشاكله لن يأتي من صناديق متحكم فيها وبالتالي فإن مقاطعة الانتخابات المخزنية ليس بعزوف عن السياسية بل هو في جوهره ممارسة لموقف سياسي واعي. هو بمثابة رفض للمشاركة في السياسة المخزنية. وهو كذلك رسالة قوية للمخزن مضمونها هو أن الشعب المغربي لم يعد يقبل بوجود حكومة في الواجهة لا تحكم وحكومة في الظل تحكم ولا تنتخب ولا تحاسب. أما مقولة العزوف السياسي فهي مفندة ومن ضمن من فندها هي حركة 20 فبراير والمشاركة الشعبية القوية فيها وكذلك الاحتجاج الشعبي العارم على الإفراج على مغتصب الأطفال الإسباني ” دنيال ” وكذلك الحملات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي ضد بعض القرارات اللاشعبية. وكما للمخزن ديمقراطيته فلشعب ديمقراطيته، وكما للمخزن سياسته فلشعب سياسته.
أما في ما يخص الواجهات الداعمة لفدرالية اليسار وتناول التقرير لعلاقة النقابي والسياسي وجعل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل وجهة داعمة في الانتخابات المقبلة لا أعرف صراحة كيف سيتم إقناع الطبقة العاملة التي تعيش اليوم أبشع الظروف الاجتماعية والتشتت والضعف النقابي كيف سيتم إقناعها للمشاركة والتصويت في الانتخابات في الوقت الذي لم يفعل المخزن بنود اتفاق 6 ابريل من سنة 2011 والذي بواسطته تم تحيد الطبقة العاملة من المشاركة والانضمام لحركة 20 فبراير، كيف سيتم إقناع الطبقة العاملة اليوم للمشاركة في الانتخابات هي نفسها الانتخابات التي أفرزت برلمانيين شكليين مرروا قانون التقاعد المجحف ويستعدون الآن لتمرير قانون الإضراب السلاح الوحيد المتبقي للطبقة العاملة، كيف ستقتنع الطبقة العاملة وهي أدركت أن البرلمانيين والمستشارين في خدمة عدوهم الطبقي، في خدمة الباطرونا. أعتقد أن استخدام الطبقة العاملة في إعادة نفس نمط الحكم المعادي لمصالح الطبقة العاملة هو أبشع استغلال تتعرض له بعد الاستغلال الرأسمالي.
وفي الأخير أعتقد أن الأسئلة التي يجب أن تؤرق الرفاق بفدرالية اليسار هي
1 كيف سنواجه تحكم وزارة الداخلية في اللعبة الانتخابية ؟
2 كيف سنتصرف حيال اعتماد اللوائح الانتخابية الفاسدة عوض اعتماد البطاقة الوطنية ؟
3 كيف سنحقق النجاح في الانتخابات بدون التوفر على مرشحين أطر أكفاء يغطون كامل التراب الوطني ؟
4 كيف سننجح في الانتخابات في ظل التقطيع الانتخابي الفاسد الذي وضعته وزارة الداخلية ؟
كيف سنتصرف إزاء إطلاق وزارة الداخلية العنان لاستعمال المال والوسائل الغير المشروعة لاستمالة الناخبين لصالح طرف ضد آخر ؟
كيف سنتصرف إزاء تزوير النتائج ؟
كيف سنواجه الريع السياسي واستعمال الأعيان والزوايا والمساجد و…إلخ ؟
كلها أسئلة يجب أن تؤرق الرفاق بفدرالية اليسار عوض وضع المقاطعين ضمن لائحة أعداء الفدرالية واعتبارهم عازفين عن السياسة .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.