"دنيا حبيبتي" بين الفنتازيا والواقع

الجريدة نت14 أكتوبر 2014
"دنيا حبيبتي" بين الفنتازيا والواقع

”دنيا حبيبتي” المسرحية الوحيدة التي انتجها القطاع الخاص على مسرح “الفن – جلال الشرقاوي”، والتي واجهت نقد كبير من السلفيين والأحزاب الدينية نظرا لأنها ترصد فترة حكم الرئيس المعزول د. محمد مرسي تلك الفترة التي اعتبرها الكثير منهم فترة “الحكم الديني”، كما توجه لها إنذار من الرقابة على المصنفات الفنية لاحتواء النص على عبارات اعتبرتها الرقابة تتعرض لأمور دينية ولا تتناسب مع صحيح الدين.

ومازالت المعركة مستمرة بين صناع المسرحية التي اخرجها المخرج الكبير د. جلال الشرقاوي وكتبها أيمن حكيم وبين الرقابة والسلفيين. لكن دعونا نقيم المسرحية من الناحية الفنية والتي يجب أن نكون بصددها بعيدا عن المهاترات التي تفقدها ما بادرت به في وقت عزف فيه القطاع الخاص عن تقديم أي عمل مسرحي خلال هذه الفترة التي تحاول فيها مصر أن تنهض.

تعد هذه المسرحية كما كتب سابقا توثيقا لفترة حكم “الإخوان المسلمين” لمصر، والتي استمرت عاما كاملا، وهي من حيث الموضوع لا تختلف بكثير عما يقدم يوميا في الفضائيات المصرية منذ عهد المعزول في 2012 وحتى اليوم، فالمسرحية تتناول بأسلوب كوميدي نقد تلك الفترة من ادعاءات من يطلقون على أنفسهم شيوخ وفي واقع الأمر يتم فضحهم في جرائم عديدة كمن قبض عليه في وضع مخل بالآداب في سيارته بإحدى الطرق، ومن أجرى عملية تجميل في أنفه وكذب مدعيا أنه تم ضربه وقام طبيبه الذي أجرى له العملية بفضحه، وكثيرا من الأفعال التي انتقدتها المسرحية والتي كانت مشاعا طوال الفترة الماضية على الفضائيات المصرية يندد بها مذيعو البرامج المباشرة الكبيرة.

بالنسبة لموضوع المسرحية فهو شائع ودارج لكنه تناول بشكل جديد في إطار مسرحي غنائي إستعراضي تم إخراجه بإحكام شديد، فمن المعروف عن المخرج د. جلال الشرقاوي أنه مخرج من جيل فن الزمن الجميل، اهتم في إخراجه بتقديم أداء غير مبتذل سواء في الاستعراضات أو تناول ألفاظ خادشة للحياء التي تعودنا على سماعها في السنوات الماضية في العروض المسرحية الخاصة وفي السينما وحتى في الدراما التليفزيونية، كما أتى بوجه جديد نتوقع لها أن تسطع في سماء الفن المصري خلال الفترة القادمة، وهي الفنانة نسمة محجوب، التي تعتبر فنانة شاملة، تغني بصوت قوي عزب ورنان تقشعر منه الأبدان، كما أنها تقدم استعراضات تجيد فيها الآداء، بالإضافة إلى التمثيل الجيد الذي اشعرتنا بصدق تعبيرها حيث مثلت في المسرحية دور “مصر المخطوفة”.

لم تقدم المسرحية القضية المصرية خلال هذه الفترة – حكم الإخوان – والتي قامت من أجلها ثورة 30 يونيو، بأسلوب كامل المباشرة، بل تدخل الخيال في صميم الموضوع وهو “مصر” التي قامت بدورها امرأة، وكأننا نشاهد عمل فني تشكيلي يعبر عن مصر الأم بامرأة كتمثال “نهضة مصر” للمثال الكبير الرائد محمود مختار، وجسدت المسرحية فكرتها في محاولة البطل الذي يقوم بدوره الفنان كمال أبورية ويجسد خلاله شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ينقذ حبيبته “مصر”، فبغض النظر عن الموضوع إلا أن التناول جاء به خيال إبداعي جيد يذكرنا بالأعمال المسرحية الجادة.

