ما دواعي منع النقاب في الجزائر؟

الجريدة نت20 أكتوبر 2018
ما دواعي منع النقاب في الجزائر؟

عد نحو عام من قرار بمنع ارتداء النقاب في المؤسسات التعليمية الجزائرية، تم مؤخراً تعميم منع النقاب، وبصفة نهائية، في أماكن العمل عبر كل المؤسسات الحكومية والرسمية بالبلاد.
ففي أكتوبر 2017 فاجأت وزيرة التربية- المثيرة للجدل- نورية بن غبريت، الجزائريين بقرار يمنع ارتداء النقاب في كل المؤسسات التعليمية بالبلاد.
هذا القرار أثار آنذاك جدلاً واسعاً واعتبره منتقدون اعتداءً سافراً على الحريات الشخصية، ورآه آخرون فصلاً جديداً من فصول المعركة أمام مكونات الهوّية الجزائرية التي تستهدف المدرسة الجزائرية منذ عقود.
اليوم، وبعد مرور عام، يبدو أن معركة الهوّية ستأخذ أبعاداً أخرى بعد تعميم قرار منع ارتداء النقاب في أماكن العمل وعبر كل المؤسسات الرسمية والحكومية، بعد أن أعلنت المديرية العامة للوظيفة العمومية (مؤسسة حكومية) منع ارتداء النقاب بصفة نهائية في أماكن العمل، وطلبت من الوزراء والمحافظين الالتزام الصارم بتطبيق هذا الأمر.
أتي هذا القرار في معرض ردّ هذه المؤسسة الحكومية المتخصصة، والمحتكرة للتوظيف في القطاع الحكومي، على الاستفسارات المرفوعة إليها حول واجبات الموظفين في مجال اللباس، لا سيما فيما يتعلق بارتداء النقاب، وذكرت في رسالة بعثت بها إلى الوزراء والولاة في 8 أكتوبر الجاري، أن “الموظفين ملزمون باحترام قواعد ومقتضيات الأمن والاتصال على مستوى مصالحهم، والتي تستوجب تحديد هويتهم بصفة آلية ودائمة لا سيما في أماكن عملهم”.
وبصيغة الإلزام، طلبت الرسالة التي تحمل عنوان “واجبات الموظفين والأعوان في مجال اللباس”، التقيّد الصارم بما سبق، ومنع كل لباس “يعرقل ممارستهم لمهام المرفق العام، لا سيما النقاب الذي يمنع ارتداؤه منعاً باتاً في أماكن العمل”.
القرار وبمجرد صدوره أثار ردود فعل منتقدة ومنددة، خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ورأى نشطاء أن القرار يعدُ تعدياً على الحريات الشخصية واستهدافاً للعائلات الجزائرية المحافظة.
– تغطية الفشل
صفحة ” 1.2.3 تحيا الجزائر”، وهي إحدى أشهر الصفحات الجزائرية في منصة “فيسبوك”، علقت على القرار بمنشور قالت فيه: “النقاب ممنوع في أماكن العمل وهذه الأشكال مرحب بها في مكاتب العمل”؛ في إشارة إلى السراويل المقطعة التي ترتديها النساء.
وتابعت الصفحة: “أعلنوها حرباً على الإسلام والعادات والتقاليد … لقد أعلنوا الحرب على العائلات المحافظة للأسف”، وأرفقت الصفحة منشورها بصور لفتيات يرتدين سراويل جينز مقطعة، وبينما اعتذرت عن الصورة أكدت أن “الحكومة تريد أن تشاهد هذه الصور في الشوارع والمكاتب العمومية وفي كل مؤسسات الدولة”.
المدون سامي خليل، وتحت عنوان “الاستفزاز الاستراتيجي”، اعتبر في تغريدة له عبر “تويتر” أن القرار محاولة إلهاء من طرف الحكومة عن فشلها، بقوله: “القرار من طرف رئيس الحكومة أحمد أويحيى بمنع النقاب في المؤسسات الحكومية هدفه صرف النظر عمَّا يحدث في البرلمان”، الذي وصفه بـ”برلمان البلطجية”.
