إنها الحرب الشاملة. أو حرب تغيير وجه المنطقة. أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وها هو يسعى لتنفيذها. ربما تأجلت الحرب لأكثر من مرّة في السنوات الماضية، لكنّها الآن أصبحت مفتوحة على مصراعيها. منذ عملية طوفان الأقصى وما تلاها، دخلت منطقة الشرق الأوسط في حرب يمكن وصفها بأنها محطة تشبه محطة حرب الخليج الثانية، التي إثرها تم إرساء توازنات جديدة على مستوى المنطقة، فانطلقت بعدها معادلة “الأرض مقابل السلام”. لكن الإسرائيليين أصروا على معادلة “الأرض لنا” والسلام عليكم يا عرب. ويمكن لهذه الحرب أن تشبه مرحلة ما بعد أحداث 11 أيلول التي أنتجت حربين مباشرتين، حرب أفغانستان والعراق. وكان موجة ضرب الحواضر العربية والإسلامية في إطار مشروع تدميري للمنطقة ككل في مقابل “تعزيز الوضعية الإسرائيلية”.
ربما كانت إيران قد استفادت من حرب العراق، ومن أحداث ومتغيرات استراتيجية لاحقاً لتعزيز نفوذها، فتقدّمت بدورها ومشروعها في العراق بعد إسقاط صدام حسين، وفي لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري، وفي سوريا بعد اندلاع الثورة السورية. تحولت الثورة في سوريا إلى حرب طاحنة أهلية وطائفية، شهدت أكبر عملية تغيير ديمغرافي في القرن الحالي على مرأى العالم، وتم فرز الجغرافيا السورية إلى مناطق نفوذ متنازع عليها بين قوى إقليمية ودولية، فتحقق الفرز الديمغرافي والطائفي، والذي أريد تعميمه على صعيد المنطقة ككل. كان هذا الصراع في أحد أشكاله يتيح لإسرائيل المضي في مشروعها العنصري والذي تجسده حكومة بنيامين نتنياهو، برعاية دولية منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، علماً ان الخطوة جاءت بعد تأكيد إسرائيل يهودية الدولة.
حالياً، تستكمل إسرائيل مشروعها، وأنتجت من عملية طوفان الأقصى حربين، الأولى في فلسطين للقضاء على القضية، والثانية في لبنان لضرب حزب الله وإضعافه وتغيير كل قواعد اللعب، وربما في ذهن نتنياهو أن ينتج المزيد من الحروب خصوصاً بالنظر إلى دعواته وإعلاناته المتكررة حول مواجهة إيران ومشروعها ومحاولاته لاستدراج القوى الإقليمية والدولية إلى جانبه. الأكيد أنه بعد الضربات التي ينفذها، وصولاً إلى عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، يعني أنه انطلق في مسار جديد لتوسيع الحرب والاستمرار بها، لأن من أقدم على كل هذه العمليات لا يمكنه التوقف عند هذا الحد، أما إصراره على المضي في التصعيد، فيعني أنه يستدرج حروباً جديدة.
لا يمكن لإسرائيل أن تنفذ كل هذه العمليات بدون الحصول على غطاء دولي وأميركي بالتحديد، لا يمكن تنفيذ مثل هذه الضربة إلا بالحصول على معلومات دقيقة خارجية وداخلية، وهذا بحدّ ذاته كفيل في إظهار حجم الإختراق الإسرائيلي للداخل، وحجم الغطاء الممنوح له في الخارج. لا سيما أنه بعد العملية لم يتم التخفيف من الضربات، بل أصر على مواصلة الضغط بالغارات الواسعة التي جرى تنفيذها في الضاحية والبقاع والجنوب ومختلف المناطق، ما يؤكد أن نتنياهو يريد القضاء على أي فرصة تفاوضية بين إيران وأميركا، ويريد تعميم الحرب وتوسيعها، وما يشير إلى أن الرجل لديه مشروع واضح المعالم يريد تحقيقه. يترافق ذلك مع الحديث الجدي عن الاستعداد لعملية برية أو تنفيذ إنزالات والدخول إلى أنفاق للحزب وتفجيرها؛ لا سيما أنه بالتزامن مع التفاوض الدولي حول تطبيق القرار 1701، كان الأميركيون يسمعون من نتنياهو أنه يريد تطبيق القرار 1559، أي تجريد حزب الله من سلاحه وقدراته العسكرية. مع ما قد يستتبعه ذلك من مخاطر على الوضع الداخلي اللبناني سياسياً وعسكرياً وأمنياً.
إنها حرب لتغيير وجه المنطقة، هدفها انتاج نظام إقليمي جديد رفع نتنياهو إحدى صوره في الأمم المتحدة، حول ربط دول المنطقة باتفاقات ومشاريع مع إسرائيل، ما يعني أن هذا النظام التي يتم العمل على إنتاجه ستكون فيه إسرائيل هي الدولة الأقوى. هو نظام إقليمي عموده الفقري إسرائيل، ويلغي ما كان يُسمى سابقاً بالنظام العربي، ومشروع يريد أن يقضي على القضية الفلسطينية وسحق فلسطين وربط الدول العربية بإسرائيل ودورها وتوسعها. بتوجيه هذه الضربة المركزية لحزب الله، وهو القوة الضاربة في المشروع الإيراني، تكون إسرائيل قد وجهت ضربة قاسمة إلى إيران على مستوى المنطقة، ولطالما هدد الإسرائيليون بضرب المشروع أو تفكيكه. إنها الضربة الكبرى أو الأكبر على مستوى المنطقة، والتي يريد نتنياهو استثمارها إيجاباً لصالحه وسلبياً تجاه الدول الأخرى خصوماً وحلفاء. بالتأكيد هو مسار طويل، وسيصطدم بالكثير من العقبات والانفجارات ما يشير إلى انفجار حروب متعددة، ستطال ساحات متنوعة، لأن ذلك لا يمكن أن يقتصر، على لبنان بل كل الدول التي تتمتع فيها إيران بنفوذ كبير، إنها مرحلة جديدة من الحرب وربما لا تزال في بداياتها.
نتنياهو ينفذ “ضربته الأقوى”… نظام إقليمي جديد عنوانه إسرائيل
منير الربيع