في احدى زياراتي لروسيا، اتيحت لي الفرصة بعد مكوثي فيها لعدة أيام التعرف على مدينة الثقافة والجمال والرومانسية، سانت بطرسبورغ التي مازلت احلم بها وهي لاتفارق مخيلتي ابدا، فعشقي لهذه المدينة، قادني الى زيارتها عدة مرات وفي كل مرة أبدأ التجوال في شارع نيفسكي الذي يخترق قلب المدينة، وهو من أجمل شوارعها بعماراته الانيقة ومحلات بيع الفرو ذي الثمن الباهض، وتشتهر أيضا بالعديد من القنوات المائية والجسور الصغيرة التي تضفي عليها جمالا يضاهي مدينة البندقية الإيطالية ويطلق عليها في اوربا اسم بندقية الشمال أو بندقية اوربا الشمالية.
المدينة كانت عاصمة روسيا اكثرمن قرنين قبل الثورة البلشفية، سميت فيما بعد بلينينغراد، وهى تعج بدورالاوبرا والمسارح التي تقام عليها النشاطات الفنية ومنها عروض الباليه كون روسيا مشهورة في هذا الميدان وهذه المدينة انجبت العديد من المشاهيرفي هذا المجال من الراقصين والعازفين والملحنين وكتاب الاوبرا. من خلال تجوالي رأيت احدى اجمل العمارات في حياتي واحسست انني في بلاد العجائب وهي بناية كاتدرائية اسمها غريب بعض الشيء ويمكن ترجمته ب ” كاتدرائية الدم المراق “، وتعرف أيضا بكنيسة “المخلص” وذلك بسبب اغتيال الامبراطورالكساندرالثاني في ذلك المكان واريق دمه قريبا من الكنيسة في العام 1881، أماعمارتها فتعلو فوقها القبب المذهبة والمنقوشة بالألوان المختلفة الجميلة. هذه الكنيسة هي كنيسة ارثوذكسية لدى الدخول اليها فوجئت بعدم وجود المقاعد على غرار الكنائس الكاثوليكية، بل الناس كانوا جميعا يقيمون الصلاة وقوفا ، وكذلك لم اجد أي تمثال للمسيح، الامر الذي استفسرت عنه فقيل لي انه في الطائفة الارثوذكسية من غير المحبذ ان يكون للمسيح تمثال او نصب ما.
وقرب الكنيسة كان هناك سوق صغير لبيع المستلزمات الضرورية والهدايا الجميلة للسياح وفي مقدمتها الدمى الروسية او ما يسمى بالروسية ماتريوشكا بلونها الأحمرووجها الدائري ووشاحها الجميل الذي كان نجما ساطعا من بين نجوم السوق من الدمى المختلفة، فالاوشحة الروسية هي اوشحة معروفة في جميع انحاء العالم كونها صوفية وبألوان جميلة تملؤها الزهور، كما لفت نظري وجود السماور الذي يتم فيه غلي الماء لاعدادالشاي، وشاهدت سماورات من اجمل ما رأته عيناي، ملونة ومذهبة ومنقوشة بنقوش رائعة وباحجام مختلفة. سانت بطرسبورغ مشهورة أيضا بالمجوهرات الفضية، فالسوق كان ممتلئا باناس يبيعون مجوهرات فضية مزينة بحجر المرمر، أعترضت طريقي امراة تبيع الفضة وعرضت علي شراءها، كانت تفوح منها رائحة الكحول، والساعة لم تبلغ الحادية عشرة صباحا، الامر الغريب انني رأيت العديد تفوح منهم رائحة الكحول في الصباح الباكر، ويبدو ان الامرطبيعي لديهم .
في ذات الوقت يقوم بعض الباعة بعرض قبعات من الفرو والقبعات الروسية المشهورة، وهم يحاولون ان يثبتوا للمتبضعين انها قبعات اصلية مصنوعة من الفروالطبيعي ، فكانوا يشعلون شعرة منها لإثبات انها لا تحترق وانها ليست مصنوعة من مادة النايلون، لم استطع مقاومة اغراء جمال القبعات فاشتريت احداها وبعضا من المجوهرات الفضية.من خلال مشاهداتي أيضا، شاهدت الكثير من العرسان الذين كانوا يجوبون المدينة ويلتقطون الصورمن على الجسور الصغيرة وبعد خروجهم من الكنيسة كانت العادة ان يقوم العروسان بتطيير حمامات بيضاء، اما سيارات العرسان فكانت من نوع الليموزين يوجد في مقدمتها ورود ويتوسطها خاتم زواج ذهبي..
ولم تفتني زيارة متحف الارميتاج الرائع والغني بالمجموعات الفنية التي يضمها، حيث ان هذا المتحف يضاهي متحف اللوفر في باريس بسبب ضخامته واعداد الاعمال الفنية فيه من اللوحات والمنحوتات وكانت تحتوي ايضا على مجموعات تجسد غرف الاباطرة الذين حكموا روسيا وخصوصا غرف الطعام والاواني التي كانوا يستخدمونها. والغريب ان هنالك العشرات من القطط التي كانت تحوم حول المتحف، يقال انها تحمي المتحف وان العاملين فيه هم المسؤولون عن اطعامها وايوائها، ويوجد موقع على الانترنت لجمع المساعدات المالية لهذه القطط. المتحف يقع أيضا على نهر نيفا الذي يخترق العاصمة القديمة والذي شيدت عليه العديد من الجسور الجميلة .
وقبل ان أرحل عنها الى باريس بيوم واحد ولشهرة المدينة في جميع انحاء العالم بفن الباليه، ارتأيت ان اذهب الى احد مسارحها التي تقدم عروضا في الباليه لرؤية أروع الاعمال الروسية “بحيرة البجع” التي كانت من أجمل القصص التي تذكرني دائما بطفولتي ، كوننا كنا نشاهد أفلام كارتون تروي لنا قصة بحيرة البجع، وبهذا حققت احدى امنياتي الصغيرة..