هل حقا ستفني مصر عطشا أو غرقا ؟!
هل آن لحضارة شبّت قرونا علي خيرات ضفاف النيل أن تتضور جوعا فوق بور أراضيه، أو تزهق روحها تحت سطوة فيضانه الثائر ؟!!
قنبلة موقوتة تنذر بفناء أم الدنيا عاجلا أم آجلا ؛ إذ شرعت الحكومة الإثيوبية منذ سنوات في بناء سد هائل يبلغ من الارتفاع حوالي 145كيلو مترا ويدعي (سد النهضة ) ، معلنة هدفه الرئيسي وهو توليد الطاقة الكهرومائية من أجل نهضة أراضيها ، دون الأخذ في الحسبان كونه خطرا داهما يمتص نيل مصر ويسلب بعض دول حوض النيل نصيبها هذا وبإثبات الدراسات .
ولكي نستعرض تلك المخاطرمحاولين تفاديها، لابد أولا أن نتطلع إلي موقعه الجغرافي في خريطة الوطن العربي من عل ٍ .
انتقت الحكومة الإثيوبية موقعا لسدها الضخم علي النيل الأزرق بولاية ( بني شنقول )، بمسافة تبعد أكثر من خمسة وأربعين كيلومترا عن الحدود الإثيوبية السودانية ، وهنا سؤال يُطرح لماذا اختارت الحكومة الإثيوبية أطراف الدولة مقرا لذلكم السد ولم تنشئه وس ذذط أراضيها مستغلة أنهارها الأخري ؟!
الحقيقة أن أراضي إثيوبيا تتسم بالوعورة ؛ لما تضمه من جبال و هضاب و غير ذلك من طبقات الصخور الرسوبية والمتحولة ، فتخشي إثيوبيا أن ينهار سدها وسط أرضها فيفني شعبها لذا ألقته علي الحدود كي لا يلحق بها أذي.
السؤال الأهم الآن:
ما موقف حصة مصر من المياة بعد إنشاء السد علي روافد النيل الأزرق ؟!
لنعلم أن النيل الأزرق والنيل الأبيض هما أكبر رافدين من روافد نهر النيل ، إذ يلتقيان عند العاصمة السودانية (الخرطوم) لتكوين نهر النيل والذي يهب الحياة إلي دول الحوض إلي أن يصب في البحر المتوسط .
يمد نهر النيل مصرنا بحوالي 97 % من رصيدها من الماء ليعد مصدرها الأوحد من المياه ، و يساهم النيل الأزرق في تلك النسبة بحوالي ثمانين إلي خمس وثمانين بالمائة من ماء النيل .
لذا بإنشاء سد سعته حوالي 74 مليار م 3 تحتاج إلي إثنتي عشرة سنة أو يزيد كي يمتليء الخزان عن آخره فلن تفوز مصر في تلك الفترة بقطرة ماء من مياه النيل الأزرق ، و هذا يؤدي إلي تراجع حصة مصر بمقدار الربع أو يزيد .
لو توقف الأمرعند هذا الحد لهان ، ولكن تكمن المشكلة في قلة مياة النيل الهابطة من صعيد مصر نحو الدلتا المنخفضة.
كلما تراجعت كمية مياة النيل قليلا ، ارتفعت مياة البحر المالحة لتفسد محاصيل الدلتا رويدا إلي أن تختفي الدلتا أسفل مياة البحر ،علاوة علي تسرب الماء المالح عبر الشقوق إلي المياة الجوفية لتقضي علي كل صور الماء العذب .
ستقع مصر تحت خط الفقر المائي ، مما يعجزها عن التوسع الزراعي والإنتاج السمكي وسبل الملاحة وغيرها ، ناهيك عن تراجع نسبة المياة التي يتطلبها السد العالي بأسوان فستفقد مصر ثلث إنتاجها من الكهرباء إلي أن يحل بمصر فقرا مدقعا يدفعها نحو الموت البطيء .
باستعراض الدراسات نجد دراسة الباحث الأمريكي ( ريتشارد كونيف ) والذي أكد لجامعة يال الأمريكية Yale university أنه بحلول عام 2025 م علي مصر في وجود سد النهضة ، فسوف تختفي الدلتا وما حولها تحت فيضان السد ، فسعة السد من 74 مليار مترا مكعبا مضافا إليها حصة بحيرة ناصر لا تشكل سوي قنبلة مائية تطيح بالأخضر واليابس ترغمنا علي البحث عن وطن آخر وإلا فسوف نصارع طوفانا كطوفان نوح وحتما سنصبح هالكين.
هل للحكومة المصرية دور للتصدي أمام تلك المسألة ؟!
أوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقاء له أن مسألة السد حياة أو موت وأننا حريصون أشد الحرص علي نهضة إثيوبيا لذا فلابد وأن يبادلونا ذات الحرص علي حياتنا ، مؤكدا أننا كمصريين لا نمتلك رفاهية التخلي عن مصدرنا الأوحد من المياة .
كي تطمئن الأطراف الخائفة من انتهاء مفاوضاتنا في أمر السد بانهيار العلاقات بين مصرو دول حوض النيل ، فقد شهدت (عنتيبي ) بأوغندا منذ أسابيع استقبالا للرئيس السيسي بغرض تعزيز العلاقات بين مصر وأوغندا واستقبله الرئيس الأوغندي ( يوري موسيفيني ) بحفاوة .
وبعقد مؤتمر القمة للقارة السوداء بعنتيبي تواصل الرئيس السيسي مع رؤساء الدول موضحا شروط مصر إن استمرت مسألة تشييد السد .
مادام السد قد صار واقعا يتجسد أمامنا ، فلنعلم أنه باكتمال خطة البناء ثم انهيار السد لاحقا أو فيضانه فسوف يكون الخطر أكبر ؛ لذا فإنها مسألة وقت والهلاك قادم لا محالة .
إثيوبيا تشيد لأغراض سياسية متجاهلة عددا من الاتفاقيات علي سبيل اتفاقية تقاسم مياة النيل 1929م والتي وقعتها بريطانيا كقوة استعمارية آنذاك لتضمن حصة مصروالسودان وعدد من دول الحوض و أن لمصر حق الفيتو إن خالفت أي دولة الاتفاقية وشيدت أي سد علي روافد النيل .
لابد من حلول سريعة و إلا سنري الخراب نصب أعيننا ، لابد من تحديد حصة ثابتة لأننا لا نملك رفاهية شراء ماء نيلنا ، مصرالتي ذكرها
” هيروديت ” حينما أتي مع الحملة الفرنسية قائلا إنها هبة النيل و مصر بلا نيل ستصير جزءا من صحراء القارة السوداء فهل لبلد الحضارات أن تدفن هكذا تحت مياهها كي تقوم حضارة إثيوبية علي جثثها ؟!