تعد حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي إلى جانب تعاطي المخدرات والانتحار ظاهرة بالغة التعقيد في المجتمع الإسرائيلي بشكل خاص والجيش بشكل عام، وأصبحت هذه الظاهرة مرافقة لجيش الاحتلال منذ تأسيسه.
ويؤكد عدد شكاوى التحرش الجنسي التي قدمتها المجندات الإسرائيليات داخل الجيش، أن ظاهرة التحرش الجنسي زادت بشكل كبير وحاد خلال الأعوام القليلة الأخيرة، إضافة إلى تعاطي المخدرات وإصابة الجنود بحالات نفسية.
وتقول التقارير الصادرة من الجانب الرسمي في دولة الاحتلال، إن حالات الاغتصاب والتحرش داخل الجيش ارتفعت بنسبة 20%، خلال العامين الأخيرين فقط، وهو ما يعني أن الأرقام في تزايد مع استمرار قانون التجنيد الإجباري الذي تفرضه منذ عشرات السنين، في حين ارتفعت مؤخراً نسب الانتحار، بسبب الحالة النفسية التي يعيشها الجنود.
آخر الفضائح والحوادث
مؤخراً، أعلن الجيش الإسرائيلي، في 1 نوفمبر 2019، اعتقال ضابط برتبة “رائد” بتهمة التحرش جنسياً بفتيات مجندات يؤدين الخدمة تحت إمرته واغتصابهن.
وتابع الجيش في بيان له، أن الضابط، الذي لم يكشف عن اسمه، متهم أيضاً بارتكاب أفعال بذيئة وقيادة سيارة في حالة سُكر، وقررت محكمة عسكرية تمديد فترة احتجازه حتى 5 نوفمبر.
وقبل أسبوع فقط، اضطر قائد العمليات البحرية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال شاي الباز، إلى ترك منصبه بعدما وُجهت إليه شبهات بالتحرش جنسياً بالمجندات.
وأكد الجيش الإسرائيلي، في 24 أكتوبر الماضي، أن الباز الذي تولى منصبه قائداً للعمليات في مايو 2018، وقبل ذلك كان يترأس وحدة “شايطيت 13” (أي وحدة كوماندوز في البحرية الإسرائيلية)، قدَّم استقالته بسبب أنباء عن تورطه في أحداث حصلت قبل عقد وكان سلوكه فيها منافياً لمعايير الجيش.
في حين أكدت وسائل إعلام عبرية أن الباز، الذي أصيب في حرب لبنان، كان مرشحاً لمنصب قائد سلاح البحرية بالجيش الإسرائيلي.
وجاءت هذه الاستقالة عقب تقرير نشرته القناة الـ”12 الإسرائيلية”، أواخر الأسبوع الماضي، ومفاده أن عدداً من العسكريات اتهمن الجنرال بالتحرش بهن جنسياً في أثناء أدائهن الخدمة تحت إمرته بوحدة “شايطيت 13”.
أكبر فضيحة
وهذه ليست المرَّة الأولى التي يُتهم فيها مسؤول بارز بالجيش الإسرائيلي ويترك منصبه، إثر الكشف عن علاقات جنسية تربطه بعسكريين أدنى منه رتبة.
ففي يونيو 2016، هزت الأوساطَ الإسرائيلية فضيحةٌ كبيرة، بعدما سلط إعلام دولة الاحتلال الضوء على الاتهامات التي وجهتها النيابة العامة إلى جنرال رفيع بالجيش الإسرائيلي يدعى العميد أوفك بوخاريس، باغتصاب وهتك عرض 16 مجندة وضابطة.
ومَثل الجنرال بوخاريس أمام المحكمة العسكرية، بعد توجيه الاتهام إليه في قضايا تتعلق بالاغتصاب، وهتك العرض وسوء السلوك، مع ضابطتين خدمتا تحت قيادته عندما كان قائداً للواء جولاني مشاة.
وضمت لائحة الاتهام “ارتكاب بوخاريس جرائم اغتصاب وشذوذ وهتك العرض، حيث اتُّهم بارتكاب 16 جريمة بحق مجندات وضابطات خدمن تحت قيادته في الجيش”.
ووفقاً للائحة فقد ارتكب بوخاريس هذه الجرائم الجنسية في مكتبه وسيارته العسكرية وبأحد المعسكرات، وفي مسكنه، وبعدة أماكن، والتي انتهت باعتراف بوخاريس، عبر صفقة مع النيابة العسكرية، بالتهم الموجهة إليه.
“أرقام وإحصائيات”
هذه الوقائع ليست بجديدة على جيش الاحتلال، الذي تفشت فيه ظاهرتا الاغتصاب والتحرش، حيث أكدت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، خلال 2016، نقلاً عن تقارير مركز الدعم والمواجهة في الجيش، أن حالات التحرش والاعتداءات الجنسية وصلت إلى 1000 حالة خلال عام 2016، 60% منها وقعت داخل الجيش، لكن الشكاوى التي وصلت إلى وحدة التحقيق كانت أقل بنحو 125 حالة فقط.
وذكرت الصحيفة أنه في عام 2014 تم تقديم 37 لائحة اتهام، ضد جنود وضباط في الخدمة العسكرية، بتهم ارتكاب تحرشات جنسية، في حين شهد عام 2013 نحو 26 لائحة اتهام فقط.
وسجَّل عام 2012 ارتفاعاً بنسبة 96% في جرائم الاعتداءات الجنسية بصفوف جيش الاحتلال، حيث تلقت قيادة الجيش مئات الشكاوى خلال هذا العام، وتم ضبط 27 حالة بلائحة اتهام رسمية، في حين شهد عام 2008 تقديم 28 لائحة اتهام فقط، لارتكاب جرائم جنسية في الجيش.