أما عن الديكور فقد عبر عن المضمون المسرحي بحرفية شديدة، وتغير كلما عبرنا من أحداث لأخرى ليكون أكثر تعبيرا عن المشاهد التي تقدم خلاله، ففي بعض المشاهد كان الديكور مصمم من بيوت لمنطقة شعبية يقف أمامها الممثلون، تحمل ألوان زاهية جميلة، ثم ينتقل ليصبح ديكور منزل بسيط، وهو منزل البطلة نسمة التي يتوافد على بيتها الشيوخ لطلب زواجها، ثم تم خطفها وحبسها في بيت أحدهم والتعبير عنه بديكور بسيط يعبر عن تلك المشاهد بسهولة في التنقل من مشهد لآخر، فكانت البطلة تؤدي دورها وهي مكبلة بالأصفاد ثم تتجه نحو الجدار لتلتصق به ويلتف ليظهر ديكور جديد لمشهد آخر. هكذا كان الديكور يتغير ما بين المشاهد المختلفة عن طريق ألواح منظلقة بارتفاع المسرح، تخرج من كلا الجانبين لتضيف ديكور جديد مع تعديل بعض قطع الاكسسوارات على خشبة المسرح.

وفي مشهد مظاهرات ميدان التحرير، استخدم ديكور أظهر خلاله كوبري قصر النيل بلوحات كبيرة بطول المسرح كان في مقدمتها أسدي قصر النيل من جهة دار الأوبرا المصرية، مما أدخل الجمهور في حالة وكأنه ينتقل بمكانه ليصبح داخل الميدان يتذكر أيام ثورة 30 يونيو، ويتسرب لوجدانه مباشرا الشعور بتلك الفترة التي سطرت تاريخ مصر.

كانت الأغاني والموسيقى ملائمة للعرض تماما تغنى بصوت جميل وهو صوت نسمة محجوب، وخصوصا في الفقرات المقتبسة من فيلم “الحبيب المجهول” لليلى مراد، عندما يتوافد عليها العرسان لخطبتها، فكانت البطلة تغني لهم نفس الأغنية وعلى نفس اللحن ولكن مع استبدال بعض العبارات لتناسب النص المسرحي، وكانت أغاني المسرحية مسجلة مسبقا ويتم إذاعتها بطريقة “البلاي باك”.

أما عن الإضاءة فكانت تهيء للعرض إبراز المضمون المسرحي، فهي خافتة وضعيفة عند المشاهد التي لم يريد المخرج إبرازها، وكانت تسلط بشدة على المشاهد التي يراد جذب الجمهور لها. واستخدمت المسرحية إضاءة شبة فانتازية يمكن أن نطلق عليها فانتازيا الواقع، وكأن المخرج أراد أن يوصل عن طريق الإضاءة أن هذه الفترة التي ترضدها المسرحية هي فترة غير واقعية من حياة مصر، فالمصري دوما ما كان يعيش حالة من السلام؛ ولذلك كانت الإضاء خير معبر عن هذه الحالة.

وفي إحدى المشاهد الأخيرة في المسرحية لمعركة عودة مصر، زادت سخونة الإضاءة لتشبة إضاءة الملاهي الليلية، فتضع المشاهد في حالة تجعله يشعر وكأنه في أحداث غير واقعية، وعلى الرغم من أن تلك الإضاءة أزعجت الجمهور كثيرا لدرجة أن البعض أغلق عينه، إلا أنها عبرت بشدة عن المعركة التي احتدت، ثم انتهت بهدوء الإضاءة وعودتها لحدتها الطبيعية.

