قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن حادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، بدأت تهزّ الأسرة السعودية الحاكمة، واصفة ما ترتّب على هذه الحادثة بأنها أسوأ أزمة تواجهها العائلة الحاكمة منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001، عندما اتُّهمت الرياض بالتخطيط للعملية.
وتابعت الصحيفة: إن “الرياض بعد أن شعرت بحجم الغضب الدولي على جريمة مقتل خاشقجي، أرسل الملك سلمان الأمير خالد الفيصل إلى تركيا لمعالجة الموضوع، غير أنه عاد ولديه رسالة واحدة؛ مفادها أنه من الصعب الخروج من هذه القضية، بحسب ما قاله الفيصل لأحد أقاربه عند عودته من تركيا”.
الصحيفة الأمريكية أكّدت أن “القلق ينتاب أعضاء العائلة الحاكمة بشأن مستقبل البلاد في ظل قيادة ولي العهد، محمد بن سلمان، الابن المفضّل للملك سلمان، الذي يُعتبر الحاكم الفعلي للبلاد”.
وتصف الصحيفة الوضع داخل العائلة الحاكمة قائلة: “بخلاف ما جرى عام 2001، عندما اجتمعت العائلة السعودية الحاكمة لحماية مصالحها، فإن الأمر هذه المرة لا يبدو ممكناً، وبدلاً من ذلك هناك قلق عميق؛ حيث يبحث أفراد العائلة المالكة، دون جدوى، عن طريقة لاحتواء ولي العهد، الذي عزّز سلطاته بشكل كامل وهمّش الجميع تقريباً”.
الشخص الوحيد الذي يمكن أن يتدخّل، بحسب نيويورك تايمز، هو الملك نفسه، ولكن كبار الأمراء وجدوا أن من المستحيل تقريباً نقل مخاوفهم للملك البالغ من العمر 82 عاماً، الذي يشكّ البعض أنه مدرك لما يدور حوله أو يرغب في تغيير المسار.
وتفيد الصحيفة أنه منذ تأسيس الدولة السعودية، في العام 1932، عانت الأسرة الحاكمة من مراحل تمزّق وخلافات وصلت إلى حد الاغتيال، لكن في كل مرة كانت الأسرة تنجح في تجاوز تلك الخلافات؛ فهي لا تريد أن تفرّط بما تتمتّع به من امتيازات، وحياة فخمة، وبدلات مالية كبيرة، وامتيازات لا تضاهى.
“لكن محمد بن سلمان، الشاب الطموح، سعى عندما وصل إلى السلطة إلى تفكيك تلك التوافقات ونظام الإجماع الذي كان يحكم أسرة آل سعود لعقود؛ فقد ركّز السلطة في يده، وتخلّى عن أسلوب السياسة الخارجية السعودية التقليدية التي كانت تتميز بالهدوء والعمل وراء الكواليس”.
واستطردت تقول: “وبدلاً من ذلك بدأ يتحرّك بقوة، وشنّ حرباً مأساوية في اليمن، وخطف رئيس وزراء لبنان، وقطع العلاقات مع قطر وكندا، وسوّق لسعودية جديدة تعتمد على اقتصاد متحرّر، وسمح للمرأة بقيادة السيارة”.
هذه الإصلاحات، بحسب الصحيفة الأمريكية، وجدت الكثير من التشجيع في العديد من دول العالم، ورأى فيه البعض القائد الذي تحتاجه السعودية للتخلّص من ماضيها المحافظ، ولعل من أول المشجّعين له الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
غير أن صعود بن سلمان، وفقاً لنيويورك تايمز، أثار غضب العديد من أبناء عمومته الذين كانوا يخشون الأسوأ، خاصة بعد أن شاهدوا كيف أن سمعة السعودية أصبحت سيئة جداً.
وتنقل الصحيفة عن مصادر مقرّبة من العائلة الحاكمة قولها إن الأمراء الكبار لا يمكنهم الوصول إلى الملك سلمان؛ ما جعل من الصعوبة بمكان التعبير له عن مخاوفهم، بل إن بعض الأمراء لا يستطيعون دخول البلاط الملكي أو قصر الملك إلا إذا وُضعت أسماؤهم على الباب في وقت مبكّر.
