كشف البحث الوطني حول مستوى معيشة الأسر، المنجز خلال الفترة ما بين مارس 2022 ومارس 2023، من طرف المندوبية السامية للتخطيط، والذي جرى الإعلان عن خلاصاته مساء أمس الأحد، الهشاشة الاقتصادية لا زالت تلاحق 4 ملايين و750 ألف مواطن مغربي، في حين أن حوالي 72 في المائة من الأسر تتوفر على دخل سنوي أقل من المتوسط الوطني.
وأظهرت مذكرة المندوبية التي يوجد على رأسها شكيب بن موسى، أن التفاوتات الاجتماعية بالمغرب لا زال حاضرة بالمغرب، كما أن معدلات الفقر ورغم تراجعها خال السنوات الماضية، إلا أن الملاحظة الأساسية هي أنها ارتفعت في الوسط الحضري، كما أن جهتين من الجهات الـ12 بالمملكة سجلت نسبة فقر متعدد الأبعاد تعدت الـ10 في المائة، مع وجود مليون و420 ألف مواطن في حالة فقر في عموم البلاد.
تفاقم خطر الوقوع في الفقر
وفق خلاصات البحث، فإن المستوى المعيشي للأسر بالمغرب شهد تحسنا هيكليا، ولكن دون أن يصاحب هذه الديناميكية تقليص في الفوارق، فالسياسات الاجتماعية كان لها تأثير ملموس على تقليص الفقر، غير أن الفئات الاجتماعية غير المستهدفة من هذه السياسات ازدادت هشاشتها، مما تسبب في زيادة نسبة الأسر التي تواجه خطر السقوط في الفقر وذلك، ولأول مرة، على الصعيدين الحضري والقروي على حد سواء.
وهكذا، انتقل متوسط النفقات السنوية للأسر، بين سنتي 2014 و2022، من 76.317 درهم إلى 83.713 درهم على المستوى الوطني، وهو ما يعادل 95.386 درهم في الوسط الحضري و56.769 درهم في الوسط القروي، مع تسجيل تحسُن المستوى المعيشي للمغاربة بشكل ملحوظ بين 2014 و2019، ثم تباطؤه بين 2019 و2022، خلال فترة كوفيد 19.
وعلى المستوى الفردي، انتقل متوسط النفقة السنوية للفرد من 15.876 درهم سنة 2014 إلى 20.658 درهم سنة 2022، وباعتبار الأسعار الثابتة، ارتفعت النفقة السنوية للفرد بمعدل سنوي قدره 1,1 في المائة بين سنتي 2014 و2022، منتقلا من 3,1 في المائة بين سنتي 2014 و2019 إلى ناقص 3,1 في المائة بين سنتي 2019 و2022.
وأشارت المذكرة إلى حدوث تغييرات مهمة طبعت سلوك الاستهلاك الأسري بين سنتي 2014 و2022، إذ ارتفعت حصة النفقات الغذائية من إجمالي ميزانية الأسر من 37 في المائة سنة 2014 إلى 38,2 في المائة سنة 2022، كما انتقلت حصة النفقات الخاصة بالسكن والطاقة من 23 في المائة إلى 25,4 في المائة، ومن 2,7 في المائة إلى 3,9 في المائة بالنسبة للوقاية، ومن 2,2 في المائة إلى 2,6 في المائة بالنسبة للتواصل.
وفي المقابل، انخفضت حصة النفقات المتعلقة بالرعاية الصحية من 6,1 في المائة إلى 5,9 في المائة ومن 7,1 في المائة إلى 5,8 في المائة بالنسبة للنقل، ومن 3,2 في المائة إلى 2,3 في المائة بالنسبة للتجهيزات المنزلية، ومن 1,9 في المائة إلى 0,5 في المئة بالنسبة للترفيه والثقافة.
فوارق اجتماعية واضحة
أورد البحث الفوارق الاجتماعية تفاقمت، في مقابل استقرار الفوارق المجالية بين سنتي 2014 و2022، إذ خلال هذه الفترة سجل مستوى معيشة فئة 20 في المائة من الساكنة الأقل يسراً ارتفاعاً سنوياً بنسبة 1,1 في المائة، ويعزى هذا الارتفاع إلى زيادة قدرها 3,9 في المائة خلال الفترة الممتدة بين 2014 و2019، وانخفاض بنسبة ناقص 4,6 في المائة بين 2019 و2022.
