هل يُمكن أن يتم توسيع العملية العسكرية السعودية، المسماة إعلامياً “عاصفة الحزم” لتشمل دولة قطر؟ رغم إغراق السؤال في المبالغة، للوهلة الأولى، فإن التصعيد بوتيرة غير معقولة من الرياض وأبو ظبي والمنامة ضد الدوحة كان خارجاً عن جميع أُطُر مجلس التعاون الخليجي، الأمر أكبر من الخليج ومن الإرهاب إذن.
ما يَشِي بمنطقية ذلك التطور، هو ما أعلنته شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية، عبر ما أسمته “مصدر أمريكي مسؤول” قوله: إن الولايات المتحدة رصدت نشاطاً عسكرياً قطرياً مُتزايداً، وسط التوتر المتصاعد في العلاقات مع جيرانها. وأضاف المصدر أن قطر وضعت قواتها “في أعلى درجات التأهب” وسط مخاوف من تدخل عسكري محتمل عبر حدودها الجنوبية مع المملكة العربية السعودية.
استنفار عسكري
ومضَى المصدر بالقول: إن “الجيش القطري استدعى 16 دبابة طراز “ليوبارد” من مخازنها في الدوحة”، مضيفاً أن وزارة الدفاع القطرية أرسلت لحكومات السعودية والإمارات والبحرين، تحذيرات رسمية بأنه سيتم إطلاق النار مباشرة على أية سفن تابعة لهذه الدول تدخل المياه الإقليمية القطرية.
رَبْطُ هذه التطورات بالتحرك التركي، الذي جاء على عَجَلٍ، وكأنه يُسابق الزمن؛ لإرسال جنود أتراك بأعداد كبيرة، تبلغ 5 آلاف جندي مسلحين، إلى القاعدة العسكرية التركية الموجودة داخل قطر، والتي تم الاتفاق المبدئي على إنشائها، أواخر 2015، بعد لقاء قمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمير القطري تميم بن حمد، وتم تفعيل أولى إجراءاتها التنفيذية في أبريل 2016.
في معرض سرد أسبابها لمقاطعة قطر، قالت كل من السعودية والإمارات والبحرين: إنهم رصدوا تعاوناً قطرياً مع الحوثيين في اليمن، بلَغ حدّ التمويل الصريح لهم، بما يُشير إلى أن الرياض تُلمّح إلى إمكانية اعتبار الدوحة جزءاً من الحراك الإيراني الذي تُكافحه في اليمن؛ لذلك فمن المنطقي أن تمتد المكافحة السعودية “العسكرية” إلى الدوحة.
قطر تخشى تدخلاً عسكرياً سعودياً إماراتياً، هذا هو ما تُشير إليه تلك التطورات، فما هي أسبابه “الحقيقية”، بعيداً عن كل ما تقوله الرياض وأبو ظبي رسمياً حتى الآن؟ وما هو موقف الولايات المتحدة، في حال حدوث تطور كهذا؟.
لا يستقيم أن تُضحِّي السعودية والإمارات باستقرار الخليج، بل والمنطقة، في حالة شَنّ حملة عسكرية على قطر، إلا إذا كانت الأسباب وجودية بالنسبة لهما.
الغاز القطري
وفقاً لتقرير نشرته شبكة “بلومبرج” الأمريكية، فإن السعودية ناقمة على “الإمارة الخليجية الصحراوية المسماة قطر”، منذ لحظة تصدير الأخيرة أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال من أكبر خزان غاز في العالم (حقل الشمال البحري، الذي يحوي تقريباً معظم الغاز القطري)، ويُمثل 20% من احتياطي الغاز العالمي، والذي تتقاسمه مع إيران، المنافس المكروه من قبل السعودية.
ومضت “بلومبرج” بالقول: إن الرياض وعواصم خليجية أخرى لم يَرُقْ لها استقلال الدوحة المالي (دخل الفرد السنوي نحو 130 ألف دولار)، وتصديرها للغاز بعيداً عن جيرانها المنتجين للنفط في مجلس التعاون الخليجي، وهو ما أتاح لها الخروج من دائرة سيطرة الرياض.
