المنصوري تصرف 5 ملايين درهم على خطة تواصل وزارتها

المحرر30 مايو 2025
المنصوري تصرف 5 ملايين درهم على خطة تواصل وزارتها

في خطوة تُثير نقاشا مستحقا حول أولويات الإنفاق العمومي وفعالية السياسات التواصلية، أطلقت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة طلب عروض مفتوحا بقيمة 5 ملايين درهم، يهدف إلى إعداد وتنفيذ خطة اتصال شاملة ومتكاملة، تجمع بين الأدوات التقليدية والرقمية، وهي الخطوة التي يُبررها الخطاب الرسمي بـ “تعزيز الصورة المؤسسية وتطوير أدوات التواصل”، بشكل يستوجب طرح تساؤلات حول جدوى وأثر هذا النوع من المبادرات، خاصة في سياقات اقتصادية واجتماعية دقيقة، تتطلب توجيه الموارد إلى أولويات أكثر ارتباطا بحاجيات المواطنين، كالسكن اللائق أو تعميم خدمات التهيئة الحضرية في الهوامش.
ووفقا لما ورد في دفتر التحملات الخاص بالصفقة، تسعى وزارة فاطمة الزهراء المنصوري إلى تعزيز صورتها المؤسسية ومواكبة أنشطتها ومشاريعها الاستراتيجية في مجالات إعداد التراب، عبر خطة سنوية للتواصل قائمة على معايير مهنية، ومؤشرات دقيقة تسمح بقياس الأداء وتقييم الأثر، لكن هذا الإعلان يطرح تساؤلات مركزية حول مدى نجاعة الاستثمار في الاتصال العمومي في ظل غياب إصلاحات ملموسة تُشعر المواطن بتغير حقيقي على الأرض، خصوصا أن قطاع الإسكان وإعداد التراب لا يزال يواجه انتقادات واسعة مرتبطة بتفاوتات مجالية صارخة، وتباطؤ مشاريع التعمير في الهوامش، وعجز شبه مزمن في برامج السكن الاجتماعي.
تواصل من أجل من؟ وبأية لغة؟
وفق الوثائق الرسمية، تطمح الوزارة إلى بناء تواصل داخلي وخارجي منظم وفعال، يستهدف مختلف الفئات المجتمعية وشركاءها المؤسساتيين، ويعتمد على خطة سنوية متكاملة يتم إعدادها انطلاقا من تحليل دقيق لواقع الاتصال في المؤسسة، إذ تتحدث الوزارة عن ضرورة “تنظيم وتوحيد الرسائل التواصلية الصادرة عنها”، في وقت لا تزال الرسالة العمومية في المغرب تتسم غالبا بالتجزيء، وغلبة الطابع الإنشائي، وغياب الشفافية في تقديم المعطيات المرتبطة بالسياسات العمومية.
وتَعد الخطة أيضا باعتماد أهداف واضحة وقابلة للقياس، لكنها لا توضح معايير النجاح ولا طبيعة الجهات التي ستتولى التقييم، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات التوظيف الرمزي أكثر من الوظيفة التفسيرية والإخبارية للمحتوى العمومي.
وفي المرحلة الأولى، ستُنجز الخطة بناء على أدوات تحليل استراتيجية، تشمل منهجية SWOT لتحديد نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات، إلى جانب دراسة معمقة للفئات المستهدفة. كما يُتوقع أن يتم اعتماد مقارنات مرجعية مع تجارب وطنية ودولية (Benchmarking) من أجل استخلاص “أفضل الممارسات في مجال الاتصال العمومي”.
