مشهدان احتلا صدارة الاهتمام الأسبوع الحالي، بطلاهما شيخان من الأزهر الشريف.
(1)
كانت لتمرّ فتوى الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الغريبة، لولا أن الإنترنت لا ينسى شيئاً. أفتى بإباحة أن ينكح الزوج زوجته الميتة للمرة الأخيرة، إذا ما غلبه شوقه إليها. الفكرة أن هذه الفتوى تظهر وتختفي كل فترة، وتثير الجدل نفسه، وبالكيفية ذاتها، كما لو كانت إعادة عرض واحدة من مسرحيات التلفزيون الثابتة والضحك على الإفيهات نفسها.
هكذا عادت الفتوى على السطح ببطل جديد، وفي قناة يكاد لا يراها أحد، وهي LTC، ومع مذيع محترف تقديم برامج دينية وهو أحمد عبدون، في برنامج “عم يتساءلون” الذي ظل ينقله معه في كل قناة يذهب إليها، وربما يكون السؤال قد مر عليه عشرات المرات في رحلة البرنامج الطويلة عبر القنوات.
بالتأكيد لم تمر فتواه مرور الكرام. هاجمها شيوخ الأزهر كالعادة، ومنع عبد الرؤوف من الظهور على الشاشة. وخرج وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، وقال إنها فتوى شاذة، وتخالف تعاليم الشريعة الإسلامية، مضيفاً: “بالذمة ده كلام، أنا أتعجب من هذه الفتاوى التي تخرج بين كل حين وفترة، ولا تليق أن تخرج من رجل محسوب على أهل العلم، ولا يوجد زوج عاقل يمكن أن يعاشر الميتة”.
فيما قال الدكتور عبد الله النجار، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر “إن نكاح الزوجة الميتة من أعمال الشيطان، المرأة بمجرد الوفاة أصبحت في ذمة الله وصارت أجنبية بالنسبة لزوجها، وأن الدكتور صبري عبد الرؤوف لا يعبر عن الأزهر”.
أخذت الفتوى دورتها الإعلامية، التي بلغت ذروتها في حلقة خاصة من برنامج وائل الإبراشي، خصصها كاملة لمناقشة هذه “القضية الحيوية” والتي كانت الغلبة فيها بالطبع للرأي الذي يقول بعدم جواز نكاح الميتة لأنها لا تحل له وقد أصبحت غريبة عنه بمجرد وفاتها. (يعني أن الزوج إما أن يكون نيكروفيلياً أو غريباً عن زوجته بعد وفاتها)!
(2)
على شاشة أخرى، رجل يرتدي الزي الأزهري تستضيفه واحدة من البرامج النسائية وهو بعنوان “ست الحسن” على قناة “أون تي في”. الرجل هو إمام وخطيب ومبتهل، يدعى إيهاب يونس. تسأله مذيعة البرنامج إذا كان من محبي أم كلثوم ويحفظ لها أي مقطع من أغانيها، فيجيب الرجل ببساطة، ويبدأ بغناء “لسه فاكر”. هي لقطة بسيطة وتلقائية وشديدة الجمال. فإذا بالأزهر نفسه، الغاضب من النيكروفيليا الإسلامية، وبعدما زمجر وزير الأوقاف غاضباً من الفتاوى الشاذة، منعت الوزارة ذاتها، المبتهل المغني، من الخطابة والإمامة والدروس الدينية، بعدما أدى الأغنية مرتدياً الزي الأزهري، وأحالته للتحقيق، وأفادت الوزارة في بيان: “نظراً لما صدر عنه من أعمال تتنافى مع طبيعة عمل الإمام ومقتضيات واجبه الوظيفي، قرر الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني ورئيس لجنة القيم بوزارة الأوقاف، منع إيهاب عبده يونس عبدالرحيم من الخطابة والإمامة والدروس الدينية، مع إلحاقه كباحث دعوة بالإدارة التابع لها لحين انتهاء التحقيقات معه بمعرفة النيابة الإدارية”.
هكذا تحول الشيخ إيهاب يونس إلى متهم، جنباً إلى جنب مع صبري عبد الرؤوف مبيح نكاح الميتة. وإذا كان عبد الرؤوف مُنع من الظهور على التلفزيون، فيونس محال إلى التحقيق والنيابة الإدارية، كما لو كان جرمه أكبر بكثير.. أو هكذا تعاملت الأوقاف مع “الخزي” الذي تحمله تجاه مشايخها المغنين، رغم أنه جزء لا يتجزأ من تاريخها. فكل من المشايخ سيد درويش، وزكريا أحمد، وأبو العلا محمد، وسلامة حجازي، وغيرهم من عمالقة الطرب والتلحين المصري، هم من المشايخ فعلاً، ومن الحاصلين على العالمية الأزهرية، بل إن بعضهم له صور يرتدي الزي الأزهري محتضناً عوداً.
**
أطل الأزهر برأسه على الشاشة خلال أسبوع، حمل في أوّله بعض خزيه الفقهي وهو يحاول مداراته وعلاجه، وفي الثاني تبدى وجهه الأصولي، وفي كلاهما ملخص لحقيقته، وهوسه بصورته الكهنوتية، من دون الغوص في مصائبها المختبئة بين الكتب.