لم يكن زعيم جماعة الحوثيين اليمنية عبد الملك الحوثي يمزح, في خطابة لإتباعه عند اسقاط مسلحيه للعاصمة صنعاء في 21سبتمبر, عندما قال لهم أن هناك أطرافا سياسية, تسعى لتسليم معسكرات وأسلحة الجيش في مأرب ورداع, للجماعات المسلحة تنظيم القاعدة, وهي إشارة واضحة, اجمع المراقبون أن الحرب القادمة لهم, ستكون في هذه المناطق, فقد بات معروفا لدى الجميع, سياسة حركة الحوثيين, عندما يريدوا السيطرة على منطقة ما, دائما ما يبحثوا عن الحجة والعذر, لذلك بات العذر موجودا, أشار إليه زعيم الجماعة في خطابة.
كما أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب, لم يكن أيضا مازحا هو الآخر, في بيانه الذي أطلقه منذ أيام, وهدد بحرب طاحنة, تجتث الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء, بعد سيطرت مسلحي الحوثي عليها.
فخطابات الطرفين جادة, وتفاصيلها تبرز على الأرض, يوما بعد آخر, وهو سيناريو جديد, سيلتقي الطرفان لأول مرة وجها لوجه, كجماعتين مسلحتين متناقضتين, في المشاريع والايدولوجيا الدينية.
وصراع الطرفين, سيدخل اليمن في حرب أهلية, لن تقف عند منطقة بعينها, فستشتعل حربا طائفية, على غرار ما يجري في سوريا والعراق.
فكلا الطرفان يعدان العدة لمواجهة بعضها, ففي حين تتخذ جماعة الحوثيين القاعدة كعذر للسيطرة على مزيدا من المناطق, تتخذ القاعدة أيضا من تابعية الحوثيين لإيران, ومحاولة السيطرة على مناطقهم السنية عذرا لمواجهتهم, أمر يجعل مصير اليمن معلق بصراعهما, في سيناريو سيكون الأكثر دمويا وكلفة.
فقد بدأت ملامح هذا الصراع, من استهداف القاعدة للحوثيين في أكثر من مكان في شمال اليمن, كعمران وصعده نفسها مركز قيادة الحوثيين, بالإضافة إلى العاصمة اليمنية صنعاء واب ومأرب والجوف,.وأجزاء من الضالع, وسقط فيها العشرات من الحوثيين بين قتيل وجريح.
كما بدأ كل طرف يحشد لمواجهة بعض, فتنظيم القاعدة يحشد أنصاره إلى البيضاء ومأرب, بعد أن كان قد اخرج مظاهرات في رداع بالأيام الأخيرة, تدعوا إلى دعم التنظيم في مواجهة الحوثيين, والتي يبدو أن رداع ستكون عاصمة للتنظيم, لقيادة عملياته.
بينما الحوثيين بدأو في عملية التجييش باتجاه رداع ومأرب, مستفيدين من انتصارهم المعنوي والعسكري بصنعاء, ونهب عتاد الجيش, بعد سيطرتهم على معسكرات الدولة الأمنية منها والعسكرية في صنعاء, وباتوا يرسلوا تعزيزاتهم وعتاد مما غنموه, إلى مناطق الصراع في مأرب والجوف وذمار القريبة من رداع.
وفي الحرب والمواجهة لبعض ,سيعتمد كل طرف منهما بأسلوبه في الحرب, سيستخدم الحوثيين التفوق العسكري والكم البشري, والاندفاع الغير محسوب نتائجه لمسلحيه وكلفته البشرية, والذي كان سبب في كثير من انتصارات الحوثيين, ضد القبائل والجيش في عمران والجوف وصنعاء.
فيما سيعتمد تنظيم القاعدة, على أسلوبه في العمليات الانتحارية والهجمات المباغتة والكر والفر, وسيركز بالنسبة للجانب البشري من حيث الكيف وليس الكم, كعادته في حروبه السابقة التي خاضها مع الجيش.
الحوثيين متفوقين من ناحية العتاد العسكري, وأعداد كبيرة من المقاتلين, بينما يتفوق تنظيم القاعدة في العمليات الانتحارية, وعمليات الكر الفر, وتكاد تكون خبرت الطرفين متقاربة نتيجة للحروب التي خاضوها, واغلب مسلحي الطرفين, من الشباب والأطفال.
لكن هناك جانب مهم في عملية سير المعارك, والذي قد تخدم أي طرف, وهي البيئة الحاضنة, فحرب في منطقة يقطنها سنة كرداع ومأرب وخلفهما الجنوب, ستكون البيئة الحاضنة للقاعدة رغم ضعفها حاليا, والتي قد تزداد في حال اندلعت بين الطرفين, وخاصة أن أبناء القبائل منطوين تحت عناصر التنظيم, ويحظون بدعم قبائلهم, الأمر الذي لم يستطع الجيش في كل حروبه القضاء على التنظيم, وبالتالي فان منهجية الحوثيين وخطاباتهم التي يرددونها في حربهم, وفي مقدمتها الوهابيين الدواعش والإرهابيين, يعتبرها سنة اليمن حرب طائفية, يقودها الحوثيين ضدهم جميعا وليس ضد فصيل معين, فالوهابية هي مذهب سنة اليمن, وخاصة في ظل التحريض الطائفي والتحريض المضاد, من قبل القوى اليمنية.
