قالت بعض المصادر المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين إن السلطات السودانية أبلغت قيادات الجماعة الموجودة هناك بمغادرة أراضيها في أقرب وقت ممكن، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 2013، حسبما أشارت جريدة “الشروق” المصرية.
المغادرة ستكون على عدة مراحل، على أن تكون الأولى منها ضد العناصر الصادر بحقها أحكامًا في مصر، سواء كانوا من القيادات أو الأعضاء العاديين، علمًا بأن الخرطوم لن تسلم أي منهم للقاهرة، لكن فقط عليهم مغادرة الأراضي السودانية حسبما نقلت الصحيفة عن مصادر إخوانية خارج مصر.
حالة من الغموض أثارها هذا القرار خاصة أنه يأتي في وقت يواجه فيه نظام البشير موجات عاتية من المعارضة والاحتجاجات التي ربما تهدد مستقبل بقائه في السلطة، وفي المقابل يسير بخطوات متسارعة نحو التقارب مع القاهرة ومحاولة تدشين صفحة جديدة في العلاقات بعد تصاعد حدة التوتر بين البلدين في الآونة الأخيرة، بسبب عدد من الملفات على رأسها احتضان السودان لعدد من قيادات الإخوان.
مغازلة للقاهرة
تشهد العلاقة المصرية السودانية موجات من الصعود والهبوط خلال السنوات الأربعة الأخيرة بسبب تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات المشتركة بين الجانبين، أدخلت العلاقات بينهما إلى آفاق من التوتر والتجميد وصلت في بعضها إلى التراشق السياسي والإعلامي والتلويح بالتصعيد العسكري.
فتصريحات البشير بشأن دعم القاهرة لفصائل المعارضة في دارفور أو جنوب السودان، فضلاً عن النزاع الدائر بشأن حلايب وشلاتين، والتهديد بتدويل هذا الملف، مرورًا بفرض الخرطوم تأشيرات على المصريين من باب المعاملة بالمثل مع القاهرة، إضافة إلى وقف استيراد الحاصلات المصرية من السودان، وصولاً إلى اتهام وزير الدفاع السوداني القوات المصرية بممارسة استفزازات لقوات بلاده في المنطقة، كل هذا أوصل العلاقات بين البلدين إلى طريق شبه مسدود.
الاجتماع خلص إلى وضع خريطة طريق لاستعادة زخم وقوة العلاقات المصرية السودانية وذلك من خلال الجدية في التعاطي مع الملفات العالقة بين البلدين، ومحاولة إثبات حسن النوايا كمقدمة نحو تكسير الجمود
ويبقى ميل الخرطوم نحو أديس أبابا رأس الحربة في تصاعد الخلافات بين البلدين، حيث جاءت التصريحات المتبادلة بين السودان وإثيوبيا بشأن الدفاع المشترك وتعزيز أوجه الشراكة الاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن التهديدات والتلميحات بشأن التصدي لأي دولة تهدد أي من الدولتين (السودان وإثيوبيا) في إشارة واضحة للقاهرة.
وأمام هذا الجمود في العلاقات وفي ظل المستجدات الطارئة هنا وهناك، سواء فيما يتعلق بتأزم الوضع السوداني سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، كذلك الحال في القاهرة، ارتأت سلطات البلدين الحصول على هدنة لوقف هذا السجال، في محاولة لتخفيف حدة التوتر وتقريب وجهات النظر، فكان الاجتماع الرباعي المشترك لوزيري الخارجية ورئيسي جهاز المخابرات في البلدين، الذي عقد بالقاهرة مؤخرًا، بحضور إبراهيم غندور وزير خارجية السودان، والفريق أول مهندس محمد عطا المولى عباس رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني، وسامح شكري وزير خارجية، واللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، وصدر عن الاجتماع بيان مشترك عبر فيه الجانبان على ثوابت العلاقات الإستراتيجية الشاملة بين البلدين.
الاجتماع خلص إلى وضع خريطة طريق لاستعادة زخم وقوة العلاقات المصرية السودانية وذلك من خلال الجدية في التعاطي مع الملفات العالقة بين البلدين، ومحاولة إثبات حسن النوايا كمقدمة نحو تكسير الجمود الذي شاب تلك العلاقات، وهو ما دفع الخرطوم إلى ضرورة الالتزام بما اتفق عليه الجانبان خلال الاجتماع.
