ويضيف كوهين “أن أعضاء الكونغرس أعربوا عن انفتاحهم على تنازلات لروسيا، حيث قال البعض إن أي رد أمريكي على روسيا من شأنه أن ينقص قدرتنا على ردع الصين”. وعلى نحو مماثل، حذر محللون دفاعيون بارزون في الشأن الصيني من السماح لحرب فعلية في أوكرانيا بـ صرف الانتباه عن الصراعات المحتملة الأخرى، وأبرزها غزو تايوان بقيادة صينية. حتى أن تاكر كارلسون، الشخصية البارزة في شبكة “فوكس نيوز”، أشار في الشهر الماضي إلى أن “الصين وحدها هي التي تستفيد من الحرب مع روسيا”.
وجوهر الأمر فإن هذه المدرسة الفكرية تدفع بأن الولايات المتحدة لا تواجه 5 خصوم محددين كما ترى بعض استراتيجيات الدفاع الأمريكية، في إشارة إلى الصين، وروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، والإرهاب، ولكن خصماً واحداً فقط هو الصين.
وتدور المدرسة الفكرية التي تنادي بمبدأ “الصين أولاً وأخيراً”، حول 3 افتراضات أساسية، أولاً، أن روسيا قد تكون مصدر إزعاج، لكن الصين هي القوة الوحيدة التي تملك القوة العسكرية والاقتصادية القادرة على تحدي النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ثانياً، لا تملك الولايات المتحدة القدرة العسكرية على التعامل مع الصين وروسيا معاً. وثالثاً، أن على الولايات المتحدة أن تركز على الصين وتترك حلفاءها الأوروبيين للتعامل مع روسيا.
وبالنظر بشكل أكثر تدقيقاً، لا يبدو أن أيا من هذه الادعاءات قائماً، فالصين تشكل بالفعل التحدي الأكبر على المدى الطويل، ولا يمكن للولايات المتحدة ببساطة أن توكل حل مشكلة روسيا إلى غيرها، ذلك أن روسيا نفسها لن تسمح بذلك.
فقد حاولت روسيا التدخل في انتخابات أمريكية متعددة. وكان القراصنة الروس، مسؤولين عن الهجوم الإلكتروني على خط أنابيب كولونيال، الذي ترك العديد من الولايات الجنوبية الشرقية بلا بنزين أياماً. وهاجم مرتزقة روس قوات العمليات الخاصة الأمريكية في سوريا.
ولا تزال هناك مزاعم لم تتأكد عن دفع روسيا مكافآت لمهاجمة القوات الخاصة الأمريكية في أفغانستان. ورغم أن روسيا غير مريحة من الناحية الاستراتيجية، إلا أنها تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها خصمها الرئيسي، وبالتالي على الولايات المتحدة مواجهتها، وفق كوهين.
كما أن الأمر ليس بالضرورة أن الولايات المتحدة ستفتقر ببساطة إلى القدرة على الرد على الصين وروسيا في وقت واحد.
صحيح أن ميزانية وزارة الدفاع ستكون محدودة دائماً، ولكن في ذروة الحرب الباردة، كان الإنفاق العسكري للولايات المتحدة، من الناتج المحلي الإجمالي، أكثر من ضعف ما هو عليه اليوم.
وإذا زادت ميزانية الدفاع في الولايات المتحدة في المستقبل كما أوصت بذلك لجنة استراتيجية الدفاع الوطني من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فإن صورة الموارد قد تبدو مختلفة.
فضلاً عن ذلك فإن أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ لا تنافسان على الموارد بالقدر الذي يعتقده المرء. وغالباً ما يدور الردع في أوروبا حول وحدات مدرعة ثقيلة، وهي أقل صلة بالمسرح البحري مثل المحيطين الهندي والهادئ. ومن المسلم به أن القوة الجوية الأمريكية تمتد عبر المسرحين، وهي حجة لقوة جوية أكبر في السنوات المقبلة.
وعلى المدى القصير، تساعد الولايات المتحدة الحقيقة التي تؤكد أن القوة الجوية، أكثر من القوات البرية أو البحرية، يمكنها أن تتنقل بين المسرحين بسرعة وقادرة على الرد على التهديدين.
وأخيراً، يقول كوهين: “ربما الأهم من ذلك، أن من الخطأ التفكير في الصين وروسيا باعتبارهما مشكلتين مستقلتين. وتحتاج الولايات المتحدة إلى حلفائها الأوروبيين لمواجهة الصين، لأسباب اقتصادية في الغالب وعسكرياً أيضاً. فقد ساعدت المملكة المتحدة للتو في صياغة اتفاق غواصات نووية بين أستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة لتعزيز قوة الحلفاء البحرية في المحيط الهندي. وتحتفظ فرنسا أيضاً بوجود عسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وحتى ألمانيا أرسلت أخيراً سفناً إلى المنطقة”.
وإذا تركت الولايات المتحدة مشكلة روسيا لبقية أوروبا، فما الذي يمنع بقية أوروبا من ترك الصين إلى الولايات المتحدة؟
ويرى كوهين في الأمر مسألة وضع سوابق عالمية، فإذا تمكنت روسيا من التصرف مع الإفلات من العقاب في أوروبا، يمكن للصين في آسيا أن تتصرف كذلك.
وهناك بالطبع الكثير من الأسباب التي لا تجعل تايوان مثل أوكرانيا، وتجعل حلفاءنا الآسيويين يختلفون عن حلفائنا الأوروبيين. لكن النقطة الأساسية، أنه إذا جلسنا وسمحنا للأنظمة الاستبدادية بالتسلط على جيرانها الديمقراطيين الأصغر حجماً لإخضاعها دون تداعيات، فإن ذلك سيرسل إشارة قوية إلى بقية العالم.
لا شك أن مدرسة “الصين أولاً وأخيراً” تتمتع بجاذبية معينة، ومن المؤسف أن الواقع الجيوسياسي لا يسمح بمثل هذا الاختزال.
ويخلص كوهين إلى أن أمريكا تحتاج إلى استراتيجية للجمع بين مواجهة الدولتين معاً لا الخيار بينهما.
هل تقوى أمريكا على مواجهة الصين وروسيا معاً؟
الجريدة نت - د ب أ