يقول الفصل 12 مِن دستور المغرب : «تُؤسَّـس جمعيات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون.. ولَا يمكن حلّ هذه الجمعيات والمنظمات، أو توقيفها، من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي».
ويُضيف الفصل 29 من الدستور: «حريات الاجتماع، والتجمهر، والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي، والسياسي، مضمونة».
فالدستور المغربي يضمن، نظريًّا، «حرية تأسيس الجمعيات». حيث لا يُخْضِع الدستور تأسيس الجمعيات لِشَرْطِ الحصول على أيّ «تَرْخِيص» سِيَاسِي تمنحه إدارات الدولة. ويكفي عند تأسيس الجمعيات، أن يقوم مُؤَسِّـسُو هذه الجمعيات بِـ «إِخبار» السلطات المحلية، عبر عملية «إِيدَاع مِلَفّ تأسيس» هذه الجمعيات المعنية لدى السلطات المحلية.
لكن الإدارات التابعة لوزارة الداخلية تَـتَحَايَلُ في مَجال تأويل قانون تأسيس الجمعيات، وأصبحت «تَشْتَرِطُ» الحصولَ على «تَرْخِيص» مَمْنُوح مِن طرف إدارات وزارة الداخلية، ولو أن دستور المغرب لا يَشْتَرِطُ (في تأسيس الجمعيات) الحصولَ على أيّ «تَرْخِيص» مُقَدَّم مِن طرف إدارات الدولة.
وهكذا حَوَّلَت وزارة الداخلية «وَصْل إِيداع ملف تَأسيس الجمعيات»، الذي كان مِن المفروض أن يحصل عليه مُؤسّـسو الجمعيات بشكل آلِيٍّ، حَوَّلَته الوزارة إلى «تَرْخِيص»، أو «موافقة»، أو «رِضًا»، تَمنحه لِمَن تُريد، وَتَرْفُضُ تسليمه لِمَن تَغْضِبُ عليه، أو لِمَن تَشُـكُّ في وَلَائه، أو لِمَن لَا تَـثِـقُ في خُضُوعه. وما هي «المَقَايِيس» التي ستمنح إدارات وزارة الداخلية على أساسها هذا «التَرْخِيص» أو «رفض الترخيص»؟ هل على أساس «الزَبُونِيَة»، أم «المَحْسُوبِيَة»، أم «الرَّشْوَة»، أم «التَـقَارِير المُخَابَرَاتِيَة»، أم «الوَلَاء السياسي»، أم ماذا؟ فتكون هكذا وزارة الداخلية قد أَلْغَتْ عَمَلِيًّا «حرّية تأسيس الجمعيات». وهذا ما سنراه بالملموس، فيما بعد، في حالة تأسيس جمعية «الحركة المغربية للتـقاعد».
عَـقَد مُؤسِّـسُو جمعية “الحركة المغربية للتقاعد” جمعهم التأسيسي، طبقا للضوابط القانونية، بتاريخ 06 شتنبر 2019، بالمركب الثقافي سيدي بليوط بالدار البيضاء، بعد أن قاموا بحجز القاعة بتاريخ 25 يوليوز و إخبار السلطة المحلية بذلك، حيث حضر ممثلها يوم الجمع العام .ثمّ قَدَّمُوا الملف القانوني إلى مصالح “عمالة مقاطعات الدار البيضاء آنفا”، بتاريخ 18 شتنبر 2019.وتمّ تسجيل مِلَف هذه الجمعية بتاريخ 24 شتنبر 2019، تحت رقم1-3787.وقام مؤسّـسو هذه الجمعية بالعديد من الاتصالات المُباشرة بالسيد رئيس “مصلحة تَـقْـنِـيـنالحُرّياتالعَامة” في “العَمَالَة”، من أجل الحصول على «وَصْل الإِيدَاع».
كما اِتّصل مؤسّـسو هذه الجمعية بالسيد رئيس “قسم الشؤون العامة” في “العَمَالة”،وقداستـقـبلهم بتاريخ 14 يناير 2020. و بعد هذا التاريخ، قام مؤسّـسو هذه الجمعية بزيارات متكررة لِـ “مصلحةتَـقْـنِـيـن الحريات العامة” في “العَمَالَة”، لكن هذه المصلحة كانت دائما تطلب من مؤسّـسي الجمعية المذكورة المزيد مِن «الانتظار». وراسل مؤسّـسو الجمعية السيد العامل بتاريخ 30 شتنبر 2020، تحت رقم6088.
وحدثت آخر زيارة قام بها مؤسّـسو الجمعية إلى السلطات المحلية خلال يوم الثلاثاء 16 فبراير 2021. حيث بقي المنسّق الوطني للجمعية، و أعضاء الكتابة الوطنية ينتظرونأمام باب السيد رئيس “قسم الشؤون العامة” من الساعة العاشرة صباحا إلى السّاعة الواحدة زوالا،لكن السيد الرئيس رفض استقبالهم.ثم توجّه مؤسّـسو الجمعية إلى مدير ديوان السيد العامل،فَنَصحهم بدوره بِالتوجّهنحو “الكتابة الخاصة للسيد العامل”. وهناك حرّر مؤسّـسو الجمعية«طلب مقابلة».وقدّموا هذا «الطلب» إلى “الكتابة العامة”، بتاريخ 18 فبراير2021.لكن هذه الكتابة أعادت بدورها هذا «الطلب» إلى السيد رئيس “قسم الشؤون العامة” من جديد، وذلك بتاريخ 19 فبراير2021، تحت رقم01.
