ألقت الصلات الليبية بالهجوم الانتحاري الذي نفذ في احتفال موسيقي في مانشستر الإثنين الماضي وإطلاق النار على حافلة الأقباط في المنيا، الضوء على التهديد الذي تمثله المجموعات الإسلامية التي اتخذت من ليبيا ملاذا، لترسيخ موطئ قدم لها وتعبئة مقاتلين وتصدير جهاديين لتنفيذ جرائم في الخارج.
وقالت وكالة “أسوشيتد برس” إن ليبيا غارقة في العنف منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت العقيد الليبي معمر القذافي. وهي حالياً محكومة من فصائل متناحرة، بمت فيها ادارة يقودها الجنرال حفتر وفصائل إسلامية تتنافس على النفوذ والموارد والأراضي.
160 كيلومتراً
وذكّرت الوكالة بأنه في ذورة سلطته في ليبيا، كان داعش يسيطر على شريط يمتد على طول 160 كيلومتراً من الساحل ويعد ما بين 2000 و5000 مقاتل، بينهم كثيرون من مصر وتونس، لافتة إلى أن هذه هي البلاد التي عاد إليها سلمان العبيدي، المنفذ المفترض لهجوم مانشستر مع عائلته من بريطانيا بعد إطاحة القذافي عام 2011.
مانشستر والمنيا
وخلف الهجوم على الحفل الموسيقي في مانشستر 22 قتيلاً، بينهم فتاة في الثامنة من العمر، وأدى داعش مسؤوليته عنه. واعتقلت السلطات الليبية هاشم، شقيق سلمان، الذي اعترف بأنه وشقيقه أفراد في داعش.
وفي مصر، أرسل الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاتلاته لقصف مواقع للمتشددين في شرق ليبيا بعد ساعات من إطلاق مسلحين من “ولاية سيناء” النار على 29 مسيحياً كانوا في طريقهم إلى دير بعيد في الصحراء. وقال الجيش المصري إن المهاجمين تدربوا في ليبيا.
وشكت مصر طويلاً من أن الأسلحة التي هربت عبر الحدود مع ليبيا وصلت إلى أيدي مقاتلين ينشطون على أراضيها. وهي قالت أيضاً إن الناشطين الذين فجروا ثلاث كنائس منذ ديسمبر (كانون الأول) تلقوا تدريباً عسكرياً في قواعد داعش في ليبيا.
وكان مئات من الشبان الليبيين لبوا النداء للجهاد في ثمانينات القرن الماضي، فسافروا إلى أفغانستان لمقاتلة الروس. وعندما عادوا بعد الحرب، طالب عدد كثير منهم بتطبيق الشريعة في بلادهم، وشكلوا خلايا سرية هرباً من مراقبة النظام، وحاولوا مراراً اغتيال القذافي.
ملء الفراغ
وبعد سقوط القذافي، انضم جهاديون سابقون ومناصرون للقاعدة وإسلاميون من كل الأطيف إلى ميليشيات ملأت الفراغ الذي ساد ليبيا بعد القذافي. ولا شك في أن المصاعب التي تعانيها ليبيا حالياً سببها فشل الحكومة الانتقالية الأولى في تفكيك تلك الميليشيات ودمجها في الجيش الوطني. وبدل ذلك، تقاسمت الفصائل ليبيا إلى معاقل لها.
درنة
فدرنة، المدينة الواقعة في شرق ليبيا حيث المعسكرات التي استهدفتها مقاتلات الجيش الصمري، كانت تاريخياً معقل الجماعات الاسلامية الراديكالية، إضافة إلى عملاء مسلمين بارزين. واتخذ المتطرفون من المدينة معقلاً لهم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، تحميهم التضاريس الوعرة لسلسلة الجبل الأخضر. وهي كانت المصدر الرئيسي للجهاديين الليبيين للتمرد في العراق. وثمة كتيبة كاملة من الشباب المولودين في درنة تحارب في سوريا.
وخلال انتفاضة 2011، أسس السكان كتيبة “شهدء أبو سليم” لمقاتلة القذافي. وقد أثبتت أنها واحدة من الكتائب الأكثر فاعلية. وتضخمت صفوفها لاحقاً وسيطر مقاتلوها على المدينة وأسسوا “مجلس شورى مجاهدي درنة” للحلول محل الحكومة المحلية.
وصار لأتباع داعش وجود قوي في درنة، إلا أنهم اختلفوا مع “مجلس شورى مجاهدي درنة” الذي طردهم. وانتقل مقاتلو داعش إلى مدينة سرت الساحلية، وبقيت درنة تحت سيطرة “مجلس شورى المجاهدين”.
بنغازي
بنغازي هي ثانية كبرى المدن الليبية، وكانت الأولى التي سقطت تحت نفوذ ميليشيات إسلامية متطرفة. وأنشئت هذه الميليشيات لمقاتلة نظام القذافي عام 2011 وقادها متطرفون يتمتعون بخبرات قتالية كبيرة.
ولعل أبرز ميليشيات بنغازي هي “أنصار الشريعة” التي اتهمت بقتل مئات الجنود الليبيين السابقين والسفير الأمريكي عام 2012. ولأكثر من سنتين، قاتل الجيش الوطني بقيادة الجنرل خليفة حفتر تحالفاً من ميليشيات بنغازي، ونجحت قواته في تأمين معظم المدينة، في ما عدا بعض الجيوب الساحلية المحصنة جداً والمطوقة بحقول من الألغام.
سرت
وسرت هي المدينة التي تحصن فيها القذافي والموالون له في الحرب الأهلية عام 2011، وقد دمرت كلها تقريباً في المعارك. فقد عاقب المقاتلون المعارضون للحكومة أبناء المدينة على ولائهم للقذافي ونفذوا عمليات قتل واسعة وهجمات انتقامية في حقهم.
وعام 2013، سقطت المدينة في أيدي جماعة أنصار الشريعة التي أقامت تحالفات مع القبائل المحلية واتفقت على هدنة مع ميليشيات أخرى، وعدد صغير من الجنود. وقد سيطرت الجماعة على مجمع كبير كان تابعاً للقذافي وأنشأت إذاعة وتلفزيون خاصين لها. وبدأ داعش يتسلل الى المدينة ببطء مع وصول مقاتلين من مالي وتونس ومصر وسوريا، قبل أن يعلن المدينة إمارة للتنظيم.
والعام الماضي، نفذت ميليشيات من مصراتة ومناطق أخرى في غرب ليبيا بدعم من الحكومة التي تحظى برعاية دولية، حملة واسعة لإخراج داعش من سرت. وعندما تعثر القتال، طلبت الحكومة دعماً من الولايات المتحدة التي ردت بغارات سرعت انهيار داعش في المدينة. وفي النهاية، هزم داعش في سرت، وفر المقاتلون الذين نجوا، إلى الصحارى الواسعة جنوباً.
سبراطة
اكتسبت سبراطة سمعة بأنها معقل صغير ولكن قوي للإسلاميين المتطرفين، وهو ما سهل لداعش العثور على موطئ قدم هناك، وإقامة شبكة مربحة للاتجار بالبشر إلى أوروبا. فالمدينة هي المنقذ الوحيد لداعش، بسبب موقعها قرب الحدود مع تونس. ومع وجود ميليشيات عدة هناك، أبقى داعش تحركه محدوداً، إلا أن غارة أمريكية عام 2016 قتلت نحو 40 من مقاتليه ألقت الضوء على وجوه هناك.