– مساس بالحريات
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تساءلت هي الأخرى عن أسباب إثارة هذا الموضوع، وفي هذا التوقيت تحديداً، مشيرة إلى أنه لو جرى عدّ المنقبات في المرفق العام وأماكن العمل، كما جاء في التعبير المستخدم، “لوجدناه ضئيلاً محدوداً”.
وأضافت متسائلة باستغراب: “إذن ما الداعي إلى إثارة الموضوع، وفي هذا الوقت بالضبط؟ ومتى كان النقاب، في بلدنا، مشكلة من أي نوع حتى يطرح بهذا الشكل ذي الصبغة المتشددة في المنع؟”.
ورأت الجمعية أن  “هناك عدداً من المشكلات الحقيقية للمرأة الجزائرية في مجال العمل أولى بالطرح والحل، مثل: التحرش الجنسي، والمساومات، المضايقات من كل نوع، دون الحديث عن المرأة الجزائرية المكافحة في الأرياف والبوادي والمشاتي والقرى النائية”.
عضو مجلس النواب، القيادي في جبهة العدالة والتنمية، حسن عريبي، يرى أن “مسألة النقاب ينظر إليها من منظور شرعي فقهي ومن منظور قانوني دستوري”.
وأضاف في حديثه لـ”الجريدة نت” أنه سواء كان “النقاب واجباً أو مستحباً أو مكروهاً فإن القرار اعتداء على اجتماع جماهير أهل العلم على القول بوجوب ستر الوجه في حال خوف الفتنة”، وهذا على حد تعبيره “ليس بأمر غريب بالنظر إلى ما يبذل من طرف وزارة التربية وغيرها لسلخ الأمة من هويتها”.
ومن الناحية القانونية والدستورية يقول عريبي: “لسنا في دولة إسلامية محتكمة للشارع الحكيم حتى يقول بعض الحمقى والمغفلين والفسقة من المنتسبين للعلم، الساجدين عند أعتاب الأنظمة المجرمين، إن الحاكم يرفع الخلاف في المسائل الخلافية، بل نحن في بلد يقول بأنه ديمقراطي وتنص مواده الدستورية والقانونية على وجوب احترام حرية التعبير وضمان حرية العبادة ولو لغير المسلمين”.
– ضرورة أمنية
من جهتها، تعتقد الناشطة المدنية نورية حفصي، رئيسة اتحاد النساء الجزائريات (منظمة حكومية)، أن قرار منع النقاب ينظر إليه من عدة جوانب، ومن حيث المبدأ تقول: “يمكن القول إنه تعدٍّ على الحريات الفردية، لكن بالبحث عن أسباب القرار يمكن لنا أن نتفهمه”.
منع النقاب، حسب ما أوضحته رئيسة اتحاد النساء الجزائريات، في حديثها لـ”الجريدة نت”، له علاقة بالجانب الأمني تحديداً، ولا علاقة له بموقف يتعارض مع قناعات الأشخاص، بحسب تعليقها.
فالنقاب برأيها “يمكن أن تستغله جماعات متشددة للقيام بأعمال إرهابية”.
الناشطة المدنية، التي أثارت عدة مرات جدلاً واسعاً بخصوص اتهامات لها باستعداء الحجاب والنقاب، أكدت أن تصريحاتها دائماً ما تخرج عن سياقها، وبينما أكدت أن “المنقبات تاج على رأسها”، أشارت إلى أن “الأمر إذا كان يتعلق بالأمن القومي، فإن هذا الأمر أهم من الحريات الشخصية”.
نورية حفصي التي شددت على تأييدها قرار المنع لأسباب أمنية، دعت الجزائريات إلى “التمسك بمعالم الهوية الوطنية”، موضحة بقولها: “النقاب الذي نشاهده الآن لا علاقة له بتراثنا فنحن لم نعرف هذا اللباس سوى مع التسعينيات. أمهاتنا لبسن الحايك وهو لباس جزائري خالص، ولم يقل أحد عن ذلك إنه لباس غريب ودخيل على مجتمعنا”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.