يرى أحمد شراي، عضو مجلس أمناء معهد السياسة الخارجية ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أن أبرز ضحايا كورونا هما يقين العلم وفعالية الزعماء السياسيين. وكتب ضمن موقع “ناشونال إنترست”، أن الناس اعتادوا على الحقائق العلمية الثابتة التي تكرس حقائق راسخة، مثل الربط بين التدخين وسرطان الرئة. ولكن فيروس كورونا الجديد لا يقدم في الوقت الحالي إلا القليل من اليقين، إذ ترد المعلومات حول الفيروس من مختلف الدول وليس معروفاً حتى الآن إلا عدد المصابين من الذين أجريت لهم اختبارات، لا العدد الإجمالي للمصابين. ولذا، يبقى معدل العدوى غامضاً، والشعور بالطمأنينة بعيداً، مثل العلاج ذاته.
ومن هذا المنطلق، يبدو العلماء مضطربين ومشوشين في ظل تسونامي البيانات التي تدفقت عليهم، وقت يبدي الناس استياءهم.
شعور متبادل
هذا ما يحصل في الأوبئة، مثل أزمة الإيدز في الثمانينات. وقال الدكتور أنطوني فاوتشي في 1989 وكان وقتها، كما هو اليوم، مديراً للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية: “في بداية الأمر، نظر إلينا الناشطون ضد الإيدز بازدراء. وكان شعوراً متبادلاً. وقال العلماء إن كل التجارب يجب أن تكون محدودة وصارمة وبطيئة. وقالت جماعات المثليين إننا نقتل الناس من بالبيروقراطية والروتين. وعندما انقشع غبار الأزمة، أدركنا أن معظم انتقاداتهم كانت في محلها”.
ويرى الكاتب أن التاريخ يكرر نفسه في هذا الوباء. فقد أنكر عدد كبير من العلماء، في فبراير( شباط) فوائد الكمامات الواقية. ولكن بحلول مارس(آذار)، أصبح استخدامها إجبارياً في جميع الدول حول العالم.
ودار جدل حول هيدروكسي كلوروكين، المضاد للملاريا الذي يستخدم منذ الثلاثينات. ويرى الدكتور فاوتشي وآخرون أن فائدته “غير ثابتة”، فيما يدلل علماء وأطباء آخرون على حالات تعافٍ تحققت على ما يبدو بهذا العقار. وعموماً، لا يبدو أن العلم قادر اليوم على تقديم إجابة موحدة موضوعية عن كورونا الجديد.
جمع الخيوط
ويشعر الناس بالقلق من هذه الشكوك، ولا يطمئنون عندما يتحدث علماء عن احتمالات، أو يعدلون آراءهم مراراً، كما فعلوا في الآونة الأخيرة، فهم يتوقعون منهم أن يكونوا مثل القضاة عندما يطبقون القانون، وليسوا مثل مخبرين حذرين يحاولون جمع الخيوط لفرض نظرية ما.
ورغم ذلك، يرى كاتب المقال أن هذا ليس خطأ علماء الحكومات، بل خطأ السياسيين الذين وضعوا العلماء أمام وسائل الإعلام، وتابعوا تأرجح فهمهم لخطر الفيروس.
ونظراً لخوفهم على مناصبهم في مدنهم وولاياتهم، أخفق الساسة في الموازنة بين سلعتين عامتين متنافستين: مواطنون سليمون واقتصاد صحي.
ولا بد من تذكر حقيقة ارتباط الانكماش الاقتصادي احصائياً بآثار صحية أيضاً. وتقاس تلك الآثار عبر ارتفاع نسب إدمان الكحول والمخدرات، والجريمة، والاكتئاب، والطلاق، والعنف المنزلي، والانتحار.
رؤية ضيقة
ويرى الكاتب أنه لتخفيف تلك المخاطر، قد يستطيع القادة السياسيون اعتماد مسار وسط بين إجراءات مقاومة الفيروس والنمو الاقتصادي. وهو أمر صعب، بالطبع، ولا تتوفر وسيلة مثالية لتطبيقه. ولكن لهذا السبب انتخب القادة، أي الموازنة بين سلع عامة متنافسة.
وحسب كاتب المقال، للرؤية السياسية الضيقة حول الفيروس مخاطرها أيضاً. وعلى سبيل المثال، غدا، بحلول 18 أبريل ( نيسان)، أكثر من 26 مليون أمريكي عاطلين عن العمل.
وفي الوقت نفسه، تؤدي غالبية الموظفين بأداء ما نسبته 37% من الأعمال من المنازل، مثل أعمال المحاسبة، والاستشارات، والقانون، والإعلام، والبرمجة. ويمكن أن يصبح هذا التفاوت الطبقي والعرقي متفجراً في عدد من المناطق حول العالم.
ويرى الكاتب أن التاريخ علمنا مراراً درساً مهماً، وهو أن الاضطرابات العامة قادرة على إضعاف أنظمة سياسية، وحتى الديمقراطية منها.
حل منطقي
يقول الكاتب دعونا نعترف بأن التباعد أفاد في منع تكدس المرضى في المستشفيات، كما في إيطاليا.
ولنعترف بأن هذه ليست استراتيجية طويلة الأمد، مع التركيز على شيئين يجمع العلماء، التباعدوغسل اليدين. ويضاف إليهما وجوب فرض معايير نظافة على العاملين، ومعايير أفضل لأنظمة تنقية الهواء، وتنفيذ عدد من الأحداث العامة مثل عمل المحاكم، أو المحاضرات المدرسية، عبر الإنترنت.
ويختم الكاتب رأيه بالإشارة إلى أن تنفيذ تلك الإجراءات يقع على عاتق القادة السياسيين، لا العلماء المنشغلين بدراسة البيانات الواردة إليهم، والعمل على فهمها.