تبحث الجزائر عن موطئ قدم جديد في الملف الليبي، الذي تحاول منذ سنوات إبعاد المغرب عن لعب أدوار مؤثرة فيه، وذلك من خلال المنافسة على منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، بعد استقالة السنغالي عبد الله باتيلي، حيث قدمت الجزائر ترشيحها من خلال وزير الخارجية الأسبق رمطان العمامرة، في محاولة هي الثالثة من نوعها.
وأورد موقع “أفريكا إنتلجنس” الفرنسي، أن العمامرة الذي كان وزيرا للخارجية في الجزائر عدة مرات، عاد للمرة الثانية لتقديم ترشحه لترؤس البعثة الأممية في ليبيا، ليتنافس مع اسمين آخرين هما كريستيان باك، سفير ألمانيا السابق لدى طرابلس، ومدير ديوان رئيس المفوضية الإفريقية، الدبلوماسي الموريتاني محمد الحسن ولد لبات، الذي كان أيضا وزيرا لخارجية بلاده.
وتعد هذه هي المحاولة الثالثة للجزائر للظفر بهذا المنصب، إذ في سنة 2020 قدم العمامرة نفسُه ترشيحه ليصبح المبعوث الأممي إلى ليبيا، لكنه سحبه بسبب اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية، وفي سنة 2022 أعادت الجزائر الكَرَّة مع وزير خارجية سابق آخر، وهو صبري بوقدوم، لكنه لم يفلح بسبب ما وصفته وسائل إعلام مقربة من قصر المرادية بأنه “عرقلة” من لدن الإمارات العربية المتحدة.
واحتمال نجاح الجزائر في مسعاها للظفر بالمنصب الأممي الشاغر منذ أبريل الماضي، لا يبدو أكبر من المرتين السابقتين، وهو الأمر الذي أشارت إليه صحيفة “أوراس” الإلكترونية المقربة من النظام الحاكم في البلاد، التي أوردت أن واشنطن “قد تعرقل” مساعي العمامرة في الوصول إلى الموقع الذي وصفته بـ”المهمة الصعبة”.
وتسعى الجزائر إلى إبعاد المغرب عن الملف الليبي، بعد الأدوار العديدة التي قامت بها الرباط لتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف انطلاقا من كونها “وسيطا مساعدا ومُحايدا” كما تقدم نفسه وزارة الخارجية المغربية، إذ سبق أن أعدت الأجواء للتوصل إلى اتفاق الصخيرات سنة 2015، ثم جمعت الأطراف الليبية عدة مرات في طنجة وبوزنيقة.
وفي نونبر الماضي، زار باتيلي المغرب والتقى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، والذي دعا الأطراف الليبية إلى تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية من أجل إنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد، وذلك بناء على القوانين الانتخابية التي أفرزتها اجتماعات بوزنيقة.
وخلال لقاء صحفي مشترك مع المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، أوضح بوريطة أن المغرب يعتبر دائما أن إجراء الانتخابات هو الحل الأنسب للأزمة المؤسساتية الليبية، ويؤكد أن هذه الاستحقاقات ينبغي أن تكون “منطلقا لمرحلة جديدة في هذا البلد الشقيق، مرحلة قوامها الاستقرار والشرعية والتجاوب مع متطلبات الشعب الليبي”.
وأكد بوريطة حينها أن المغرب، الذي احتضن عدة اجتماعات للفرقاء الليبيين، ما فتئ وككل مرة يحرص على تقريب وجهات النظر بينهم دون التدخل في شؤونهم، مسجلا أن المملكة مستعدة لمواكبة الدينامية التي يريد إطلاقها المبعوث الأممي باتيلي لاستكمال الأرضية القانونية الموجودة بتوافقات سياسية مؤسساتية والتي “ستجعلنا ندخل في مرحلة تنفيذ التوافقات والوصول إلى إجراء الانتخابات”.
وأوضح بوريطة أن المغرب يؤكد على الدوام أن تسوية الأزمة الليبية لن تتأتى من الخارج، بل ينبغي أن تنبع من الليبيين أنفسهم، وهذا ما جعله يكسب مصداقية لدى الفرقاء الليبيين، مضيفا أن الرباط على استعداد لدعم ومواكبة باتيلي من أجل التقدم في المسار السياسي في ليبيا، كما أعرب عن أمله في أن تترجم كل الأفكار ذات الصلة إلى مبادرات ثم توافقات وحلول تقود إلى إجراء انتخابات.