في اعتقادي أن ما يجعل من تجربة الفيس بوك، تجربة ناجحة أو فاشلة هم الناس المتواجدين عليه، فلا يمكن الأخذ بإيجابيات أو سلبيات هذه التجربة دون النظر إلى مع من تتعامل على هذا الموقع، لأنه موقع تواصل اجتماعي في المقام الأول، لكن وبرغم ذلك فقد أخذ منحى غير الهدف الذي صُمم من أجله وهو تعارف الناس بعضهم البعض، وبغض النظر عن أنه أصبح أداة سياسية خطيرة قد تقوم بتحويل مصائر دول من حالٍ إلى حال، إلا أن الفيس بوك في حد ذاته فقد شفافيته في التواصل بين الناس؛ بسبب استخدامهم السيئ له، فقد تعاملوا معه على أنه عالم افتراضي، لذا قاموا باستخدام كل شئ فيه بشكل افتراضي، الإسم، الهوية، الاهتمامات، حتى مشاعرهم عليه أصبحت افتراضية.
مع أنه عالم يجب عند تواجدك عليه أن تكون صادقًا أولاً مع نفسك، قبل غيرك، حتى تستطيع أن تستفيد من هذه التجربة بأقصى شكل ممكن، وحتى لا تخرج منها بخسارة قد تضرك نفسيًا، وتُقرر بعدها عدم الخوض في أى علاقة في العالم الحقيقي بعد الذي تعرضت له في ذلك العالم الافتراضي.
يقولون ما بُنى على باطل فهو باطل، فكيف نؤسس علاقات مع أشخاص وهميين في حقيقة الأمر، رُغم أنهم أمامنا ويتحدثون إلينا مباشرة، الفيس بوك سلاح ذو حدين فالاستخدام المفرط له، قد يجعله أداة سيئة في يد من يستخدمونه، لكن يعتبره كثير منّا الآن أهم وسيلة في التقارب بين الأشخاص، ولا يمكنهم الاستغناء عنه، ومما زاد الطين بلة الوسائل التكنولوجية الحديثة التي جعلت منه متاحًا في اليد على الموبايل طوال اليوم، ليل – نهار، وهنا يكمن الخطر، فالتعلق به بهذا الشكل قد يؤدي إلى التوحد والانعزال، وانعدام الشخصية، لأنك بذلك تنساق وراء شخصيات وهمية من الممكن أن تسيطر عليك نظرًا لارتباطك الشديد بهم.
أنا لا أقول أن الفيس بوك تجربة سيئة أو أن كل من يتواجد عليه يتصف بهذه الصفات”الوهمية”، بل أقول أن الاستخدام المعتدل له، قد يفتح آفاقًا من حولك لم تكن تُدركها من قبل، فحاول على قدر المستطاع أن تتعامل مع أشخاص لهم نفس ميولك الفكرية والثقافية، ولتجعل لتحاورك معهم فائدة ومغزى، لكى لا تشعر أنك تُهدر وقتك في هذا العالم الافتراضي دون جدوى، وهو أمر حذرنا منه ديننا الحنيف، وأسلافنا، من عدم معرفة قيمة الوقت وهو أمر سنُحاسب عليه جميعًا، فتعلقك الشديد به قد يُفقدك صلة رحمك، والجو الأسري الذي لا يخلو من الود، بل وسيُفقدك أيضًا تواصلك مع أصدقائك في حياتك الواقعية – لأنك ستجد كلامك معهم عليه عوضًا عن مقابلتهم أسهل وأوفر في الوقت – تجربتي الشخصية مع الفيس بوك جعلتني أُدرك، أنه مثل مصباح علاء الدين، إما أن تستخدم هذا المصباح في عمل ينفعك وينفع من حولك، أو أن تُلقي بالمصباح بعيدًا حتى لا يؤذيك ويؤذي من تحبهم، فكما يقول المثل”جنة من غير ناس ما تنداس”، فأنت بالناس في عالمك الحقيقي تكون، لا بالعالم الافتراضي، وعن نفسي فقد ألقيت بالمصباح بعيدًا، حتى أنعم بالمعنى الحقيقي في أن أتواجد مع الناس وبينهم.