الخرطوم بين خيارين
وضع الاجتماع الرباعي المشترك لوزيري الخارجية ورئيسي جهاز المخابرات في البلدين، الذي عقد بالقاهرة، المسؤولين في الخرطوم في موقف حرج، ومن ثم كان الخيار بين اثنين، الأول: سحب مشروع تطوير ميناء وجزيرة “سواكن” من تركيا أو طلب مغادرة الإخوان المصريين المقيمين فوق الأراضي السودانية، وذلك حسبما أشارت مصادر سودانية لـ”عربي21″.
وأمام هذه المعضلة، اختارت الخرطوم أقل الضررين وهو مغادرة الإخوان، خاصة أن هناك معلومات بأن مصر لعبت دورًا كبيرًا في تحريض المعارضة السودانية على المظاهرات التي عمت البلاد خلال الأسابيع الماضية، بحسب مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في السودان.
إذ إنه من الصعب أن تضحي الخرطوم بعلاقتها بتركيا في هذا التوقيت وبمشروع بحجم “سواكن” من الممكن أن ينقل السودان إلى آفاق أخرى خاصة بعد توقيع عشرات الاتفاقيات بين البلدين في أعقاب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للبلاد مؤخرًا، تعهد خلالها بزيادة حجم التجارة بين البلدين من 500 مليون دولار في 2016، إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات القادمة.
أشارت بعض المصادر السودانية إلى وعود تلقتها الخرطوم من كل من القاهرة وأبو ظبي والرياض والكويت، بدعمها في الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مقابل طرد الإخوان
ماذا عن الإخوان؟
في الوقت الذي ضخم فيه البعض الخطوة السودانية، هناك بعض قيادات الإخوان قللوا منها بصورة كبيرة، وذلك استنادًا إلى عدد أعضاء الجماعة الموجودين بصورة فعلية داخل الأراضي السودانية، حيث لا يتجاوز عدة مئات، وذلك بعد مغادرة النسبة الأكبر خلال الأشهر الماضية بسبب ضعف فرص العمل وتراجع مستوى المعيشة هناك.
من زاوية أخرى فقد حافظت السلطات السودانية بالحد الأدنى من علاقتها بالجماعة، إذ تعهدت بعدم تسليم أي من أعضاء الإخوان للقاهرة بمن فيهم الصادر بحقهم أحكام بالحبس، لكن هذا في مقابل أن يغادورا البلاد في أسرع وقت، وذلك بحسب عدد من القيادات داخل الجماعة ممن أكدوا أنه قد تم التوصل مع القيادات السودانية لتفاهم بمنحهم فرصة لترتيب أوضاعهم، وبالفعل يمكن أن تستغرق العملية عدة أسابيع، كما سوف يتم السماح للطلاب الذين يدرسون في الجامعات هناك بالبقاء لحين انتهاء الفصل الدراسي الحاليّ.
القيادات الإخوانية أرجعت هذا القرار المفاجئ إلى الاجتماع الرباعي سالف الذكر الذي كان أحد بنوده طرد الإخوان من الأراضي السودانية، عززه عودة رئيس المخابرات السوداني السابق صلاح عبد الله قوش، لتولي شؤون الجهاز مرة أخرى.
اختارت الخرطوم أقل الضررين وهو مغادرة الإخوان، خاصة أن هناك معلومات بأن مصر لعبت دورًا كبيرًا في تحريض المعارضة السودانية على المظاهرات التي عمت البلاد خلال الأسابيع الماضية
مناورة سياسية
تصاعد الاحتجاجات ضد نظام البشير بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية من جانب، والتهديدات التي يواجهها الجيش السوداني نتيجة التحرش من جماعات المعارضة الممولة من الخارج – بعضها تتهم فيه القاهرة – فضلاً عن المناوشات الحدودية، كل هذا دفع النظام الحاكم إلى إعادة النظر في خريطة تحالفاته الخارجية، لحين ترتيب أوراق بيته من الداخل.
طرد الإخوان من السودان يفتح صفحة جديدة في العلاقات مع النظام المصري الذي بدوره قد يوقف دعم المعارضة سواء عن طريق تجفيف منابع دعم فصائلها، سياسيًا وعسكريًا، أو الضغط على الحليف الليبي خليفة حفتر الذي يدعم العناصر المناهضة للنظام السوداني.
وفي المقابل، أشارت بعض المصادر السودانية إلى وعود تلقتها الخرطوم من كل من القاهرة وأبو ظبي والرياض والكويت، بدعمها في الأزمة الاقتصادية التي تواجهها التي تعد السبب الأبرز في اشتعال الاحتجاجات المناهضة لنظام البشير، مقابل طرد الإخوان، وهو الإغراء الذي ربما دفع السلطات السودانية إلى اتخاذ مثل هذا القرار في هذا التوقيت.