قررت الأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها (الأوسكار)، طرد المنتج الأميركي، هارفي واينستين من صفوفها بعدما اتهمته نحو 30 امرأة بالتحرّش الجنسي والاغتصاب والاعتداءات الجنسية. وأعلنت الأكاديمية في بيان أنّ “القرار حصل على أكثر من غالبية الثلثين المطلوبة لتنفيذ قرار الطرد”.
وقالت الأكاديمية إنها لا تنأى بنفسها عن شخص لا يستحق احترام زملائه فحسب، بل إنها توجّه رسالة تؤكّد فيها أن زمن التجاهل المتعمد والتواطؤ المهين مع الاعتداءات الجنسية والتحرش في مكان العمل في أوساطها قد ولى، خصوصاً وأن الاتهامات الموجهة لواينستين تسلّط الضوء على جملة ممارسات شائنة تبدو شائعة في أوساط هوليوود لناحية الوسائل المستخدمة من الأشخاص النافذين في هذا المجال للتحرش بالممثلات الطامحات للمضي قدما بمسيرتهن السينمائية. إلا أنّ التحرّك الجدّي والفعلي من أجل التصدّي لهذه الممارسات أتى بعدما وجهت العديد من النجمات، بينهن أنجيلينا جولي وأشلي جاد وغوينيث بالترو اتهامات للمنتج النافذ في هوليوود بالتحرّش الجنسي.
إلى ذلك، أعلن مكتب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، السبت، عن أن فرنسا بدأت مناقشات لسحب وسام جوقة الشرف، أحد أرفع الأوسمة الفرنسية، من واينستين بعد مزاعم عن تحرشه الجنسي. وقالت متحدثة باسم مكتب الرئيس “بدأت الرئاسة الفرنسية مناقشة القضية مع المستشارية الكبرى لوسام جوقة الشرف، وسيجري اتخاذ قرار بعد هذا النقاش، إذ تعتبر الرئاسة هذا السلوك متناقضاً مع الشرف”.
في السياق، علّقت المرشحة الرئاسية الديموقراطية السابقة، هيلاري كلينتون، على الفضيحة التي طاوت واينستين، الذي كان من أبرز الداعمين لها في الحملة الرئاسية وظهر بجوارها في العديد من الصور. وقالت كلينتون خلال لقاء لها في برنامج “وان شو” عبر شبكة “بي بي سي”: إنه “أمر مرعب ما نسمعه الآن، وأريد أن أثني على النساء اللواتي تكلمن أخيراً، وأنا سعيدة جدا بأنهن يحصلن على الدعم”. وأضافت: “لا بد أن ذلك تطلب شجاعة من هؤلاء النساء ليتقدمن إلى الأمام، ونحن ندعم البقية لكي يظهرن الحقيقة ساطعة. القضية الآن باتت لا تتعلق بشخص واحد”.
وبعد الفضائح التي تكشّفت ضدّه، تواجه شركة الإنتاج الهوليوودية “ذا واينستين كومباني” التي أسسها هارفي واينستين، البيع أو الإقفال النهائي، بحسب ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”. ونقلت الصحيفة عن مصدر مقرّب من الشركة قوله إنّ أعضاء في مجلس الإدارة عقدوا مباحثات مع أشخاص يمكن أن يشتروها، وذلك غداة طرد واينستين الأحد الماضي من الشركة، على خلفية اتهامات بالتحرش والاعتداءات الجنسية، تمتد على ثلاثة عقود، جمعت الأعمال التي أنتجتها الشركة خلالها 75 جائزة أوسكار و303 ترشيحات والكثير من الجوائز المرموقة.
ومنذ تكشّف أولى خيوط الفضيحة في 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، من خلال تحقيق نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، يزداد عدد النساء اللواتي يقلن إنهن وقعن ضحايا انتهاكات واينستين، وهن في أغلبيتهن ممثلات وعارضات أزياء كن في بداية مسيرتهن وقت الأحداث، ويعود البعض منها إلى أكثر من 20 عاماً.
هذا الأمر دفع شرطة نيويورك إلى التحرّك، حيث سارعت عقب نشر التحقيق المذكور إلى فتح تحقيق في قضية اعتداء جنسي مزعوم يعود للعام 2004 اتهم المنتج هارفي واينستين بارتكابه. ومنذ صدور تحقيق “نيويورك تايمز” تتوالى اتهامات التحرش والاعتداء الجنسي والاغتصاب الموجهة إلى المنتج الهوليوودي. علماً أنها ليس المرة الأولى التي يتعرض فيها واينستين للتحقيق، ففي العام 2015 فتحت شرطة نيويورك تحقيقاً يطاول المنتج إثر تقدم عارضة الأزياء الإيطالية أمبرا باتيلانا غوتييريتس بشكوى ضده، متهمة إياه بالاعتداء عليها جنسيا في غرفة فندق. وسجلت الشرطة حوارا بين الشابة والمنتج الذي كان يصر عليها كي ترافقه إلى غرفة الفندق مجددا، غير أن المدعي العام في مانهاتن قرر وقتها عدم ملاحقة واينستين باعتبار أن عناصر الإثبات ليست كافية.
لكن ما السبب الذي جعل العالم يصمت عن مثل هذه الانتهاكات الجنسية بحق المرأة في العالم المتقدم؟ سؤال طرحته صحيفة “الغارديان” في سياق تغطيتها للجدل الدائر حول فضائح واينستين. وذكرت الصحيفة أن أكثر من 16 مسؤولا تنفيذيا، من بينهم من عمل سابقا في شركة واينستين أو ميراماكس أو يعمل الآن في إحداهما، قد أفادوا بأن سلوك هارفي كان معروفا لدى الجميع، مشيرة إلى أن الممثلين المشهورين، مات دامون وراسل كرو عملا على إخفاء فضيحة هارفي العام 2004، الأمر الذي أغضب الصحافية شارون واكسمان، التي ذهبت قصتها أدراج الرياح.
والحال أن هذا الصمت الذكوري في الدفاع عن حقوق المرأة من الاستعباد الجنسي، الذي يمارسه بعض الشواذ، قد ساهم بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة، بحسب “الغارديان”، التي تساءلت “هل من واجب الرجال التحرك وإدانة مثل هذه التصرفات، أم على النساء التحرك والدفاع عن كرامتهن، أم على الضحية فضح الجاني؟”، موضحة أن أحد أبرز الأسباب التي تدفع المجرم لارتكاب مثل هذه الاعتداءات الجنسية يتمثل بحجم النفوذ والسلطة التي يتمتع بها الجاني، والغطاء الثقافي الذي يمنحه المجتمع لمثل هذه الممارسات.
وفي حين أن الفضائح الجنسية ما زال لها رنين قوي في آذان العامة، يبقى للجانب الثقافي تأثير على التشريعات التي تحمي المرأة، إذ إن رئيس الولايات المتحدة الحالي، دونالد ترامب، الذي اشتهر بفضيحته الجنسية وبسوء معاملته للمرأة، لم يمنعه هذا من الفوز في الانتخابات الرئاسية ودخول البيت الأبيض، وفي هذا دليل على طبيعة المجتمع الأميركي. وعليه، ترى “الغارديان” أن فضائح الاعتداء أو التحرش الجنسي يجب أن يتم التعامل معها كتسرب الغاز، فإذا كان هناك شائعات بوجود انتهاك في حق شخص ما، وجب التثبت من صحة الادعاءات واتخاذ الإجراءات اللازمة، وتوفير الحماية للضحية، لأن التستر على الجريمة سيساهم في تفشيها.