نظمت صبيحة اليوم الاحد 18 شتنبر 2016 مسيرة شاركت فيها بضعة مئات من المواطنات والمواطنين استجلب بعضهم بحافلات من بني ملال وبرشيد وغيرهما. وفي تصريح لوزير الداخلية اكد ان مصالحه اخذت علما بالدعوة لهذه المسيرة من خلال تتبعها لمواقع التواصل الاجتماعية وانه لم تتقدم اية جهة بطلب الترخيص، وان الوزارة سمحت بالمسيرة لأنها تزامنت مع لحظة يستحسن ترك التعبيرات المجتمعية تعبر عن نفسها، كما نفى ان تكون للوزارة يد في الدعوة وتنظيم المسيرة.وجدير بالقول ان الشعار المركزي لهذه المسيرة هو “لا لاسلمة الدولة ولا تسييس الدين” وكانت ايضا شعارات تطالب برحيل بنكيران. كما صرح مشاركون في هذه المسيرة بأنهم لبوا دعوة المقدمين ومسؤولي السلطات المحلية، بل منهم من لا يعرف حتى لماذا هو في المسيرة.
ومن جهة ثانية صرح احد مسؤولي البام بان لا علاقة لحزبهم بهذه المسيرة و هو لا يتفق مع الدعوة لها.
ان حدث المسيرة يحمل عدة دلالات ويمكن اجمالها في التالي:
1- هي مسيرة مرخص لها، والمنظمون على علم بذلك وهو ما استغلوه في استجلاب الحشود بالحافلات من مدن اخرى، ولكون القوافل وصلت الى مكان انطلاق المسيرة يكشف على تعاون وزارة الداخلية، لأنها في مثل هذه الحالات كانت تتدخل وتحجز الحافلات وهو ما حصل لما تكون الجهات المنظمة هي القوى المناضلة.
2- رسميا وزارة الداخلية تنفي انخراطها في الدعوة وتنظيم المسيرة لكن هناك شهادات بالصورة والصوت لمواطنات ومواطنين يؤكدون مساهمة عناصر من وزارة الداخلية في التعبئة وتنظيم الحضور في المسيرة.
3- انخرطت جمعيات بعينها وهي جمعيات تابعة لشخصيات سياسية في التعبئة وتنظيم المسيرة وهي جهات تشتغل سياسيا ضد البيجيدي ولصالح البام رغم ان الحزب بدوره ينفي الدعوة للمسيرة وهو غير متفق عليها.
4- ما يقع هو تعبير عن “انفلات” اداري وامني وسياسي محسوب . فما هو الهدف منه؟
+ سيكون من السذاجة القول بان ليس للدولة خطة او هدف سياسي تسعى من وراء تنظيمها لهذه المسيرة . في الظاهر تستهدف المسيرة بشكل مباشر بنكيران ومن ورائه البيجيدي وهي بذلك تخدم البام . وربما في العمق فإنها تهدف الى تسخين الطرح وإضفاء بعض المحفزات للحملة الانتخابية وبالتالي استفزاز الناخبين المتخوف من مقاطعتهم للانتخابات لكي يحضروا بكثافة، وهذا سيمكن من الرفع من نسبة المشاركة والتقليل من نسبة المقاطعة التي يخشاها النظام لأنها تمس شرعيته السياسية. فبعد مسيرة البيضاء فان الكثير من قواعد البيجيدي واوساط اخرى من قوى الاسلام السياسي ستعلن التعبئة القصوى وهذا بدوره ربما يخلق حماسا واقبالا لذى الاطراف الاخرى.
+ يبدو منذ الان ان المسيرة بدأت تعطي نتائج عكسية تتمثل في كون البيجيدي اصبح في وضع المظلوم والمستهدف من طرف المخزن وهو ما سيدر عليه تعاطفا اقوى، وفي نفس الوقت بدى البام كحزب النظام الذي ينظم المسيرة من اجل دعم حزبه البام بحملة انتخابية سابقة لأوانها؛ لذلك سارع ذلك المسؤول البامي بنفي دعوة الحزب او تورطه فيها لأنه يريد ان يبعد شبهة حزب الدولة.
