ويستهل غاردنر مقاله بالإشارة إلى أن مؤتمر ميونخ للأمن قد أثار هذا العام قضية “صراع القوى الكبرى” التي اعتقد الكثيرون أنها انتهت مع الحرب الباردة منذ قرابة ثلاثة عقود مضت. وفي ضوء التطورات المأساوية لإسقاط ثلاث طائرات في سوريا (روسية وتركية وإسرائيلية)، يرى السفير الأمريكي السابق فولفجانغ إشنجر، رئيس مؤتمر ميونخ للأمن، أنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي لم يشهد العالم تزايد خطر اندلاع الصراع المسلح بين القوى الكبرى بالشكل الذي يحدث الآن.
حروب بالوكالة
ويتفق غاردنر مع وجهة نظر إشنجر؛ إذ تشهد سوريا خطراً حقيقياً لاندلاع اشتباكات بين اثنين من حلفاء الناتو: تركيا والولايات المتحدة، وأيضاً بين الولايات المتحدة وروسيا، وعلى الأرجح أن تلك الاشتباكات ستتم من خلال استخدام الوكلاء أو “الحروب بالوكالة” وهو النهج الذي استخدمه كل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لمحاربة بعضهما في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية خلال الحرب الباردة. ولكن أزمات الشرق الأوسط عادة ما تمتد تداعياتها خارج نطاق المنطقة.
ويوضح غاردنر أن التفاؤل يبدو صعباً في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حيث باتت جميع الأشياء (بداية من البروتوكولات الدبلوماسية وحتى الخطوط الساخنة لتخفيف التصعيد) موضع تساؤل. وعلى سبيل المثال بعد مرور أسبوعين من قتل الغارات الجوية الأمريكية لعدد غير معروف من “الوكلاء” الروس في شرق سوريا، اعترف وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بالذهول إزاء ما حدث، أما الكرملين فقد ادعى في البداية عدم معرفته بالأمر، ولكنه أقر يوم الثلاثاء الماضي بأن مواطنين روساً قد تعرضوا للإصابة في ذلك الحادث.
الهلال الشيعي
ويلفت غاردنر إلى الدعم الإيراني لتمرد الحوثيين في اليمن ومخاطر إطلاق صواريخ من قبل الحوثيين ضد أهداف حيوية في السعودية، وفي الوقت نفسه هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر ميونخ للأمن أن إسرائيل سوف تتخذ إجراءات مباشرة ضد إيران ووكلائها لمنعهم من ترسيخ أنفسهم في خط جبهة جديد في سوريا، الأمر الذي ينذر، بحسب كاتب المقال، بحرب جديدة مرعبة سيكون لها تداعيات مدمرة في الكثير من أرجاء المنطقة.
ويلفت غاردنر إلى أن الحرب الأهلية السورية مكنت إيران، إلى جانب الحلفاء شبه العسكريين مثل حزب الله في لبنان وبدعم من القوات الجوية الروسية منذ عام 2015، من غرس جذور الهلال الشيعي واستكماله عبر العراق وسوريا إلى البحر المتوسط، ولم تتدخل إسرائيل في هذه الحرب باستثناء قصف مستودعات الأسلحة الإيرانية والقوافل الإيرانية الموجهة لحزب الله.
وعلى الرغم من ذلك، فقد دأبت إسرائيل على التحذير طوال عامين من أنها سوف تشن حربها الخاصة إذا حدث أي من هذين الأمرين، وأولهما إنشاء إيران أو حزب الله أو أي ميليشيات أخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني وجوداً عسكرياً دائماً في سوريا؛ حيث أن هذا يفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل، وثانيهما أن يقوم حزب الله (الذي حارب إسرائيل إلى طريق مسدود في حرب لبنان السابقة خلال عام 2006) ببناء ترسانة من الصواريخ المدعومة إيرانياً والقادرة على الوصول إلى عمق إسرائيل.
حرب كارثية
ويلفت غاردنر إلى أن ثمة عوامل أخرى تزيد من احتمالات اندلاع الحرب في وقت قريب، وبخاصة أن سياسة إدارة ترامب إزاء الشرق الأوسط تُعد “حائرة” و”متهورة” في الوقت نفسه. وعلى سبيل المثال خلال مؤتمر ميونخ للأمن، أشار الجنرال أتش آر ماكماستر مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي أن الوقت قد حان للتحرك ضد إيران التي تقوم باستنساخ حزب الله في العراق وسوريا واليمن؛ وذلك في محاولة لردع إسرائيل والسعودية، كما تهدد إيران بأنها سترد إقليمياً في حال تعرضت لأي هجوم، ولكنه أمر بعيد المنال بحسب ماكماستر.
ويختتم غاردنر بأن تصريحات إيران السابقة كانت مجرد استفزازات قبل أن تخترق طائرة بدون طيار إيرانية من سوريا المجال الجوي الإسرائيلي، الأمر الذي أسفر عن سلسلة من الأحداث قادت إلى سقوط الطائرة الإسرائيلية وشن المداهمات الانتقامية الإسرائيلية، وفي الوقت الراهن سوف تؤدي أي حسابات خاطئة أخرى إلى تداعيات كارثية.