بعد 3 شهور من اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، وما خلفته تلك الجريمة من آثار سياسية واقتصادية مستمرة على المملكة، وولي العهد محمد بن سلمان، تحاول السعودية التقليل من حدة الانتقادات من خلال إيجاد مخرج قانوني لهذه القضية.
ولجأت السلطات السعودية إلى عقد محاكمة للأشخاص الذين تقول إنهم مدانون في مقتل خاشقجي وعددهم 11 شخصاً، في تناقض جديد مع روايتها الرسمية الأولى التي أعلنت خلالها وجود 18 متهماً مشاركاً في جريمة القتل.
وحاولت السعودية إضفاء الطابع القانوني على هذه المحاكمة، من خلال إقحام هيئة حقوق الإنسان التي حضرت الجلسة الأولى لمحاكمة المتهمين في قضية خاشقجي، التي عقدت أمس الخميس في الرياض، لإخراج صورة للعالم بوجود الإجراءات القانونية داخل المملكة.
ويعد وجود هيئة حقوق الإنسان في هذه المحاكمة أمراً مسيساً؛ لكونها غابت عن الحديث عن الاعتقالات الواسعة التي شنها بن سلمان بحق الأمراء، والدعاة، ونشطاء حقوق الإنسان، والمعارضين، في وقت دعت فيه غالبية المنظمات الحقوقية الدولية إلى االكشف عن مصيرهم وإطلاق سراحهم.
ولم تنجح الخطوة السعودية القانونية في إقناع العالم، إذ جاء الرد سريعاً من خلال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حيث شككت بنزاهة المحاكمة السعودية في مقتل خاشقجي، معتبرة أنها “غير كافية”.
جاء ذلك في تصريحات صحفية للمتحدثة باسم المفوضية، رافينا شامداساني، من مدينة جنيف السويسرية، اليوم الجمعة، حسبما نقل موقع “يورو نيوز” الأوروبي.
وأضافت شامداساني: “ليس من الممكن ضمان نزاهة المحاكمة التي تجري في السعودية المتعلقة بمقتل الصحفي جمال خاشقجي. وفي جميع الأحوال هي غير كافية”.
وفي سؤالها عن التقارير التي تتحدث حول مطالبة الادعاء السعودي بتنفيذ حكم الإعدام بحق خمسة من المشتبه فيهم في الجريمة، شددت المتحدثة الأممية مجدداً على إجراء “تحقيق مستقل بمشاركة دولية” في الواقعة.
ويعد تشكيك الأمم المتحدة بنزاهة المحاكمة ضربة قاسمة للخطوة السعودية المتأخرة لوقف التنديد الدولي المتواصل بها، من جراء عدم كشفها عن جميع مجريات ما حدث في جريمة خاشقجي، والكشف عن المتورطين الحقيقيين في القضية.
محاكمة من دون أسماء
وغاب عن العالم أسماء المدانين داخل المحكمة التي لم تُذَع على الهواء، خاصة أنها تبث في قضية شغلت العالم أجمع، وأحدثت أزمة قوية للمملكة، وينتظرها ملايين الناس للتأكد من نزاهتها وصدق نوايا السلطات السعودية.
ولم تعلن السعودية عن موعد المحكمة إلا من خلال بيان لوكالة الأنباء السعودية، عن النائب العام سعود المعجب، أكد فيه عقد الجلسة الأولى للمدانين في قضية مقتل المواطن خاشقجي، وعددهم 11، بحضور محاميهم، بناء على المادة (4) من نظام الإجراءات الجزائية.
ولم يذكر بيان النائب العام السعودي أسماء الأشخاص الـ11 المدانين في القضية، بل طالب بإعدام 5 أشخاص دون ذكر أسمائهم، وهو ما يفرض حالة جديدة من التشكيك في نزاهة هذه المحاكمة، وفق الإجراءات القانونية المعروفة في السعودية، خاصة في ظل قضية تعد رأياً عاماً دولياً.
كذلك، حاولت النيابة السعودية إشغال الرأي العام الدولي عن القضية الأساسية، من خلال إحداث أزمة دبلوماسية مع تركيا، واتهامها بعدم التعاون معها بالتحقيق في القضية، وعدم الاستجابة للمطالبات السعودية، وهو ما يكذبه الواقع.
من جانبه، يقول الخبير الاستراتيجي التركي يوسف ألاباردا: إن “ثمة طرفين للتحقيق في قضية خاشقجي: ما حصل في القنصلية السعودية بإسطنبول فأنقرة هي المسؤولة عن توضيحه، والثاني مرتبط بالرياض ويتعلق بتحديد من هم في دائرة الجريمة”.
ويوضح ألاباردا، خلال حديثه لقناة الجزيرة، أمس، أن السلطات التركية أجرت تحقيقاً شفافاً وذا مصداقية كشف- بشكل لا لبس فيه- أن خاشقجي قُتل في القنصلية، وقدمت أدلة ذلك ممثلة في تسجيلات وصور لفرقة القتل، وعرضت الأدلة والتسجيلات على السعوديين والأمريكيين والأوروبيين، لكن السؤال الأهم هو: مَن أمر بالجريمة؟ والجواب عند الرياض حيث بدأ التخطيط للقضية.
ويبين أن مطالبة النائب العام السعودي بإعدام بعض المتهمين دون ذكر أسمائهم يُثبت عدم مصداقية التحقيق السعودي.
تساؤلات مشروعة
بدوره، قال عبد الله العودة، نجل الشيخ سلمان الذي يحاكم في السعودية بلا تهمة: “كيف مدانين ومع ذلك يتحاكمون وهذه أول جلسة محاكمة؟ لماذا عددهم ١١ فقط برغم أن بيانات النيابة السابقة تتحدث عن عدد أكبر؟ أين البقية؟ ماهي أسماؤهم؟”.
وأضاف العودة في سلسلة تغريدات: “حقوق الإنسان السعودية هذه لم تتدخل في انتهاكات حقوق الإنسان، ولا في العزل الانفرادي للعلماء والمفكرين، ولا في الصعق الكهربائي والتحرش الجنسي للنسويات، ولا في التعذيب النفسي والجسدي والتسهير والمنع من العلاج للناشطين والإصلاحيين!”.
وتساءل: “لماذا لا تكون المحاكمات علنية، وما هو الجزاء الشرعي بحقهم؟ ومن الذي أمر بها”.
وقتل الصحفي السعودي على يد فرقة اغتيال خاصة مقرّبة من ولي العهد السعودي، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، بالثاني من أكتوبر 2018، في جريمة بشعة قطِّعت فيها جثته وأخفيت.