2016 إلى 2018 الأكثر
في يونيو 2019، كشفت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي عن حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي داخل الجيش، وقالت إنها زادت بنسبة 20% خلال العامين الأخيرين عما كان في الأعوام الماضية.
وذكرت الإذاعة أن معدلات عالية لحالات الاغتصاب والتحرش الجنسي سُجلت بين الجنود والمجندات، ووقعت خلال الأعوام من 2016 حتى 2018.
وأوضحت أن الشرطة العسكرية فتحت 158 ملف تحقيق عام 2018 فقط، تتعلق بمخالفات تنوعت بين تحرش جسدي ولفظي، واختلاس النظر في غرف تبديل الملابس، والاستحمام.
وروى التلفزيون الإسرائيلي حوادث عدة لإجبار الضباط المجندات على تقبيلهن عنوة، أو لمس أماكن حساسة في جسد المجندات، ومن ترفض فإن هناك قراراً مكتوباً مسبقاً يقضي بنقلها أو زيادة ساعات الخدمة، مشيراً إلى أن نسبة التحرش والاعتداء الجنسي وصلت إلى درجة أن كل 10 مجندات بينهن 7 تعرضن للتحرش الجنسي أو اللفظي أو الاعتداء، خلال العامين الأخيرين.
وكشفت شارون نير، مستشارة “شؤون المرأة”، في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، أنه تم الإبلاغ عن 993 حالة في عام 2018، مقابل 893 حالة في عام 2017، لكنها أشارت إلى أنه لم تُفتح ملفات سوى 158 خلال 2018.
جيش الاحتلال
وكان عام 2015 هو العام الذي تعرضت فيه الشرطة العسكرية لهزة شديدة، بعد تحقيقات انتهت بإقالة 7 من قياداتها، وهم ضباط برتبة “نقيب”، من أصل 18 ضابطاً، اتُّهموا بارتكاب جرائم فساد أو تحرش جنسي من خلال استغلال مناصبهم.
التجنيد الإجباري للفتيات
ويُرجع البعض أسباب ارتفاع حالات التحرش والاغتصاب داخل جيش الاحتلال، إلى إجبار المرأة على الخدمة بالجيش، حيث تعد “إسرائيل” أول دولة تلزم المرأة بالخدمة في الجيش قانونياً منذ عام 1956.
ويفرض القانون الإسرائيلي الخدمة العسكرية على الرجال مدة عامين وثمانية أشهر، والنساء مدة عامين عند بلوغهن 18 عاماً.
وتشكل النساء نسبة 33% من الجيش، من جندي إلى ضابط، ويعد السبب الأبرز الذي يفرض التجنيد الإجباري على بنات إسرائيل ونسائها، هو قلة العدد السكاني من الأساس، خصوصاً في ظل الحروب التي تشنها إسرائيل من حين إلى آخر.
وبسبب العدد الكبير من جرائم الاغتصاب والتحرش التي تُرتكب، قرر الجيش انتهاج سياسة جديدة، وهي فصل كل من يُتهم بارتكاب جريمة جنسية، إلا أنه لم يُفصل الضابط بوخاريس، الذي أُدين قبل 3 سنوات بارتكاب جريمة جنسية، وواصل عمله في الجيش بشكل عادي رغم لائحة الاتهام التي أُصدرت ضده.
المخدرات والحالات النفسية
إلى جانب جرائم الاغتصاب والتحرش، كشف موقع إسرائيلي عن وجود قلق متزايد من زيادة تعاطي المخدرات ومن أعمال غير أخلاقية أيضاً داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتحدثت صحف إسرائيلية عن حفلات السُّكر والمجون التي باتت ظاهرة متفشّية داخل القواعد العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وكشفت الصحف أن ذلك يرجع إلى الحالة النفسية التي يعيشها جيش الاحتلال، حيث كثرت في الآونة الأخيرة الأخبار التي تؤكد سيطرة الروح الانهزامية على قطاع واسع من عناصره، خصوصاً مع الحروب التي يخوضها الجيش بين فترة وأخرى، خاصة في غزة.
وكشفت دراسة إسرائيلية، في يونيو 2018، أن ما لا يقل عن 54.3% من جنود الجيش الإسرائيلي تعاطوا المخدرات، على الأقل مرة واحدة خلال العام الماضي.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية -نقلاً عن الدراسة التي أعدتها هيئة مكافحة المخدرات الإسرائيليةُ (حكومية)- إن هذه النسبة تمثل ارتفاعاً كبيراً عما كان عليه الأمر في عام 2009، حينما بلغت نسبة من قالوا إنهم تعاطوا الحشيش 11%.
وأضافت: “في الماضي، كان تدخين الحشيش جريمة خطيرة في الجيش، وحتى لو كان يتم في الحياة المدنية، وفي عديد من الحالات تم الحكم على الجندي بالسجن وإدانته جنائياً”.
كما تحدثت صحيفة “هآرتس” العبرية، مطلع 2019، أن هناك استمراراً في حوادث الانتحار داخل الجيش الإسرائيلي، موضحة أن “تسعة جنود قُتلوا عام 2018، في ظروف يُشتبه بأنها حالات انتحار. وفي عام 2017 سجَّل الجيش الإسرائيلي 16 حالة انتحار، وفي كل واحدة من السنوات الثلاث التي سبقتها، تم تسجيل 15 حالة انتحار”.