أما بالنسبة لـفئة 20 في المائة الأكثر يسراً، فقد تحسن مستوى معيشتهم سنوياً بنسبة 1,4 في المائة خلال الفترة من 2014 إلى 2022، وذلك بنسبة 2,8 في المائة بين 2014 و2019، فيما عرف انخفاضا قدر بناقص 1,7 في المائة بين 2019 و2022.
وفيما يخص الفئة الوسيطة من السكان، فقد ارتفع مستوى معيشتها بنسبة 0,8 في المائة بين 2014 و2022، حيث شهد ارتفاعا بنسبة 3,3 في المائة بين 2014 و2019، وتراجعا بناقص 4,3 في المائة بين 2019 و2022.
وعرفت الفئات الأكثر فقرا والفئات الأكثر يسرا تحسنا عاما في مستوى معيشتها، في حين لم تستفد الطبقة المتوسطة بنفس الوتيرة سواء من ثمرات النمو أو من سياسات إعادة التوزيع المعتمدة، وفق المندوبية، وفي هذا السياق، تفاقمت الفوارق في مستوى المعيشة، والتي تُقاس بمؤشر “جيني” بين سنتي 2014 و2022، حيث انتقل هذا المؤشر من 39.5 في المائة إلى 40,5 في المائة، بعدما سجل انخفاضا سنة 2019 بلغ 38,5 في المائة
أما فيما يتعلق بالفجوة بين الوسطين الحضري والقروي، والتي تُقاس بنسبة متوسط مستوى المعيشة لدى سكان المدن مقارنة بنظرائهم في القرى، فقد ظلت في المستوى نفسه خلال سنتي 2014 و2022 بنسبة 1,9 مرة، بعد أن تقلصت إلى 1,8 مرة سنة 2019.
تنامي حدة الشاشة
سجلت مذكرة المندوبية السامية للتخطيط انخفاض معدل الفقر المطلق، على العموم، بين سنتي 2014 و2022، حيث انتقل من 4,8 في المائة إلى 3,9 في المائة بعد أن سجل 1,7 في المائة سنة 2019، وشهد الوسط القروي الاتجاه نفسه، حيث انخفض معدل الفقر من 9,5 في المائة سنة 2014 إلى 6,9 في المائة سنة 2022ـ لكن بالمقابل، سجل الوسط الحضري ارتفاعاً طفيفاً في معدل الفقر، حيث انتقل من 1,6 في المائة سنة 2014 إلى 2,2 في المائة سنة 2022.
وبلغ العدد الإجمالي للفقراء على الصعيد الوطني، سنة 2022، نحو 1,42 مليون شخص، من بينهم 512 ألفاً في الوسط الحضري و906 ألفاً في الوسط القروي، أما على المستوى الجهوي، وفي سنة 2022، سجلت خمس جهات معدلات فقر تفوق المتوسط الوطني المتمثل ف 3,9 في المائة، وتتصدر قائمة هذه الجهات فاس – مكناس بمعدل فقر يصل إلى 9 في المائة، تليها كلميم – واد نون بـ 7,6 في المائة، ثم بني ملال – خنيفرة بـ 6,6 في المائة، ودرعة – تافيلالت بـ4,9 في المائة، وجهة الشرق بأ 4,2 في المائة
ونبهت المندوبية إلى تزايد حدة الهشاشة في الوسط الحضري، والمقصود بالهشاشة هنا مدى تعرض الأسر لخطر الوقوع في الفقر في حال غياب شبكات الأمان التي تمكنها من مواجهة الصدمات الاقتصادية والاجتماعية.