انتصارات الحوثيين في الفترات السابقة, كانت بسبب الحاضنة البيئية, في صعده وعمران وصنعاء وذمار, التي بات يسيطر عليها مقدما بسبب الولاء المذهبي, وبعض أجزاء من المحويت وحجة وأب.
ومعركته ضد القاعدة في البيضاء, ستكون عبر ذمار المجاورة لها, وتعتبر ذمار حاضنة للحوثيين, وكان لها دور كبير في إسقاط صنعاء بيدهم, وفي سقوط بعض المعسكرات, التي يمثل الكثير من أبناءها نسبة مرتفعه, في عدد من الأجهزة الأمنية والعسكرية.
كانت جماعة الحوثيين تستغل الولاء المذهبي, في المناطق التي أسقطتها, وتقوم بالشحن الطائفي ضد خصومها, الذين عانوا وخسروا كثيرا في صراعهم, كونهم كانوا يمثلون أقلية في تلك المناطق, وهي نفس المعاناة التي قد يتجرعها الحوثيين, في مناطق لا يوجد فيها له حاضنة مذهبية, إنما يوجد فيها عداء حسب مراقبون ,جاء بعد تصرفات قام فيها الحوثيين أنفسهم, في المناطق التي سيطروا عليها, كتدمير مساجد ومدارس ومعاهد خصومهم, في حزب الإصلاح والسلفيين ذات التوجه السني, واحتلال مساجدهم في صنعاء, وفرض أئمة وخطباء من بني جلدته, كما أن معاناة سنة العراق, وعمليات التصفيات التي كان يقوم فيها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي, والمرجعيات الشيعية بدعم إيراني, ضد أهل السنة هناك, كلها تمثل عوامل رافضه للحوثيين, ومعيق لحكمهم وتوسعهم, على اعتبار أن من يقودهم ويخطط لهم ويدعمهم, هي إيران نفسها التي يجمع السنة أنها تقود حرب ضدهم, وباتوا يطلقون على الحوثيين دواعش اليمن, بسبب تشابه تصرفاتهم وتصرفات داعش العراق وسوريا.
لكن ما قد يستفيد منه الحوثيين, هو أنهم قد يحاربوا القاعدة باسم الجيش والدولة, بعد أن أصبحوا جزء رئيسي في إدارتها, وفرضوا أجندتهم وتمكنوا من اختراق الجيش, وفرضهم إدماج عشرات الآلاف من مسلحيهم, في المؤسسات الأمنية والعسكرية, في اتفاقية السلم والشراكة, الذي وقع مؤخرا بينهم وبين الرئاسة والأحزاب السياسية, وهو ما قد يجعل من الجيش وسيله الحوثيين, للسيطرة على مناطق لا توجد لهم فيها حاضنة, ويكون ذلك باسم الدولة, التي يكاد بعد إسقاطهم العاصمة, هم من يملكون الجزء الأكبر من اتخاذ القرار السياسي في اليمن.
في الجانب الآخر قد يكون استخدام الحوثيين للدولة كغطاء لمحاربة خصومهم, يجعل تنظيم القاعدة يحظى بشعبية, وسيعلن أن الجيش أصبح طائفيا, فقد بات بيد الحوثيين, وسيكون هذه المرة لديه الدليل, ليقنع الناس سيعزز ما كان يطلقه في فترات السابقة, أن هجماته ضد الجيش لأنه طائفي, ولم يكن حينها يصدقه احد, وبالتالي ستكون هذه المرة الحاضنة الشعبية مذهبيا, على غرار الحوثيين في شمال الشمال.
والصراع هذا سيغذى بطريقة ما, سواء أراد طرفاه ذلك أم لم يريداه, فالقوى المحلية والدولية ستعمل على ذلك, فكما هي تلك القوى والدول موجودة وداعمة لنفس الصراع, في سوريا والعراق ولبنان, حتما ستوسعه لليمن.
واندلاع صراع من هذا النوع في اليمن, سيشعل المنطقة العربية كلها والمجتمع الدولي, وسيزيد من الصراع على الممرات المائية اليمنية, وعلى رأسها مضيق باب المندب, ثالث أهم مضيق في العالم, والذي جعل المجتمع الدولي يحشد على مقربة من المياه الدولية لليمن, ويزيد من تخوف المجتمع الدولي ودول الخليج العربي ومصر, هو أن يسيطر احد الأطراف المتصارعة, سواء الحوثيين المدعومين من إيران, التي تسعى للسيطرة عليه بشتى الوسائل, لفرض حصار على دول الخليج, والتحكم في جميع الممرات المائية في المنطقة, أو السيطرة عليه من قبل القاعدة والتي يعتبره المجتمع الدولي الإقليمي تهديد للسلم والاستقرار الدولي.
فكلى الطرفين غير مرغوب فيهم عربيا ودوليا في السيطرة على اليمن وخاصة على الممرات المائية كمضيق باب المندب الذي قد يضطر المجتمع الدولي, الى بسط سيطرته عليه, في حال انفجرت الأوضاع في اليمن, إلى حرب أهليه طرفاها جماعة الحوثيين المسلحة, وتنظيم القاعدة.