ونقلت “بلومبرغ” عن “جيم كرين” – الباحث في مجال الطاقة بمعهد “بيكر” في جامعة “رايس” في “هيوستن” بولاية “تكساس” – قوله: “كانت دولة قطر تابعة للسعودية، لكنها تطلّعتْ إلى الحكم الذاتي والاستقلال عنها؛ لِمَا تملكه من ثروات غازية، ما أتاح لها القيام بدور مستقل، إلا أن بقية دول المنطقة تبحث عن فرصة لقَصّ أجنحة قطر”.
حرب كبرى
الباحث “سايمون هندرسون”، بدوره، كتب مقالاً في مجلة “فورين بوليسي” اعتبر فيه أن دول الخليج السُّنّية كانت منذ وقت بعيد تُمهّد لحرب مع إيران، معتبراً أن الوضع حول قطر قد يُصبح الذريعة المرجوة التي تبحث عنها هذه الدول.
واعتبر كاتب المقال أن العالم ربما يقف اليوم أمام لحظة تاريخية يُمكن مقارنتها مع اغتيال الدوق “فرانز فرديناند” في سراييفو عام 1914، ما مَثَّل شرارة الحرب العالمية الأولى.
وأوضح “هندرسون” أن الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، ضد قطر والمتمثلة في قطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق المجال الجوي أمام الرحلات القطرية، وإغلاق الحدود البرية والبحرية، تُمثل “ذريعة للحرب” بكل معنى الكلمة. وأعاد إلى الأذهان أن حرب الأيام الستة، اندلعت بذريعة قبل 50 عاماً بإغلاق مصر لمضيق “تيران”، ما منع “إسرائيل” من الطريق الوحيد للوصول إلى البحر الأحمر.
بعثرة السيناريو
سيناريو عزل قطر، الذي بدأته السعودية والإمارات والبحرين، كان مُقدّراً لفصله الثاني أن يكون نقل قاعدة “العديد” الأمريكية من الدوحة إلى أبو ظبي؛ ليأتي الفصل الثالث، مُمثَّلاً في تدخل عسكري داخل قطر، بعدما تأكّد أنه ليس هناك انقلاب سيتم على “تميم” داخل القصر الأميري القطري، بعد سيطرة الأمير الشاب على الأمور، ودعم والده له.
لكن تداعيات الخطوة السعودية الإماراتية لم تكن في صالحهما تماماً، بعد خُفُوت التجاوب العربي مع خطوة عزل الدوحة، وعدم تجاوب بقية الدول الخليجية (الكويت وسلطنة عمان) مع الأمر، بل إن الأخيرة تشعر بالاستياء البالغ، علاوة على علاقاتها المتدهورة مع الإمارات.
بالتالي من الممكن أن تكون الرياض وأبو ظبي قد نَسّقتَا مع واشنطن لتقديم خطوة التدخل العسكري الخليجي على خطوة نقل القاعدة الأمريكية، لكن هل واشنطن متوافقة معهما على ذلك الأمر؟.
تُشير الأمور إلى انقسام داخلي أمريكي واضح حيال الأزمة الحالية، وبَدَا أن الرئيس “ترامب” يُؤيّد الخطوات السعودية الإماراتية، لكن الجيش الأمريكي (البنتاجون) ووزارة الخارجية لهما تحفظات كبيرة، ويريان خطورة واضحة على المنطقة، والتحالف الأمريكي الخليجي.
أخيراً، جاء التحرك التركي ليزيد الأمور احتقاناً، فتمرير البرلمان التركي قراراً سريعاً بالموافقة على نشر جنود أنقرة في قطر بأعداد كبيرة يُشير إلى موافقة قطرية تامة، بل وطلباً للحماية من الحليف التركي، الذي تربط قطر به اتفاقية دفاعية، فهل سنرى مواجهة عسكرية سعودية تركية على الأراضي القطرية، أم أن المواجهة ستكون أمريكية تركية؟.