في هذا الزمان أصبح الإخلاص عملة نادرة، على الرغم من أنه من أعظم الصفات الإنسانية، وهو من الأخلاق الكريمة والحميدة، ومن فقد فيه الوفاء قد انسلخ من إنسانيته.
فالإخلاص يعني: البذل والعطاء والتضحية والصبر، وذلك بالاهتمام بمن كنت مخلص له، والحرص عليه، وعدم التفريط فيه، والخوف عليه من الأذى، ومراعاة شعوره وأحاسيسه، وتقدير جهوده، والشكر لصنائعه، وعدم إفشاء سره، والحفاظ على خصوصياته، والعمل على إسعاده، والثناء الحسن عليه، وذكر محاسنه، وتجاهل أخطائه، والذكرى الجميلة لعهده وأيامه بعد فراقه.
والإخلاص خلق عظيم لا يتصف به إلا عظيم، وقد صنفه بعضهم بأنه وليد الأمانة وعنوان الصدق ودليل الشجاعة والصبر وقوّة التحمل.
وفي زمننا الحالي انسلخ الإخلاص والوفاء، وكثر فيه الغدر والخيانة مع مقت الإسلام لهما وتحذيره من نقض العهد بأي صورة من الصور، ولأي غرض من الأغراض ووفق رؤى الحكماء أن الذي ينقض العهد ويتصف بتلك الصفة الذميمة إنسان أحمق لا مروءة له ولا شيمة!
وفي زمن اللاوفاء الذي نعيشه الآن تتكشف حقائق البشر وتنزاح الأقنعة عند حدوث المواقف، وتتضح معادن الرجال وتظهر على واقعها الحقيقي إن كانت التنشئة في بيئة صحية نظيفة أو بيئة عفنة مريضة!!
أصبح الكذب والنفاق ظاهرة متوطنة في مجتمعنا!؟ وفكرت متسائلة: أيهما أشد خطورة الإنسان الكاذب؛ أم المنافق !؟ فمن وجهة نظري حياتنا أشبه بفقاعة كبيرة تملؤها الأكاذيب وترتفع في الهواء طافية فتلفت الانتباه، ولكنها مجرد فقاعة ستنفجر عاجلا في أي لحظة ؛ والإنسان الكاذب سرعان ما ينكشف ويكون كالذي يبني قصرا فخما ضخما على الرمال بشاطئ البحر لا يلبث حتى تأتيه موجة قوية تجرفه معها فلا يبقى له أثر أما المنافق، فهو أشد مكرا وخطورة لأنه يتعامل بوجهين يضحك بوجه حين يلقاك ثم يطعنك بظهرك ليدوسك ويصعد على جثتك، مستخدما هذا الوجه الضاحك الخادع ؛ وهو يحمل في قلبه كل الكراهية والحقد لك وقد قال تعالى في كتابـه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ ” صدق الله العظيم.
وفي هذه الأيام نرى الواحد منا لا يهتم إلا بنفسه ولا يحرص إلا على مصلحته ولو كلفه ذلك أن يسلك طريقا غير مشروع، أو التجأ إلى أساليب ملتوية مضللة سواء كانت غشا أو نفاقا أو كذبا أو تسلقا أو ظلما أو إيذاء وضاع الخير وتلاشت الرحمة وانحدرت الأخلاق في صحراء يسودها الظلم والجهل والفساد وغيبة الضمير والانتهازية، وغياب الالتزام بالقانون، وانعدام الديمقراطية؛
وقد يعتقد بعضهم أن التحصيل العلمي أو الثقافي قد يكون لهما تأثيرهما على الوفاء والالتزام، وهذا قد يكون فيه شيء من الصحة، ولكن هيهات.. فهناك من تحصّل على أعلى الدرجات العلمية وترقّى إلى أعلى المناصب الدنيوية، ومع ذلك لم يؤثر عليه ذلك رقيًا وسلوكًا حيث لم يلتزم بوفاء ولا عهد!!
لكن قبل أن نبحث عن هذا الإخلاص والوفاء ونفتش عليه يجب علينا أن ندرك ونعي حقيقة ومعنى هذا الإخلاص والوفاء، فالمتظاهرون بالإخلاص والوفاء يتكاثرون يومًا بعد يوم في شتى المجالات وفي كل الأوقات وفي كل المواقع خاصة في هذا الزمن زمن المادة وزمن المصالح الذاتية وزمن المكاسب الخاصة وزمن التسابق المحموم من أجل كسب أعلى قدر ممكن من الرضا مهما كان الثمن ومهما كانت التضحية والضحية؟!! فمن خلال هذه الأساليب صعبت مهمة التأكد واستحالت مسؤولية الوفى الحقيقي في تجسيد الإخلاص على الواقع وبعد الفارق بينه وبين الطرف الآخر يومًا بعد يوم.
والوفاء هو صفة خلقية تتمثل في التفاني من أجل قضية ما أو شيء ما بصدق خالص والوفاء أصل الصدق، وبمعنى آخر هو صفة إنسانية جميلة، عندما يبلغها الإنسان بمشاعره ومحسوسياته فإنه يصل لأحد مراحل بلوغ النفس البشرية لفضائلها، والوفاء صدق في القول والفعل معًا، والغدر كذب بهما، والوفاء يلزم القيم السامية والمثلى للإنسان، فمن فقد عنده الوفاء فقد انسلخ من إنسانيته، وقد جعل الله الوفاء قوامًا لصلاح أمور الناس.
وأروع مافى الوجود ان تجد قلوبا صادقة وعقولا صادقة وعقولا ناضجة تبحث عن الحق وتفتش عن الخير قلوبا لا يقتلها اليأس ولا يعرقل مسيرتها عوامل الزمان والمكان العلم دينها والصدق رفيقها والإخلاص محورها.
وفي الختام لابد أن نُدرِك بأن الوفاء والإخلاص لله سيغير حياتنا إلى الأفضل، وسيظهرُ أثره إيجابيًا علينا في كل أمور الدنيا، فنسأل الله أن يرزقنا الوفاء والإخلاص في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.