روبورتاج: باريس – إبراهيم أجداهيم /
عندما وطئت قدماي عاصمة الضباب باريس، في صبيحة يوم بارد من هذا الشهر ، تبادر إلى ذهني لأول وهلة سؤال تحول سريعا إلى عدة أسئلة، عن الحالة التي يعيشها المغتربون المغاربة في فرنسا، و هل فعلا هي الجنة الموعودة التي يحلم بها الكثير من الشباب في هذه الأيام، و يداعبون حلم الوصول إليها طيلة سنوات، مستعجلين قطع حبل الوصال مع الوطن الأم والهجرة إلى بلد الجن و الملائكة.
لم تكن حياة المغتربين الذين قضوا سنين طويلة في فرنسا أحسن حالا من وضعية شبان هاجروا للعمل في باريس، و تلاشت سريعا من خيالهم صور الحياة الوردية و العيش الرغيد، و قد انطفأت أيام الكثير من رفاقهم على ظهر قوارب الحراكة و انتهت مغامرتهم إلى مجرد جثث وأشلاء على الضفة الأخرى من المتوسط .
لعل أكثر ما تسلل إلى نفسي وأنا أتجول في شوارع العاصمة باريس، هو شعور مستفز بالغربة، إحساس كاد يفقدني توازني ويدعوني إلى استعجال العودة إلى موطن الشمس والدفء، هنا لسعات البرد تحيطك من كل جانب وتجعلك كذلك تستشعرها في كل الأمكنة، و حتى الوجوه التي تصادفها من أبناء البلد الذين يجتمعون كل ليلة بعد جري مثل الوحوش طيلة النهار يجتر يومياتهم ولا يتوقف في هذه المدينة الكبيرة التي ضلت تحمل ولا تزال بين طياتها وفي شوارعها الخلفية وفيما وراءها الشيء الكثير من أوجاع الغربة والمغتربين المغاربة، الذين يبقى حلمهم الأوحد العودة إلى أرض الأجداد وموطن الطفولة والصبا والشباب، ومغادرة مدن الضباب والوحشة و لسان حالهم يقول “هذه جنتكم ردت إليكم”.
أضواء باريس لم تله عن الشغف بالوطن
سحر العاصمة الفرنسية باريس وشوارعها وإغراءاتها لم تمنع الحنين إلى الوطن أو(لبلاد) كما يحلو للمغاربة في فرنسا تسمية بلدهم من أن يتسرب إلى وجدان و فؤاد جاليتنا بمختلف مكوناتها، من المتقاعدين الذين استقر بهم المقام في ديار الغربة أو المهاجرين الشباب الذين اختاروا المكوث في عاصمة الجن والملائكة بعدما عثروا على فرص للعيش بعيدا عن الأهل، فجعلوا لأنفسهم عائلات جديدة بعد أن ارتبط الكثير منهم بمهاجرات بنوا معهن عش الزوجية.
الحياة الصعبة حولت جنة الحراكة إلى جحيم
تفاصيل الحياة اليومية في باريس ليست بالسهولة التي يعتقدها الكثير من الشباب المغاربة، الذين يحلمون بالحريك أو أولئك الذين ارتموا في أحضان الغربة، و يصير الحديث عن تناول وجبة غداء في مطعم بمثابة أمر في أحيان كثيرة بعيد المنال، أو على الأقل من الترف الذي ليس متاحا كل يوم لجميع المهاجرين.
مشاهد الحراكة تحديدا وهم يتسولون سيجارة أو ما يسد رمقهم أكثر إيلاما، تبعث في القلب الكثير من الأسى والحزن على هذه الأوضاع المستفزة لقيم و كرامة المغاربة في الخارج.
كانت فكرة ترتيب أوراقنا وسقي مساحاتها بالحبر الأسود قد راودتنا خلال زيارتنا للعاصمة باريس ، حيث أردنا جس نبض أبناء الوطن و نقل ولو البعض من هموم فئة قضت سنوات شبابها في ديار الغربة وطال بهم المقام هناك، لكن رؤية الشباب الذين رمت بهم أمواج البحر في الجهة الأخرى و هم يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة، جعلت نقل صور عن يوميات المغتربين واجبا.
شيوخ بقوا في باريس مكرهين لحاجتهم إلى العلاج
يجمع العديد من المهاجرين المتقاعدين الذين ألفوا الحياة في ديار الغربة بالرغم من اعترافهم بصعوبة العيش في هذه البلد، أن الحنين يراودهم دائما من أجل العودة إلى بلدهم الأصلي، لكن الظروف كانت أقوى بكثير من رغباتهم، فالحياة في باريس يقول هؤلاء توفر لهم الكثير من الإغراءات، لاسيما الصحية منها فظروف العلاج في مستشفيات فرنسا لمن هم في مثل سنهم تجعلهم مجبرين على البقاء هناك، حتى ولو أنهم بلغوا من العمر عتيا.
منافسة شرسة من الصينيين في الفنادق و المطاعم
زاحم المهاجرون الصينيون والفيتناميون أفراد الجالية المغربية والتونسية والجزائرية المتواجدين بكثرة في عدة نواحي من باريس و قاموا بشراء عدد من المطاعم والمقاهي والفنادق، ثم أعادوا تأهيلها على الطريقة الآسيوية القديمة و تزايدت متاعب المهاجرين و ذويهم الذين يقتاتون من خدمات بسيطة يقدمونها لبني وطنهم غالبا.