الصيف هو من اهم الفصول السياحية في فرنسا وفي باريس بالذات التي تستقبل الزوارمن جميع انحاء العالم وعلى الرغم من ان المناطق السياحية كثيرة في العاصمة لكن واحدة من اهمها منطقة صغيرة في شمالها كانت سابقا غير تابعة لها وانضمت إليها حديثا، حيث يوجد فيها الكثير من الاثار التاريخية وأماكن جديرة بالزيارة.
الحي يقع على تلة مونمارتر وتعني باللغة اليونانية ” تل الشهداء ” التي تعد من اعلى مناطق العاصمة الطبيعية التي يبلغ ارتفاعها 130 مترا، تم الحاقها بباريس عام 1860 والتسمية جاءت بعد مقتل اول أسقف في باريس ” سان دنيس ” وشخصين معه تم قطع رؤوسهم فوق التلة في زمن كان يضطهد فيه معتنقو الديانة المسيحية، وتخليدا لذكرى هؤلاء الضحايا تم بناء كنيسة في ذلك المكان والتي سمية بكنيسة القلب المقدس. .
ولدى الصعود على الاقدام أو المصعد وقبل وصولنا الى الكنيسة، يمكن ان نلاحظ تمثالا غريبا من نوعه وهو تمثال ” فرانسوا جان لو فيبر دو لا بار” الذي اثار فضولي لمعرفة تاريخ صاحب هذا التمثال، وبعد التقصي عنه ظهر انه لاحد النبلاء المعادين للكنيسة، حيث تم القبض عليه بتهمة إهانة المقدسات في عهد كانت فيه الكنيسة هي الآمر الناهي، لذا فقد قتل وقطع رأسه ثم احرق مع كتاب كان معه عنوانه ” قاموس الفلسفة” لمؤلفه فولتير، تلقى فولتيرهذا الخبر بحزن شديد وهو الذي كان معاديا للنظام الملكي الحاكم وقتها لذا هرب من فرنسا الى سويسرا ليواصل من هناك معارضته ، يذكر ان دولابار هو آخر فرنسي تم قتله بتهمة تدنيس المقدسات من قبل رجال الدين في فرنسا عام 1766.
المنطقة يقطنها الكثيرون من الأجانب من الافارقة والعرب والهنود الا ان هذا لايقلل من قيمتها السياحية بل على العكس فهذه الجاليات تمنح المكان أنماطا مختلفة من الحياة والى جانب ذلك يقطنها الكثيرون من الفنانين المشهورين أيضا ، و سكنها في وقت سابق الرسامان المعروفان بيكاسو وفان كوخ اللذان وقعا في حب المنطقة المليئة بالحركة والحياة. على يسار كنيسة القلب المقدس تقع ساحة ” تيرتر” والتي كانت تعتبر قلب قرية مونمارتر وقتها والتي تسمى الان ساحة لقاء الفنانين، ففي هذه الساحة يلتقي الرسامون ليرسموا لوحات زيتية جميلة أمام الملأ وهذه ظاهرة جميلة، فلدى مروري بالمنطقة اوقفني رسام ليقول لي ان جمالي غريب وانه من الضروري ان يرسم لي لوحة بيده..شكرته بلطف واعتقدت فعلا ان وجهي غريب. كما ان هناك ساحة في بلجيكا في مدينة ليج وبنفس الاسم تيمنا بساحة تيرترالتي يرتادها الرسامون والموسيقيون.بالقرب من هذه الساحة يوجد متحف صغير للرسام السوريالي ” سلفادور دالي “الذي يعرض فيه اكثر من 300 عمل من اعماله وعلى وجه الخصوص المنحوتات الاصلية المتأثرة بالمدرسة السوريالية.
مونمارتر هي منطقة الفنانين والحفلات أيضا كون هذين العالمين يعيشان معا وبشكل متواز، ففي الوقت الذي كانت تعيش باريس عصرها الذهبي كبناء برج ايفل احتفاء بالذكرى المئوية للثورة الفرنسية، عصر الانفتاح والتفاؤل وعصر النهوض الصناعي والثقافي كان من المهم والطبيعي ان يقوم الناس بالترفيه عن انفسهم من خلال الحضورالى المسارح والعروض الفنية والكوميدية والحفلات الراقصة، لذا تم بناء كاباريه يسمى ” مولان روج” او الطاحونة الحمراء من قبل رجل الاعمال “جوزيف اولر”الذي كان ذا إلمام بطبائع التاس وميولهم انذاك ونظرا للعدد الكبير من الأجانب والاغنياء والفنانين في المنطقة قام ببناء الكاباريه الذي سمية آنذاك بقصر النساء لانه ولاول مرة يقوم الناس بعروض راقصة في مجتمع كان دور النساء فيه هامشيا. مسرح ” ملان روج ” مشهور في جميع انحاء العالم ولايزال تقوم بتقديم العروض الفنية الى يومنا هذا وتعتبر تذاكره من ألأغلى ثمنا .
الهمت الفترة التي بنيت فيها الطاحونة الحمراء الكاتب اوسكار وايلد الابن الذي كتب روايته غادة الكاميليا متأثرابهذه الفترة الذهبية لمونمارتر، وتم تحويل الرواية الى فيلم رومانسي موسيقي مشترك ” أسترالي _ أمريكي ” من إنتاج، وكتابة، وإخراج باز لورمان. تدور أحداث القصة حول الشاعر كريستيان الذي يقع في حب ” ساتين” نجمة كباريه مولان روج المصابة بمرض عضال. ترشح الفيلم للعديد من الجوائز منها 8 ترشيحات لجائزة الاوسكار حصل على إثنتين منها