لم يضيع تنظيم القاعدة فرصة استغلال حالة العنف المتجدد ضد المسلمين الروهينجا في ميانمار، فوجّه دعوة لحمل السلاح عبر بيان قال فيه: “لن تفلت حكومة ميانمار من العقاب جراء تعاملها الوحشي مع إخواننا المسلمين في أركان. وبإذن الله، ستذوق حكومة ميانمار ما أذاقته لإخواننا في آركان”.
وعلى خلفية هذه الدعوة للجهاد، رأت فيرا ميرونوفا، زميلة متخصصة في الأمن الدولي لدى مركز بلفر التابع لجامعة هارفرد، وإيكاترينا سيرغاتسكوفا، صحفية مقيمة في أوكرانيا، أن على المجتمع الدولي التحسب من سعي مقاتلين أجانب انضموا إلى داعش، وحاربوا في صفوفه، للقتال على جبهة جديدة.
وتتساءل ميرونوفا وسيرغاتسكوفا في مقال في مجلة “فورين افيرز” عن نوايا مقاتلي داعش سابقاً، والذين يحتمل أن يتوجهوا إلى ميانمار. فقد انضم بعض المقاتلين إلى التنظيم من أجل الدفاع عن سوريين من قوات النظام السوري. وأراد آخرون الحصول على شقق بثلاث غرف نوم وعدهم التنظيم المسلح بامتلاكها. ويبقى، بالطبع، من التحقوا بالتنظيم كي يقاتلوا ويقتلوا. هؤلاء كانوا رجالاًِ تطوعوا للقيام بأخطر المهام، منها انتحارية، وكانوا من أوائل القتلى. وبحسب مقاتل أجنبي سابق لدى داعش، من بين جميع الذين عرفهم في وحدات هجومية، لم يبق إلا هو على قيد الحياة.
حملة تكفيرية
ولمنع مقاتليه من الهرب، شن داعش حملة تكفيرية، متهماً المنشقين عنه بأنهم كفار، وهي تهمة عقوبتها الإعدام. وفي ذات الوقت، صعب التنظيم مهمة الهرب على المنشقين. فقد أغلق الحدود، وشدد المراقبة عند نقاط التفتيش، وزرع ألغاماً على طول طرق التهريب، وجند رعاة في قرى قريبة من الحدود للإبلاغ عمن يبحثون عن الطريق نحو تركيا. وكان مجرد الحديث عن التفكير بالهرب من داعش خطراً.
أشد المعادين
ونتيجة لكل تلك الصعوبات، استنتجت الباحثتان أن من استطاعوا الهروب من داعش هم الأشد عداوة للتنظيم. فهؤلاء يسخرون اليوم من كل ما يرتبط بداعش، ولا يعتبرونه إسلامياً، وينشطون لمنع مجندين محتملين من الانضمام للتنظيم. وتبعاً له، من النادر أن يستجيب هؤلاء لدعوة القاعدة. وعلاوة عليه، لا يعتبر المقاتلون، الأشد راديكالية، بأن الروهينجا مسلمون.
توصيف غريب
وفي هذا السياق، وصف مقاتل سابق لدى داعش، أمضى أربعة أشهر في سجن تابع للتنظيم بسبب رفضه للنمط الإسلامي الذي طبقه داعش قبل هروبه إلى تركيا، الصراع في ميانمار بأنه بين “بوذيين ملحدين يقتلون ملحدين غير بوذيين”. وفي نفس الوقت، ينشغل مقاتلون سابقون أقل راديكالية، من الذين غادروا مناطق كانت خاضعة لداعش، في محاولاتهم للنجاة بأنفسهم. ولذا ليس في بالهم، أقله حالياً، المشاركة في حرب أخرى.
نواب لداعش
وتقول الباحثتان إنه لم يتبق سوى مدنيين أجانب من أعضاء داعش يطلقون على أنفسهم وصف “نواب التنظيم”، لكنهم لم يزوروا مناطق خضعت لحكمه. ويطلق مقاتلون على تلك الشبكة الواسعة من الأنصار الأجانب وصف “المشجعين”. ويدعي هؤلاء المشجعون بأنه، عندما يحين الوقت المناسب، سيقاتلون بالفعل. ولربما يعتقد بعضهم بأن الوقت الآن مناسب.
وبحسب الباحثتين، ما زال لدى هؤلاء “المشجعين”، على خلاف المقاتلين الهاربين، أفكار مثالية عن داعش والحرب. ولربما يبدون تعاطفاً مع دعوة القاعدة. لكن برأي مقاتلين سابقين، يعارض أعضاء داعش القاعدة ولا يميلون للقتال في صفوفه.
استجابة ضعيفة
وتشير الباحثتان إلى ضعف الاستجابة لدعوة القاعدة لحمل السلاح ضد حكومة ميانمار، بل خرجت تظاهرات سلمية تندد بـ”المجزرة بحق مسلمين” في أكثر من مكان من الشيشان وحتى إندونيسيا. ولم تظهر أية بوادر عن تحرك مسلح. وحتى في أوساط المقاتلين لدى الناطقين بالروسية، وهم أكبر الفصائل الأجنبية المقاتلة، لا يوجد من يجند للقتال في ميانمار، كما فعل سيف الله الشيشاني لصالح الحرب في سوريا.