يَـتَّـضِحُ إذن، بعد 18 شهرا مِن المُمَاطَلَة والانتظار، أن ملف جمعية “الحركة المغربية للتقاعد” يدور في حلقة مُفرغة، وأن الإدارة (المُكلّفة بِتَلَـقِّي ملفات تأسيس الجمعيات) تُحاول «مَنْعَ» هذه الجمعية مِن الحُصول على «وَصْل الإِيدَاع» القانوني. الشيء الذي يَحْرُمُ بِدوره هذه الجمعية مِن حَقِّهَا في الوُجود، وَمِن حقّها في مُمَارسة حُقوقها الجَمْعَوِيَة، المَضْمُونَة (نَظَرِيًّا) مِن طرف دستور المغرب. فَهَل «قسم الشؤون العامة» في “العَمَالَة” فوق الدستور؟
إن أعضاء جمعية “الحركة المغربية للتقاعد”يستنكرون هذا التَـمَاطُل المُتَـعَـمَّـد، وغير العادل، والمتنافي مع الدستور. فبعد 18 شهرًا من الانتظار، تَحوّل رفض تسليم «وَصْل إِيدَاع مِلف تأسيس» هذه الجمعية إلى «مَنْع» واضح للجمعية. بينما يفرض جَوهر دستور المغرب لِسنة 2011، مثلما جاء في فصله رقم 12، بأن يَصْدُرَ هذا «المَنْع»، إن كان هناك «مَنْع»، مِن عند سلطة قضائية مُستقلّة، وليس مِن عند إدارات بِيرُوقْرَاطِيَة تابعة لوزارة الداخلية، ترفض الإِفْصَاح عن «المَنْع»، وترفض حتّى تبرير قَرار «المَنْع الضِمْنِي» لِهذه الجمعية.
وقد كانت عملية «إِيدَاع مِلَف تأسيس الجمعية»، في القانون الأصلي، مُجَرّد إِجْرَاء رُوتِينِي لِلتَّسْجِيل فقط. لكن بعدما تراجعت السّلطة السياسية عن الإِصْلَاحات «الديموقراطية» المَمْنُوحَة إِبَّـان اِنْتِفَاض الشعب على شكل «حَرَكَة 20 فبراير» في سنة 2011، تَحَايَلَت السلطة السياسية، وحَوَّلَت «التسجيل الرُّوتِينِي» إلى «طلب رُخْصَة»، أو إلى «اِسْتِجْدَاء مُوافقة سياسية» على تأسيس الجمعيات.
فَتَرْفُضُ هكذا وزارة الداخلية أن تُعطي «وَصْل إِيدَاع مِلَف التأسيس» إلى كل مَن تعتبره «غَيْرَ خاَضِع»، أو «غَير مُوَالٍ»، أو تَعتبره «مَشْكُوكًا في وَلَائِه»، أو «غَير مَرغوب فيه». وهذا هو «الشَّطَط»، أو «الاستبداد» في استعمال السلطة.
وقد راسل مؤسّـسو جمعية “الحركة المغربية للتقاعد” عدّة جهات مسؤولة، وطلبوا منها التدخّل، طبقًا لاختصاصاتها، بهدف تمكينهم مِن مُمارسة حُقُوقهم الجَمْعَوِيَة المضمونة دُستوريًّا.
وما هو دور الجمعيات؟ يجيب الفصل 12 من الدستور: «تُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع، لدى المؤسسات المنتخبة، والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها، وتقييمها». وهكذا، في الوقت الذي «تُمنع» فيه جمعية “الحركة المغربية للتقاعد” (المستقلّة عن أيّة جهة سياسية) مِن حقّها في الوجود، تُمرّر الحكومة مشاريع قوانين تُحدث تغييرات هَيْكَلِيَة جَسيمة في مَنْظُومَة التقاعد بالمغرب، لِكي لَا تُشارك الجمعيات المُستقلة «في إعداد قرارات ومشاريع، لدى المؤسسات المنتخبة، والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها، وتقييمها» (الفصل 12).
ويُحسّ مؤسّـسو جمعية “الحركة المغربية للتقاعد” أنهم «مُهَانُون»، أو أنهم «مَقْمُوعُون»، وأنهم مُكْرَهُون على فضح هذا «القمع» المُسْتَتِر، وعلى اللّجُوء إلى خوض أساليب نضالية،لاسترجاع حقهم المشروع، في ممارسة النشاط الجمعوي، المضمون دُسْتُوريًّا، وذلك خِدْمَةً لِمَصالح أعضاء جمعية “الحركة المغربية للتقاعد”، و ذوي حقوقهم، و خدمة لكل الوطن.
إبراهيم النامي
عضو المجلس الوطني لِجمعية “الحركة المغربية للتـقاعد”،
الدارالبيضاء، 26أبريل2021.