كما تجب الاشارة الى ان الدولة عبر وزارة الداخلية سمحت بحملة انتخابية سابقة لأوانها وهذا تناقض لا يثير عندها حرجا و لا حساسية انها دولة الحق والقانون و ليس هناك من يحاسبها لان حتى المتضرر سيبلع لسانه .
5- اظهرت الاستجوابات مع المشاركات والمشاركين في المسيرة طبيعة الجمهور الذي يستعمله المخزن . انه الجيش الاحتياطي من اللمبنبروليتاريا او البروليتاريا الرثة وهو نفس الجيش الذي استعمل ضد حركة 20 فبراير في جميع التظاهرات المنظمة من طرف الدولة .
6- بتنظيم مسيرة البيضاء تدخل الحياة السياسية ببلادنا الى نفق جديد تؤطره شعارات وتصريحات منفلتة : منها تصريح نبيل بنعبد الله حول المسؤول عن التحكم مؤسس البام وجواب الديوان الملكي الذي اعتبر فيه ان بنعبد الله خرق الدستور والقوانين المنظمة ومس بالمؤسسة الملكية، وتصريح بنكيران حول تشبته بالشيخ ابن تيمية وترشيح حماد القباج احد دهاقنة الفكر التكفيري وتلميذ ابن تيمية والفكر الوهابي، والجواب عليه بتنظيم مسيرة البيضاء التي تندد باسلمة المجتمع وترفض تسييس الدين . من خلال هذه الشعارات والمواقف يتكشف معطى اساسي وهو ان ازمة النظام السياسية آخذة في التطور السريع . فالسياسة اصبحت مبتذلة ينعدم فيها البعد والعمق الاستراتيجيين، انها سياسة سياسوية منحصرة في اليومي والظرفي، وتصرف بآليات وأساليب شعبوية. وهذه بوادر فقدان الوضوح والمشروع المجتمعي . كما انها تعتمد اسلوب الفرجة والتلهية عبر تسارع الاحداث والتفاهات ومحاولة التغطية على واقع اقتصادي واجتماعي محتقن الى درجة الانفجار.اننا امام لحظة عهد يتفسخ ويموت تدريجيا وعهد جديد يأبى التبلور لأنه يفتقد للمولدة.
7- ان الوضع الراهن يستوجب الحضور السياسي والفكري والبرنامجي لليسار وكافة القوى المناضلة . حضور واعي من اجل توفير الشرط الذاتي لكي يوضع النظام امام حقيقته بانه معزول فاقد للشرعية السياسية التي مصدرها الشعب والذي يقاطع بشكل اغلبي كل استشاراته الانتخابية، ولكي تترجم تلك الاغلبية موقفها الرافض للاستبداد الى موقف سياسي واضح مفاده ان الشعب يريد تقرير مصيره وانه لم يعد يحتمل التمديد للاستبداد وانه لم يعد قابلا لتجديد نخبه . هو هذا الموقف الذي على اليسار ان يقفه اليوم بدل مشاركته في لعبة باتت تتمخض عنها حكومات مثل الحالية التي بعضها يدين التحكم وبعضها يدافع عنه بل يرقيه الى مؤسسة دستورية، بعضها يرشح ويشرف على الترشيحات وبعضها يتنكر لذلك ويعلن تنصله من جميع القرارات؛ ثم بعضها ينظم المسيرات المنددة ببعضها الآخر ومن ضمنها رئيس الحكومة . هل بمشاركة اليسار سيتمكن من تغيير هذا الواقع وسيرفع من وعي الجماهير؟ انما لا يدركه بعض اليسار هو ان الوعي الحسي للأغلبية الساحقة لشعبنا جد متقدم في ادراك حقيقة مؤسسات النظام بما فيها البرلمان، وان تلك الجماهير ماضية في تطوير ذلك الوعي عبر وسائل التواصل من خارج الاعلام الرسمي. بل ان اليسار هو من سيفقد ثقة الجماهير لما يحاول اقناعها بالمشاركة.كما يتجاهل هذا اليسار ان هذا الشعب عاش تجربة حركة 20 فبراير المجيدة والتي بفضلها ارتعشت مفاصل النظام وسارعت لطرح سياسات لم يحلم بها كل الطيف السياسي المنخرط في مؤسساته .