لقد فرض التوازن الاجتماعي والاقتصادي لأي مجتمع منذ الأزل، أن تكون هناك فئات وطبقات مختلفة، تتدرج بين العلم والجهل .. الخير والشر .. الغنى والفقر .. وهذه المتناقضة الأخيرة (الغنى والفقر) تفرز داخل المجتمع فئتين، فئة تملك المال، وأخرى تملك السواعد التي تستطيع بواسطتها أداء العمل .. أي فئة مالكة، وأخرى أجيرة عند الأولى، وهي التي يطلق عليها المصطلح الشائع والمتداول “خادمات البيوت”.
وإذا بحثنا في الأسباب الداعية لوجود هؤلاء الخادمات بالبيوت، نجدها كثيرة ومتعددة بتعدد الظروف والأوضاع، غير أنها تختلف لدى الخادمة من جهة، ولدى الأسرة المشغلة من جهة أخرى.
فبالنسبة للخادمات، نجد أن لكل واحدة منهن ظروفها الخاصة، التي تدفعها للخروج إلى العمل بالبيوت، إذ أن غالبيتهن يفدن من البادية في إطار الهجرة القروية، هربا من الظروف المادية القاسية، التي تتمثل في الفقر المدقع الذي تعيشه عائلاتهن، وعجز رب الأسرة عن إعالة الأفراد، الذين هم تحت نفقته، فيهتدي – تحت طائلة الإغراء – إلى الدفع ببناته أو إحداهن إلى سوق العمل في المدينة، حيث تنشط تحركات الوسطاء أو بمعنى أصح “سماسرة البشر” الذين لا يتوانون في البيع والشراء في هذه الأجناس، وعقد الصفقات على حساب القاصرات اللائي لا حول ولا قوة لهن، اللواتي تدفعهن إمكانياتهن المتواضعة، إلى مغادرة العالم القروي .. وإلى طأطأة الرأس والرضى بالشيء القليل مقابل ماتبذلنه من مجهود جبار كخادمات داخل البيوت.
وأما بالنسبة للأسر المشغلة، فهي أيضا تختلف اختلاف ظروفها .. فهناك نساء موظفات وهن في حاجة إلى من يقوم بأشغال البيت في غيابهن، وهناك أخريات لا تسمح لهن حالاتهن الصحية بالقيام بأعباء البيت لوحدهن فيتخذن الخادمة ليستعن بها على أمورهن، ثم أن هناك فئة أخرى من النساء المشغلات يتخذن الخادمة فقط للتباهي أمام صديقاتهن ليقال (إن فلانة عندها خدامة) إذن هي ميسورة الحال.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من التطرق إلى الكيفية التي يتم بها الحصول على الخادمة، فبعد الكثير من الاستفسارات، وجمع بعض الآراء اتضح لنا أن سوق (الخادمات) تعمه فوضى عارمة وتسيب كبير، وأن سلبياته أكثر بكثير من إيجابياته، وأبطال هذه السوق، هم بعض السماسرة الذين يتوسطون بين ولي الخادمة الباحثة عن شغل، والعائلة التي هي في حاجة إلى خادمة، ليتم الاتفاق مع السمسار مباشرة عن ظروف العمل وحتى الثمن، وكثير من الأولياء لا يلوون مقابل عناء وتعب بناتهم إلا على الفتات، مع العلم أن كل خادمة تؤدي مهمتها الشاقة في غياب كل الضمانات .. التغطيات الاجتماعية، ثم الظروف المعيشية القاسية اللإنسانية والمهينة، ويتجلى ذلك في معاناتها الكبيرة وما تتحمله من متاعب .. منها على الخصوص، الأجر الزهيد إن لم نقل المنعدم في كثير من الأحيان، ثم ثقل الأعباء التي لا تتماشى وسن الخادمة، علاوة على النظرة الدونية التي تنظر إليها قريناتها، وكأنها كائن ناقص .. إضافة إلى الوضعية المتدهورة التي تكون عليها وهي داخل بيت المشغلة، ويخص ذلك بالأساس نومها وهندامها وأكلها .. تنام بمفردها داخل المطبخ، فضلا عن إعارتها لبعض الأقارب والمعارف والجيران، خلال المناسبات والأفراح للاستعان بخدماتها لتصبح كبيدق في يد حامله ينقله متى وأنى شاء، وذلك كله بدون ثمن، ناهيك عن الإهانة المستمرة.
سماسرة الخادمات، وفق تقارير عديدة، يحققون مكاسب تتعدى ال 20 ألف درهم شهريا، حيث يجندون ضمن شبكاتهم السوداء، حراسا ليليين وأصحاب محلات بل وحتى يسخرون مواقع التواصل وتطبيقات الدردشة من أجل استقطاب الزبائن.
مهنة ” السمسار ” أصبحت وسيلة لكسب المال السريع والمربح على حساب حقوق النساء والأطفال، في مدن مغربية عديدة، أشهرها الرباط والدار البيضاء، حيث الكثافة السكانية، والنساء العاملات، ما يجعل الإقبال على خادمات البيوت في ارتفاع متزايد، هذه الوتيرة المجنونة للعيش بهذه المدن الكبرى، تحول الحياة في عيني خادمة قاصر لمكان موحش ومظلم، ينهش فيه الجميع قطعة منها، فالبعض ينهش راحتها وطاقتها، والبعض على الطرف الآخر ينهش مورد رزقها وفرصتها في الانتقال لحياة أفضل.
يعمل المئات من السماسرة في الدار البيضاء، سواء في الحدائق أو وراء المساجد، في حين يسيطر كل منهم على مكانه الخاص. وفي الأثناء، يعمد الكثيرون منهم إلى التواصل مع الفتيات الراغبات في العمل وربات المنازل من خلال موقع واتساب أو عن طريق المعلومات التي يتلقونها من حراس السيارات أو المباني.
وقد أصبحت هذه المهنة التي كانت تمارس في الخفاء وبشكل سري، وظيفة فعلية وتمارس علناً في مدينة الدار البيضاء ، وازداد فيها الطلب على هذا الصنف من الخدمات. وبغية كسب المزيد من المال، يعمد السمسار، كل بضعة أشهر، إلى تحريض الخادمات على ترك المنازل التي يشتغلن فيها حتى يقوم بإرسالهن لخدمة منازل أخرى.
ومن خلال هذه الاستراتيجية المتبعة، يتمكّن السمسار غالباً من مضاعفة العمولة التي يتقاضاها.