ترامب ليس "دمية" بوتين.. بل "كابوسه" و"جحيمه"

الجريدة نت27 فبراير 2017
ترامب ليس "دمية" بوتين.. بل "كابوسه" و"جحيمه"

على عكس العديد من المحلّلين السياسيين، لم يرَ بروفسور الآداب والشؤون الخارجية في جامعة بارد، وولتر راسل ميد، أنّ ترامب مجرّد دمية في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ففي مقاله ضمن مجلة أمريكان إنترسبت، كتب أنّ الجوهر الأساسي لاستراتيجيّة ترامب العالمية يهدف إلى “تدمير أي أوهام في موسكو عن كون روسيا منافساً ندياً لواشنطن”.
ويرى ميد أنّ تصريح ترامب الأخير لوكالة رويترز عن أهمية توسيع ترسانة أمريكا النووية، “أرسل الإعلام إلى (حالة من) الفزع مرّة أخرى”. لكن ما تجاهلته الصحافة هو “حقيقة بديهيّة تدمّر سرديتها الخاصة: شخص كان في جيب فلاديمير بوتين بأمان لن يتجوّل ليقول أشياء كهذه”. فما نسيته “أمريكا الليبيرالية” لم تنسَه روسيا بالتأكيد: إطلاق سباق تسلّح أيام الرئيس الأمريكي رونالد ريغان كان “استراتيجية رابحة”. فالتكنولوجيا والثروة اليوم هما أفضليتان لأمريكا على روسيا، تماماً كما كانتا أيام الاتحاد السوفياتي.
بوتين يعلم ذلك
ميد يعتقد أنّ رسالة ترامب هنا هي عزمه على اتباع سياسة ريغان، الأمر الذي سيؤدي إلى تهميش أحد مصادر القوة والهيبة لدى روسيا. فموسكو ليس بإمكانها أن تسابق واشنطن في هذا المجال أكثر من قدرة بريجنيف في الاتحاد السوفياتي “المتصلّب لوحياً” على مقارعة الولايات المتحدة – “وبوتين يعلم ذلك”. لكن نسبة نجاح هذه الخطة هي “سؤال مختلف كلياً”. وأضاف ميد أنّ “إدارة ترامب ستكون أربع سنوات من الجحيم بالنسبة إلى روسيا”. وهذا يعود إلى أنّ واشنطن ستضاعف بشكل شامل إنتاجها من النفط الصخري، إضافة إلى اللجوء لتصنيع عسكري ضخم.
ترامب لا أوباما هو تهديدٌ لبوتين
ترامب، بكلمات أخرى، هو “كابوس لبوتين وتهديد أكبر بكثير، بكثير، لأهداف بوتين ممّا كان عليه الرئيس أوباما أو أراد أن يكونه”. فلو كان الرئيس الأمريكي يريد استرضاء نظيره الروسي لكان فاوض بشأن تقليص الأسلحة النووية، وخفّف الإنفاق العسكري وخفّض منسوب التوتر مع إيران حليفة روسيا، إضافة إلى خطوات أخرى. لكنّ “ترامب يخطط لعمل نقيض هذه الأشياء تماماً”. هذا الخيار “قد يكون أو لا يكون سياسة جيدة للولايات المتحدة”، لكن من يفكّر أنّ هذا سيحلّ راحة نفسية لدى الروس، فسيكون مخطئاً جداً، كما يكتب ميد.
صقرٌ أو خائن؟ … لديكم خيار واحد
ويطلب الكاتب من نقّاد ترامب افتراض أنّه قد يظهر حقيقة كرجل متشدّد وذي نزعة حربيّة، بطريقة قد “تجعل بشكل محتمل جداً جورج بوش الابن مثل جيمي كارتر”. عندها سيكون الديموقراطيون ومناهضو ترامب قد عرّضوا صدقيتهم للخطر على موقف سيبدو “غير صحيح بشكل مضحك”. بعد ستة أشهر من الآن أو ربّما سنة، سيتوقف نقاد ترامب عن تسميته بالخائن المناهض لأمريكا والمتواطئ مع روسيا، ليصفوه بأنه قومي متطرف وفاشي وخطر، حيث ستودي سياسته بالولايات المتحدة إلى حرب عالمية ثالثة. ويضيف ميد، أنه من الآن، هناك أصوات بدأت ترشقه بالاتهامين معاً: “الخائن المتشدد الذي تقوده النازية على النمط الأمريكي إلى لعق حذاء بوتين”. وأردف ميد كاتباً: “الإعلام يريد أن يصوّر ترامب على أنه نيفيل تشامبرلين وهتلر معاً”. وأضاف ميد: “متشدّد (من الصقور) أو خائن: بإمكانكم اختيار واحد فقط”. (تشامبرلين هو رئيس وزراء بريطانيا بين عامي 1937 و 1940 وقّع اتفاقية ميونخ مع ألمانيا النازية حيث تمّ تقسيم تشيكوسلوفيا بشكل يرضي هتلر).
نعناع أخضر وسموم
يكتب ميد أنّ الإعلام الليبيرالي المناوئ لترامب يساعد في خلق مناخ من الوطنيّة المدافِعة التي تؤدي بالتحديد إلى بروز رأي عام هو “نعناع أخضر للجمهوريين وسامّ للديموقراطيين الليبيراليين”. وعلى الرغم من كلّ ذلك، يشير ميد نفسه إلى إمكانية أن تكون الشائعات والأقاويل عن ترامب وبوتين صحيحة، بمعنى أن يحمل الثاني ما يبتزّ به الأوّل، أو أن يتشاركا كلاهما حلماً أسود مناهضاً للديموقراطية يحاولان فرضه على العالم. لكن إذا كانت هذه الأمور صحيحة، فلن تتمّ معرفة ذلك إلّا بعد أن يبدأ ترامب فعلياً بتوجيه السياسة الأمريكية الخارجية باتجاه روسيا.
العقوبات على روسيا … للزينة
بكلام آخر، إذا كان ترامب رهينة بوتين حقاً، “ستبدأ سياسته الخارجية بالظهور أكثر مثل سياسة أوباما الخارجية”. وتساءل ميد عمّا إذا كانت صحيفتا نيويورك تايمس وواشنطن بوست ستتهمان ترامب بالخيانة لاعتماده خليطاً من السياسات التي أنجبتها قواعد اللعب لدى أوباما نفسها. وانتقد ما سمّاه “العقوبات الرمزية وغير الفعّالة بشكل كبير” التي فرضت على روسيا. ولو ألمح ترامب بالتفاوض حول هذه العقوبات “التزيينية” ستنطلق عاصفة إعلاميّة بمعيار “تاريخي”. لكنّ سلوك أوباما المناهض لروسيا كان أقصى ما يمكن لسياسة أن تصل إليه من “ضعف وتردّد”. وعلى عكس ذلك، تبدو سياسات ترامب في تطوير القدرات العسكرية حتى من دون عقوبات، أكثر مناهضةً للروس ممّا رآه أوباما على أنّه عمليّ أو حكيم.
صحافة مشروعة
ويعيد ميد التشديد على وجود أسئلة “مهمة وصادقة” حول ترامب وروسيا. فالبحث في صلات العمل لدى الرئيس الأمريكي واحتمال تضارب المصالح لديه هو “صحافة مشروعة”. لكنّه في نقده للديموقراطيين وصحافييهم يؤكّد أن سياسة ترامب الخارجية الحالية لا توحي بأنّه في قبضة الكرملين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.