شعلت دعوات نشطاء للنزول إلى الشارع وارتداء “الستراء الحمراء” مواقع التواصل الاجتماعي في تونس؛ احتجاجاً على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، مستلهمةً فكرة احتجاجات “السترات الصفراء” في فرنسا.
وأطلق النشطاء حملةً للحشد من أجل التظاهر في الشارع بهدف إسقاط الحكومة ورئيسها، وأسّسوا صفحة على موقع “فيسبوك” باسم “السترات الحمراء (Gilets rouges)”، رافعةً شعار “تونس غاضبة”، وحظيت بمتابعة أكثر من ألفي تونسي حتّى الآن.
وعمّت مظاهرات “السترات الصفراء” مدناً مختلفة في فرنسا، منذ 17 نوفمبر الماضي؛ احتجاجاً على رفع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، تخلّلتها أعمال عنف، حيث استخدمت الشرطة القوة ضد المحتجين، لكن المحتجّين نجحوا في دفع الحكومة إلى إلغاء الضرائب المفروضة على الوقود لعام 2019.
وبيّن المشرفون على الصفحة دوافع تحركاتهم الاحتجاجية القادمة، ومبرّرات الدعوة لارتداء السترات الحمراء، من خلال نشر صور وأرقام تُظهر ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتدنّي سعر الصرف، وارتفاع العجز التجاري والمديونيّة ونسبة التضخّم في 2018.
وأوضح رياض جراد، أحد المشرفين على الحملة، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أنّ اختيار مجموعة من النشطاء والفاعلين في المجتمع المدني التحرك الاحتجاجي عبر حملة “السترات الحمراء” ليس اعتباطياً أو تقليداً أعمى لحركة السترات الصفراء بفرنسا، وأنّ اختيار اللّون الأحمر يرمز إلى العلم التونسي، وإلى لون دماء شهداء الثورة.
وقال إنّ هدف الناشطين في الحملة هو الإطاحة بيوسف الشاهد وحكومته، فقد فشلت في إصلاح الأوضاع، بل أزّمتها أكثر، مشيراً إلى أنّه وجب الخروج إلى الشوارع في مختلف المحافظات والتظاهر ضد سياسات التفقير والتهميش والفساد الحكومي، من أجل تصحيح مسار الثورة التي قامت من أجل تحسين أوضاع الشباب.
ونفى جراد تدخّل أيّ حزبٍ سياسي في الحملة، أو تلقّي أي تمويل من الأحزاب السياسية، أو رجال الأعمال، لافتاً إلى أنّها نابعة من قناعة لدى الشباب الفاعل داخل المجتمع للتعبير عن همومه وقضاياه، وإيصال صوته إلى مسؤولي الدولة.
السترات تقسّم التونسيين
هذه الحملة أثارت جدلاً واسعاً في البلاد، وقسّمت التونسيين إلى داعمٍ ومعارضٍ لها؛ حيث يرى بعض التونسيين أنّها حملة مشبوهة تقف وراءها أطراف هدفها زرع الفتنة في البلاد، في حين يعتبر آخرون أنّها ردّ فعلي طبيعي على ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للتونسيين، إضافةً إلى تواصل ارتفاع نسب البطالة.
وتؤيّد بعض الأحزاب المعارضة؛ كالجبهة الشعبيّة “حركة السترات”، فضلاً عن حزب نداء تونس، الذي انقسم بدوره إلى شقّ معارضٍ وآخر داعم، في حين تعارضها حركة النّهضة، وبعضٌ من أنصار رئيس الحكومة، يوسف الشاهد.
وفي السياق قال طارق الفتيتي، النائب المنضمّ حديثاً إلى حزب نداء تونس: إنّ “التظاهر والاحتجاج حقّ يكفله الدستور”، ودعا عبر “الخليج أونلاين” إلى التعامل مع مطالب المحتجين بكثيرٍ من الجديّة.
وشدّد الفتيتي على ضرورة أن تكون هذه الاحتجاجات سلميّةً وتبتعد عن كل مظاهر العنف، وأنّه من حق كلّ تونسي الاحتجاج شرط ألا يضرّ بمصلحة الوطن العليا.
في المقابل وصف النائب عن حزب حركة النهضة، محمد بن سالم، الحملة بالتقليد الأعمى لمثيلتها في فرنسا، وأشار في حديثه لـ”الخليج أونلاين” إلى وجود دوافع سياسية تحرّك القائمين على الحملة.
وأضاف أنّ هناك أطرافاً سياسيةً تقف وراء هذه الحملة تحت غطاء التحرك المدني والإعلامي، في إشارة إلى مالك قناة “نسمة” التونسية، نبيل القروي، وقال إنّ هذه الأطراف ترفض الاستقرار الحكومي والاجتماعي، وإنّه يتمنّى أن تفشل هذه الحملة.
الشارع محتقن
وتزامنت الحملة مع مناقشة مجلس نواب الشعب التونسي لميزانية 2019، وسط خلافاتٍ كبيرةٍ حول الإجراءات التي يجب اعتمادها لإخراج تونس من أزمتها الاقتصادية.
ويرى المحلّل السياسي يوسف الوسلاتي، أنّ شهر يناير عُرف في تونس بطبيعة أحداثه الساخنة، منذ ثورة يناير 2011، خاصّة أنه يتزامن كلّ عامٍ مع مناقشة ميزانية البلاد، ويتزامن هذا العام مع دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) إلى الإضراب العام.
ويضيف الوسلاتي في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أنّ الاحتقان السياسي الذي تشهده البلاد بسبب الأجواء السياسية الخانقة؛ بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ورئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، إلى جانب توتّر العلاقة بين الحزبين الأولين في البلاد (حركة النهضة ونداء تونس)، فضلاً عن الاحتقان الاجتماعي بسبب توقّف المفاوضات بين المركزية النقابية والحكومة، وارتفاع الأسعار، كل هذا سيجعل من الفترة المقبلة صعبة جدّاً.
ويتوقّع المحلّل السياسي اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات، خلال يناير المقبل، نظراً للسياقات الاجتماعية والسياسية، خاصّة أنّ بعض الأطراف السياسية والاجتماعية ترغب في إقالة يوسف الشاهد، وقد تدعم هذه الأطراف المجموعات الشبابية الناشطة، ومن ثم ستحظى “السترات الحمراء” بدعمٍ كبيرٍ وقد تنجح في الوصول إلى أهدافها.
هذا وتعيش محافظة سيدي بوزيد على وقع تحركّاتٍ احتجاجيةٍ ليليّةٍ، منذ بداية ديسمبر الحالي، حُرق خلالها مركز حرس وطني وسيارة أمنيّة، وأحرق محتجّون الإطارات المطاطية، في حين ردّ أعوان الأمن بالقنابل المسيلة للدموع لتفريق المحتجين.
واندلعت الاحتجاجات على أثر إيقاف ناشطيْن سياسييْن من قبل فرقة الأبحاث والتفتيش، وعرضهما على النيابة العامة، إثر دعوى قضائية رفعها معتمد الجهة (حكم محلّي) ضدّهما بتهمة قرصنة حسابه على موقع التواصل الاجتماعي.