وسجل معدل الهشاشة ارتفاعاً طفيفاً، حيث انتقل من 12,5 في المائة سنة 2014 إلى 12,9 في المائة سنة 2022، بعدما بلغ 7,3 في المائة سنة 2019، أما في الوسط القروي، فبقي معدل الهشاشة شبه مستقر، حيث بلغ 19,2 في المائة سنة 2022 مقابل 19,4 في المائة سنة 2014، على عكس الوسط الحضري، الذي سجل ارتفاعاً في مستوى الهشاشة، إذ انتقل من 7,9 في المائة سنة 2014 إلى 9,5 في المائة سنة 2022.
وبلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من الهشاشة الاقتصادية في سنة 2022 حوالي 4,75 مليون شخص، من بينهم 2,24 مليون في الوسط الحضري و2,51 مليون في الوسط القروي، وبذلك خلص البحث إلى أن الهشاشة أصبحت ظاهرة تتمركز بالأساس في الوسط الحضري، ففي سنة 2022، ما يقارب نصف عدد الأفراد المصنفين في وضعية هشاشة، بنسبة 47,2 في المائة، هم من سكان المدن، مقابل 36 في المائة سنة 2014.
ووفق الوثيقة فقد عرف الفقر متعدد الأبعاد تراجعاً كبيراً، حيث انخفضت نسبته من9,1 في المائة سنة 2014 إلى 5,7 في المائة سنة 2022. وقد كان هذا الانخفاض أكثر وضوحاً في الوسط القروي، حيث تراجع المعدل من 19,4 في المائة إلى 11,2 في المائة، في حين انتقل من 2,2 في المائة إلى 2,6 في المائة في الوسط الحضري.
وعلى المستوى الجهوي، سجلت أعلى معدلات الفقر المتعدد الأبعاد، بمعدل يفوق 10 في المائة، في كل من جهة بني ملال – خنيفرة بـ 11,6 في المائة وفاس – مكناس بنسبة 10,4 في المائة، حيث تضم هاتان الجهتان حوالي 40 في المائة من إجمالي السكان الذين يعانون من الفقر متعدد الأبعاد.
الأجور.. أهم مصادر الدخل
وبخصوص الدخل، فقد بلغ متوسط الدخل السنوي للأسر 89.170 درهم على المستوى الوطني 103.520 درهما في الوسط الحضري و56.047 درهم في الوسط القروي، وعلى المستوى الفردي، بلغ متوسط الدخل السنوي للفرد 21.949 درهم سنة 2022، وهو أعلى بـ 2.1 مرة في الوسط الحضري، أي 26.988 درهم، مقارنة بالوسط القروي ،12.862 درهم.
وعلى الصعيد الوطني، سجلت المندوبية أن ما يقارب 7 أسر من كل 10 بنسبة 71.8 في المائة، لديها دخل سنوي أقل من المتوسط الوطني، مع تفاوت واضح بين الوسط الحضري الذي سجل 65,9 في المائة والوسط القروي الذي سجل 85,4 في المائة.
وتُعد الأجور المصدر الرئيسي لدخل الأسر، حيث تمثل35.1 في المائة من إجمالي الدخل، وتمثل هذه النسبة 36,4 في المائة في الوسط الحضري و29,5 في المائة في الوسط القروي، كما تُشكل التحويلات العمومية والخاصة نسبة 21,3 من إجمالي الدخل، بـ 22,8 في المائة في الوسط الحضري و15,1 في المائة في الوسط القروي.
وأفرز تحليل محددات تراجع الفقر أن السياسات الاجتماعية التي تستهدف فئة الفقراء مكنت هذه الفئة الاجتماعية من الاستفادة من ثمرات النمو، وفق المندوبية، ومن جهة أخرى، فإن تفاقم مؤشر “جيني” والتطور المتواضع لمستوى معيشة الطبقة الوسطى، يبرز كذلك ضرورة اعتماد سياسات عمومية لإعادة التوزيع موجهة لهذه الطبقة، بغية الحد من الفوارق الاجتماعية.
وأشارت الوثيقة إلى أن انعطاف منحى تحسن مختلف المؤشرات ما بين سنتي 2019 و2022، وهي المرحلة التي شهدت تفشي جائحة كوفيد 19، تستلزم إعادة تقييم مستوى معيشة الأسر من أجل التمييز بين ما يعود في هذا الانعطاف إلى ما هو بنيوي مقابل ما هو ظرفي.