استقالة جاكوب زوما من منصبه في رئاسة جنوب افريقيا لم تكن مفاجأة، لكن السؤال الهام هو: لماذا استغرقت وقتا طويلا؟، رغم الفساد وسوء الإدارة والركود الاقتصادي الذي ميز سنوات حكمة الـ 9.
وفي عام 2014، اتهم زوما بالاستفادة من أموال دافعي الضرائب وانفقها على “التحسينات الأمنية” التي أدخلت على إقامته الريفية، كما أدين بـ 800 تهمة تتعلق بالفساد من بينها رشاوى في صفقات أسلحة.
وتساءلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية كيف يمكن لسياسي شعبيته منهارة ومتهم بالاغتصاب والفساد ظل في منصبه لفترة طويلة؟.
وقالت هناك العديد من الأسباب، ولكن أهمها النظام الانتخابي غير العادي في جنوب أفريقيا، بجانب الحزب الحاكم الذي كان يدعمه.
وتابعت، أن دستور جنوب أفريقيا الحالي وضع عام 1994، بعد قليل من خروج البلاد من هيمنة الأقلية البيضاء، وبعد تطبيقه عام 1997، غير الدستور الطريقة التي صوت بها جنوب افريقيا لصالح السياسيين بشكل كبير.
وفي عام 1994، اختار السياسيون نظام نسبي قائم على قائمة الأحزاب المغلقة، وبموجب هذا النظام، تصوت جنوب افريقيا لحزب بدلا من مرشح؛ ثم يتم تقسيم المقاعد في البرلمان، باستخدام قائمة خاصة يضعها كل طرف، لتعكس نسبة التصويت الشعبي التي فازت بها الأطراف.
وفي خضم ذلك، لن يتم التصويت على رئيس الدولة، مباشرة، ولكن بدلا من ذلك سيكون عضوا يختاره البرلمان، وعلى هذا النحو، سيكون رئيس الدولة ورئيس الحكومة.
وتابعت، أنه نظام غير عادي، ولكن لديه نقاط قوة، من بينها أن البرلمان يمثل جيد السياسة في البلاد، وللرئيس صلاحيات كبيرة في التعيين، ويمكنه استخدام حق النقض (الفيتو)، ولكن الجمعية الوطنية يمكن أن تكون بمثابة مراقب على السلطة، وخلافا للولايات المتحدة، يمكن للهيئة التشريعية في جنوب أفريقيا إقالة الرئيس من منصبه لأي سبب تراه مناسبا.
وأوضحت أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وحركة التحرير الشهيرة، حزب نيلسون مانديلا، لديه شعبية كبيرة في حقبة ما بعد الفصل العنصري، ومنذ عام 1994، فاز الحزب باستمرار بأكثر من 60 % من التصويت.
ونقلت الصحيفة عن “بيير دي فوس” أستاذ القانون الدستوري في جامعة كيب تاون قوله :” أن الهيمنة السياسية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي جعل نظامنا يعمل بشكل أقل، ربما هي الديناميكية السياسية وليس الترتيب الدستوري.. وهذا يعني أن رئيس الحزب لديه الكثير للقيام به “.
كان زوما منذ فترة طويلة رئيسا مثيرا للجدل، وبذلت الجمعية الوطنية الكثير من المحاولات لإخراجه من منصبه في السنوات الأخيرة، ولكن المشكلة هي أن هذه الجهود تأتي من أحزاب المعارضة؛ التي يعتبرها عدد قليل مقارنة بأعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.
وأشارت الصحيفة إلى أن حالة زوما سلطت الضوء على حقيقة أن السياسيين في جنوب أفريقيا كانوا أكثر أهمية لأحزابهم من الناخبين، بسبب نظام قائمة الأحزاب المغلقة.
وكانت النتيجة عدم المساءلة، وقال “جوديث فبراير” باحث في معهد الدراسات الأمنية قال في وقت سابق :” الحزب يمتلك المقعد وبالتالي له النفوذ النهائي على النائب”.
وقال “كاثلين بأول” أستاذ القانون في جامعة كيب تاون:” زوما كانت لديه شبكات محسوبية عززت سلطته، بينما كان الحكومة.. وبالنسبة للكثير من الاشخاص، فان وضعهم الجيد مع حزب المؤتمر الوطني يصبح جواز سفر لوظيفة راقية “.
وبما أن جنوب أفريقيا لا تصوت مباشرة لسياسي محلي أو الرئيس، فإن طريقتهم الوحيدة في التعبير عن رفضهم لقائمة زوما المتزايدة من الفضائح كانت عن طريق التصويت ضد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وهو أمر يصعب تخيله، نظرا لتاريخ الحزب وهيمنته.
ويدعو بعض المحللين حاليا لإنشاء نظام قائم على الأحزاب المفتوحة، حيث يمكن للناخبين أن يروا على الأقل مرشحي الجمعية الوطنية للأحزاب، إن لم يكن من الممكن ترتيبهم حسب الأفضلية، ودعا آخرون حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى إصلاح نظمه الانتخابي الداخلي، نظرا لمدى تأثير الحزب على التعيينات العليا.
ولكن هل إطاحة بزوما بعد سنوات من الفضائح تعني أن جنوب أفريقيا ستحصل على إصلاح انتخابي حقيقي؟ ربما لا، وبعد ما يقرب من عقد من زوما في السلطة، تواجه جنوب أفريقيا أزمات عديدة تحتاج إلى اهتمام فوري.