وقالت: “الكثير منهم (الأمراء) لا يمكنهم رؤية الملك إلا في المناسبات الرسمية؛ ما يصعب معه التعبير عن مخاوفهم أو بثّ أي شكوى، في حين أن بعضهم يمكن أن يرى الملك ليلاً عندما يكون يلعب الورق، وهو وقت سيئ للحديث في مثل هذه التفاصيل، وفق مقرّبين من العائلة السعودية الحاكمة”، بحسب ما نقلت الصحيفة الأمريكية عن مصادرها التي لم تكشف عن هوياتها.
وتابعت أن مستشاراً غربياً، لم تسمّه، قال لها إن الأمير محمد بن سلمان يحاول جاهداً التخفيف من أضرار قضية خاشقجي، وإنه غاضب ويعيش في صدمة حقيقية من حجم رد الفعل.
واستطردت تقول: “اضطراب القصر الملكي السعودي انعكس على طريقة التعاطي مع قضية خاشقجي؛ فقد أصرّ مسؤولون حكوميون على أنه غادر القنصلية في إسطنبول بعد وقت قصير من وصوله، وليس لديهم أي فكرة عن مكان وجوده”.
وأضافت: “غير أن بياناً صدر عن المدّعي العام السعودي، فجر السبت، قال إن خاشقجي قُتل في مبنى القنصلية نتيجة شجار، وإن هناك 18 سعودياً محتجزين على ذمة التحقيق”.
“الشخص الوحيد القادر على وضع حدٍّ لجموح محمد بن سلمان هو الملك، بحسب ما يؤكّده جوزيف كشيشيان، الباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض”، تقول نيويورك تايمز.
وأفادت أنه “على الملك ألا ينظر لقضية خاشقجي فقط وأثرها في سمعة ابنه، بل أيضاً في كيفية مواصلة برنامجه الإصلاحي المعروف برؤية 2030، التي بدأها”.
وقالت: “آخرون يتساءلون عما إذا كانت صحة الملك تسمح له بفهم الأحداث الجارية من حوله”، مستفيدة من رأي مضاوي الرشيد، الأستاذة الزائرة في كلية لندن للاقتصاد، ومؤلّفة العديد من الكتب عن السعودية، التي قالت: إن “هناك قلقاً بشأن الحالة العقلية للملك سلمان، هل وضعه يُتيح له اتخاذ مثل هذه القرارات في هذا العمر المتأخّر؟”.
ويعتقد دبلوماسي تحدّث للصحيفة، أن اسم محمد بن سلمان تلوّث بشكل لا يمكن إصلاحه، وأن على الأسرة الحاكمة أن تفعل شيئاً لإبعاد بن سلمان”.
بحسب الصحيفة فإن الأمير خالد الفيصل، من بين القلائل الذين يتمتّعون بمكانة قوية تمكّنه من حثّ الملك على إجراء مثل هذا التحوّل؛ فهو ابن الأمير الراحل فيصل، وأمير منطقة مكة المكرمة، ويبلغ من العمر 78 عاماً، ويحظى بتقدير العائلة الحاكمة.
ولعل إرساله من قبل الملك إلى تركيا، وفقاً لنيويورك تايمز، يشير إلى الثقة العالية به من قبل الملك، وهو شقيق الأمير تركي الفيصل، الذي كان صديقاً قديماً لخاشقجي، حيث عمل معه لسنوات طويلة.
وتختم الصحيفة بالقول: إن “بعض أعداء بن سلمان داخل العائلة المالكة يشجّعون شقيق الملك سلمان، الأمير أحمد بن عبد العزيز، البالغ من العمر 73 عاماً ليحلّ محلّ محمد بن سلمان في ولاية العهد، وهو أحد السديرين السبعة كما يُطلق عليهم؛ لكونهم أبناء هناء بنت أحمد السديري، وكانوا يشكّلون كتلة قوية داخل الأسرة الحاكمة”.
الأمير أحمد انتقد، الشهر الماضي، تصرّفات الملك وولي العهد، عندما جابهه متظاهرون في لندن بسبب حرب اليمن، قائلاً إنه لا علاقة لآل سعود بهذه الحرب، وإن الملك وولي عهده هما المسؤولان عنها، ومنذ ذلك الوقت بقي في لندن خشية على نفسه من انتقام بن سلمان حال عودته، وفقاً لنيويورك تايمز.