هذا المستوى من التحليل يبدو نظريا متقدما، لكنه يُثير تساؤلات عن مدى واقعية المخرجات، في ظل غياب ثقافة تقويمية صارمة داخل الإدارة العمومية المغربية، وبفرض طرح تساؤلات مشروعة حول هل الهدف هو فعلا فهم جمهور الوزارة وسلوكاته الإعلامية، أم تغليف خطة دعائية بإخراج أكاديمي وتقني دقيق يوحي بالاحتراف بينما الغاية النهائية هي تحسين الصورة فحسب؟
ومن غير الواضح في هذا التشخيص ما إذا كانت الخطة ستأخذ بعين الاعتبار البيئة السياسية والثقافية والاجتماعية الحقيقية التي تتحرك فيها الوزارة، أم أنها ستنتج وصفا معقَّما يفترض جمهورا مثاليا، يتلقى الرسائل بصيغتها الرسمية دون مقاومة أو تشكك أو إعادة تأويل.
من يراقب ومن يُحاسب؟
تشمل الخطة أيضا إعداد استراتيجية للتفاعل مع وسائل الإعلام، وخطة إدارة الأزمات التواصلية، مع جدولة زمنية دقيقة للأنشطة المزمع تنفيذها، وهو تصور سليم من الناحية النظرية، غير أنه يصطدم في الواقع بسؤال الحوكمة والمحاسبة، حول معايير فعالية التواصل، وهوية محدده، وإذا ما كان سيتم نشر تقارير تقييمية للعموم.
وفي تجارب سابقة، أنفقت مؤسسات عمومية بالفعل مبالغ طائلة على إنتاجات دعائية، دون أن تُخضع هذه المبادرات لأي تقييم مستقل أو تدقيق محايد، وفي ظل غياب تقارير دورية مفصلة حول أثر الخطط التواصلية، يُخشى أن تتحول هذه الاستثمارات إلى أدوات لتلميع الواجهة بدل مساءلة السياسات العمومية.
أما المرحلة الثانية من المشروع تتمحور حول التنفيذ، وتشمل إنتاج فيلم مؤسساتي بنسختين، واحدة طويلة وأخرى قصيرة، بثلاث لغات رئيسية (العربية، الأمازيغية، الفرنسية)، إضافة إلى ترجمة بالإنجليزية والإسبانية، كما سيتم إنتاج كبسولات مرئية قصيرة (30 إلى 90 ثانية) للتعريف ببرامج الوزارة.
وقد أظهر التجربة السابقة في إنتاج أفلام مؤسساتية، محدودية الأثر الفعلي لهذه المواد، ما لم تُدمج في خطة تفاعلية حقيقية تربط المحتوى الرقمي بالفعل الميداني، وتُراعي خصوصية السياقات الاجتماعية والثقافية المستهدفة، سيما وأن جوهر السؤال الذي تطرحه هذه المبادرة لا يكمن في الشكل، بل في المضمون، والثقة، والأثر الحقيقي، فالتواصل المؤسساتي لا يُقاس بعدد الفيديوهات أو جمالية الكبسولات، بل بمدى تفاعل المواطن معها، وإيمانه بأن المعلومة التي تصله تعكس واقعا حقيقيا وليس لغة بروتوكولية تزين الفشل وتُخفي الأعطاب.
وفي ظل تزايد وعي المواطنين بحقهم في الوصول إلى المعلومة، لم يعد مقبولا أن تُوجه ملايين الدراهم إلى تحسين “الصورة”، بينما لا تزال إشكاليات كبرى في السكن، والتهيئة، والمجال الترابي تنتظر حلا أكثر واقعية من المواد البصرية، على اعتبار أن بناء الثقة لا يتحقق بالخطب المنمقة ولا بالكبسولات الرقمية وحدها، بل بإصلاح السياسات العمومية، والجرأة في الشفافية، والوضوح في الأرقام، والانفتاح على النقد.
وبالمجمل، فإن خطة الوزارة، رغم طابعها المنهجي والهيكلي، تبقى مشروعا ناقصا ما لم تُرفق بضمانات حقيقية للمحاسبة، وتفتح للنقاش العمومي قبل التنفيذ لا بعده، وتُعزز بحق قنوات التواصل التفاعلي مع المواطنين، لا أن تكتفي بإنتاج صور عنهم ومن أجلهم.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.