أما عن الملابس فكانت مصممة من أجل التعبير عن المضمون المسرحي، أتذكر مشاهد الشيوخ وهم يرتدون “البدل” ويتوافدون على منزل البطلة ليطلبون خطبتها، فكانت الملابس معبرة عن فكرة تغيير جلود هؤلاء الشيوخ من القيام بعملهم الحقيقي ودورهم في الجوامع وإعاظ الناس، إلى إقابلهم على مثل هذه الأفعال ومطاردة امرأة والمنوط بها الطمع في قيادة “مصر”. أيضا في مشهد القبض على رئيس الجماعة، فقد ارتدى زي النقاب وهذا ما اقتبسته المسرحية من الواقع لأنه ما حدث بالفعل، فمنهم من فر مرتديا نقاب، ومنهم من حلق ذقنه وارتدى ملابس تنكرية بعد مطاردتهم.

وكانت ملابس البطلة تحمل ألوان ذهبية عاكسة للإضاءة لتؤكد على فكرة الفانتازيا الغير واقعية في مصر، والتي اعتدنا أن يرمز لها باللون الأخضر والزي الفلاحي الكلاسيكي في الأعمال الفنية، لكن اللون الذهبي الناري مع الإضاءة يعكس عدم استقرار مصر في هذه المرحلة.

وعن التمثيل فقد أدى جميع الممثلين أدوارهم بحرفية شديدة باستثناء الخروج أحيانا عن النص من قبل البعض، مثل بعض العبارات التي اخذت على المسرحية والتي قالها الفنان رضا إدريس الذي تقمص دوره بشدة؛ حيث قدم دور رئيس جماعة “الإخوان المسلمين”، لدرجة أنه كان دوما ما يخرج عن النص لقول هذه العبارات المنتقدة والتي اعترض عليها المخرج، إلا أنه كان يصر على تقديم رؤيته الخاصة للدور والذي بنظري أجاده مع التحفظ على تلك العبارات، والتي دوما ما سمعنا مثلها وأثارت أشمئزازنا في البرامج التليفزيونة التي اعتبرت أن حرية التعبير تعني بألقاء ألفاظ وكلمات وأتهامات مباشرة لأشخاص ولا رقيب عليهم في ذلك!!

وعن البطل الفنان كمال أبو رية فهو لأول مرة يظهر في دور يقوم فيه بعمل استعراضات يجيدها بحرفية وكأنه أمر اعتاد على تقديمه من قبل، مع الاحتفاظ بوقار الشخصية التي يؤديها، بالإضافة إلى أداءه القوي الذي كان يجسد خلاله شخصية المنقذ الذي حرر مصر والمقصود به الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقدمت الفنانة إنجي خطاب دور سكرتيرة رئيس الجماعة أو المرشد، والتي يربطها به علاقة خاصة وتساعده طوال الوقت في تنفيذ أموره. في حين قدمت الفنانة نشوى الإبياري دور العروسة المصرية التي تعيش حياتها الطبيعية فيعترض الإخوان على على أبسط حقوقها في إقامة فرحها في الشارع المصري. بالإضافة إلى مجموعة من الفنانين اللذين لعبوا شخصيات تمثل النموذج الإخواني المختلف اللذين اشتركوا جميعا في الأفكار المنغلقة ومحاولة الإيقاع بالمرأة متمثلة في البطلة، وأيضا سكرترية رئيس الجماعة.

كما قدمت المسرحية نماذج من الشخصيات المصرية المختلفة كنموذج أم العروسة، والفتاة القبطية صديقة العروس، والعبيط.

”دنيا حبيبتي” عمل فني جاد، يرصد فترة صعبة من حياة مصر لم تتجاوز العام، نجح فيه المخرج في التعبير عن الشعب المصري من خلال شخصياته المعدودة التي قدمت في المسرحية، والتي أظهرت مدى الترابط بين المجتمع المصري بكل فئاته وطوائفه، مستخدما كافة إمكانيات المسرح من ديكور وإضاءة وملابس وغيرها لخدمة المضمون الدرامي الذي تناولته المسرحية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.