أثارت الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى تونس، في 27 نوفمبر الجاري، ردود أفعال غاضبة في صفوف التونسيين، الذين عبّروا عن رفضهم لـ”تدنيس” تراب بلادهم.
ورغم تباين الروايات بخصوص الجهة الواقفة وراء الزيارة التي تأتي في وقت حساس تمرّ به البلاد، فإن التونسيين يكادون يُجمعون على رفضهم استقبال “أحد أبرز المتورّطين في جرائم ضدّ الإنسانية” داخل السعودية وخارجها.
وقالت تقارير إعلامية محلية إن زيارة بن سلمان المرتقبة تأتي بدعوة من الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، في وقت أكّدت فيه تقارير أخرى نقلاً عن مصادر بوزارة الخارجية التونسية ورئاسة الجمهورية أنها بطلب بن سلمان.
وذكرت المصادر أنها تأتي تزامناً مع جولة سيُجريها ولي عهد السعودية في المنطقة، قبل سفره إلى الأرجنتين للمشاركة في قمة العشرين، التي ستُعقد في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيريس، يومي 30 من نوفمبر و1 ديسمبر 2018.
بطلب من بن سلمان
الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، أكّدت أن بن سلمان هو الذي طلب زيارة تونس في إطار هذه الجولة الدولية التي استهلّها بالإمارات، لينتقل بعدها إلى البحرين، فتونس ومصر، وبعض أنباء غير أكيدة تتحدّث عن زيارة مرتقبة أيضاً إلى الجزائر وموريتانيا.
قرّاش جدّدت في تصريحات إعلامية، صباح الجمعة (23 نوفمبر الجاري)، التذكير بإدانة تونس لجريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصليّة بلاده بإسطنبول، ومطالبتها بكشف ملابساتها، دون المسّ باستقرار السعودية.
وأعلنت مجموعة مكوّنة من 50 محامياً تقديم دعوى قضائية لمنع بن سلمان من زيارة تونس، والتي قالو إنها تأتي لـ”فكّ عزلته على خلفيّة مقتل خاشقجي”.
وهذه الزيارة هي الأولى لولي العهد السعودي إلى تونس منذ تولّي والده، الملك سلمان بن عبد العزيز، السلطة في البلاد، وتعيينه وليّاً لولي العهد ومن ثمّ وليّاً للعهد.
وفجّرت الزيارة المرتقبة موجة كبيرة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب البعض على وسائل التواصل الاجتماعي إنه “لا لزيارة أبو منشار إلى تونس”، في إشارة إلى حادثة تقطيع جثّة خاشقجي من قبل الطبيب الشرعي صلاح الطبيقي، داخل قنصليّة المملكة بإسطنبول، في 2 أكتوبر الماضي، بأوامر عليا.
“نرفض تدنيس التراب التونسي”
وفي تعليقه على الزيارة التي وصفها بـ”الفضيحة الكبرى”، أكّد النائب بالبرلمان التونسي، عماد الدايمي، أنه يرفض “تدنيس التراب التونسي من قبل قاتل متورّط في جريمة كبرى”.
وأضاف الدايمي، وهو نائب عن حزب حراك تونس الإرادة (حزب الرئيس السابق منصف المرزوقي)، في تصريح خاص : “إذا كان بن سلمان يبحث عن فكّ العزلة والعودة السلسة إلى المشهد الدولي لمسح آثار الجريمة النكراء التي أمر بها وأشرف عليها، فهذا أمر يعنيه، أما أن تكون تونس محطّة لفرض التطبيع معه فهذا أمر غبي ومُشين لنا كتونسيين”.
وتابع: “إن الزيارة ستكون فضيحة له شخصياً؛ لأنه سيسمع بشكل قوي موقف الشعب التونسي الرافض لزيارته، كما أنه سيسمع مواقفنا القوية كنواب بالبرلمان وسياسيين خارجه”.
الدايمي شدّد على أن رفض الزيارة “لا يعني معاداة الشعب السعودي الصديق للشعب التونسي، والذي نكنّ له كل الاحترام والتقدير، ولكنه تعبير عن رفض أن تكون تونس محطة لتبييض إجرام شخص متورّط في جريمة بشعة سجلّها التاريخ”.
“موقف رسمي مخزٍ”
الدايمي وصف الموقف الرسمي التونسي من الزيارة بـ”المخزي”، مشيراً إلى أنه “من الواضح أن تونس وقعت تحت الابتزاز والضغط، وهو موقف مُذلّ ولا يليق بشعب قام بثورة وبدولة ديمقراطية، كما أنه لا يليق بمناخ الحريات السائد في تونس”.
وواصل قائلاً: “نعتقد جازمين أن السعودية هي التي تقدّمت بدعوى لزيارة بن سلمان بناء على طلب منه شخصياً، لكن الموافقة على قبولها فيها إضرار بصورة تونس ومصالحها، وبمبادئنا كدولة حرة ذات سيادة وقانون بعد ثورة 2011/2010، كما أنها مستفزّة للرأي العام الشعبي الرافض لاستقباله”.
النائب بالبرلمان التونسي ختم حديثه بالقول: إن “الرئيس الباجي قائد السبسي، ربما لم يستطع من منطلق الخوف والطمع رفض الزيارة”، التي لا يُستبعد أن يكون الهدف منها إغاظة أحد مكوّنات التحالف الحاكم (في إشارة إلى حركة النهضة)، ورغبة السبسي في الاقتراب من حلف معيّن معادٍ له.
بدوره قال عضو المكتب التنفيذي بنقابة الصحفيين التونسيين، محمد اليوسفي، إن النقابة فوجئت بزيارة ولي العهد، “الذي يبدو أنه يبحث عن تبييض سجلّه الدموي، لا سيما بعد جريمة تصفية خاشقجي التي هزّت الضمير الإنساني في كل العالم”.
وأكّد اليوسفي أن “نقابة الصحفيين تعتبر استقبال بن سلمان، الذي عرفت بلاده في عهده جرائم نكراء تمسّ حقوق الإنسان وجرائم حرب في اليمن، وفق ما تؤكّده تقارير دولية وحقوقية، مسيء للتجربة الديمقراطية ولقيم الثورة”.
واستطرد: “لهذا رفعنا شعار لا أهلاً ولا سهلاً بمحمد بن سلمان، الذي يقبع العشرات من الصحفيين والمدوّنين ونشطاء حقوق الإنسان في سجونه”.
الإعلامي التونسي قال إن النقابة ستوجّه رسالة استنكار واستهجان للرئيس السبسي على خلفيّة الزيارة، كما ستنسّق مع منظمات المجتمع المدني من أجل الاحتجاج والمطالبة بإطلاق سجناء الرأي في السعودية، ومحاسبة المتورّطين في جريمة اغتيال خاشقجي، والتي تُشير عديد المعطيات إلى إمكانية تورّط بن سلمان شخصياً فيها.
وختم قائلاً: “نرفض اصطفاف الدبلوماسية التونسية في لعبة المحاور الإقليمية إلى جانب المحور السعودي، وندعو إلى النأي بتونس عن التخندق في صف أنظمة قمعيّة استبدادية لا تحترم حرية التعبير والإعلام، ولها سجلّ مخزٍ”.
وعلم موقع “الجريدة نت” أن تحرّكات حقوقية ووقفات احتجاجية عديدة سترافق الزيارة، ستنظّمها نقابة الصحفيين التونسيين، ومنظمات وجمعيات، ونشطاء حقوقيون، للتعبير عن رفضهم للزيارة، والمطالبة بكشف تفاصيل اغتيال خاشقجي.