أكدت “هيومن رايتس ووتش” أن التهم التي وجّهتها السلطات السعودية للنشاطات الحقوقيات والمدافعات عن حقوق المرأة في سجونها مرتبطة بالكامل بأنشطتهن الحقوقية، وهو ما يعد تناقضاً صارخاً لادعاءات ولي العهد، محمد بن سلمان، حول عدم توجيه أي تهم لهن حول أعمالهن الحقوقية.
ووثّقت “هيومن رايتس ووتش”، من خلال مصادر مطلعة لها، وجود أوراق الاتهامات الخطية الصادرة عن النيابة العامة السعودية ضد اثنتين من المحتجزات، وهي مرتبطة بالعمل الحقوقي السلمي، ومن ضمن ذلك تعزيز حقوق المرأة والدعوة إلى إنهاء عمل السعودية بنظام ولاية الرجل التمييزي.
وقالت المنظمة في تقرير لها عبر موقعها الإلكتروني، اليوم الخميس: إن “التهم الموجهة إلى النساء الأخريات متشابهة، كما يتهم الادعاء النساء بمشاركة المعلومات حول حقوق المرأة في السعودية مع صحفيين مقيمين في المملكة، ودبلوماسيين، ومنظمات حقوقية دولية، منها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وتعتبر مثل هذه الاتصالات جريمة جنائية”.
وبدأت السعودية محاكمات فردية، في 13 مارس 2019، بحق 11 ناشطة معظمهن من دعاة حقوق المرأة البارزات اللواتي احتُجزن في بداية مايو 2018.
ونقلت “هيومن رايتس ووتش” عن مصادر أن المحاكمات كان من المقرر أن تجري في “المحكمة الجزائية المتخصصة” سيئة السمعة، والتي تختص بجرائم الإرهاب، لكن مؤخراً أبلغت السلطات السعودية عائلات المحتجزات بأن المحاكمات قد نُقلت إلى “محكمة الرياض الجزائية”.
محامٍ سعودي على دراية بإجراءات المحاكم اعتبر في حديثه للمنظمة الحقوقية أن تغيير مكان المحاكمة غير اعتيادي وبشكل لافت، ويدلل على التأثير السياسي في إجراءات المحاكمة؛ لأن المدعين العامين عادة ما يقدمون تهماً إلى المحكمة ذات الصلة في وقت مبكر.
وتواجه النساء تهمة انتهاك المادة السادسة من “نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية” السعودي سيئ الصيت، والمعروف بالغموض، والذي يحظر “إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، وفق المنظمة الحقوقية.
وتصل عقوبات تلك التهم إلى السَّجن 5 سنوات وغرامة حتى 3 ملايين ريال سعودي (800 ألف دولار أمريكي)، وفق “هيومن رايتس ووتش”، التي وثقت مراراً وتكراراً استخدام النيابة العامة السعودية لهذه البنود المبهمة لسجن نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين الذين ينتقدون الانتهاكات الحقوقية في السعودية عبر الإنترنت أو يدعون سلمياً إلى الإصلاح.
وتتهم السلطات السعودية، وفق المنظمة الحقوقية، العديد من المعتقلات بجرائم خطيرة، ومن ضمنها الاتصال المشبوه مع جهات أجنبية، مع شن حملة تشهير ضدهن، ووصفهن بالـ”خائنات” من قبل وسائل إعلامية محسوبة على المملكة.
وتؤكد المنظمة أن السلطات السعودية عذّبت 4 نساء على الأقل بالصدمات الكهربائية والجلد، والتحرش بهن جنسياً والاعتداء عليهن.
وشددت “هيومن رايتس ووتش” على ضرورة أن تُفرج السعودية بشكل فوري عن جميع النشطاء الحقوقيين المحتجزين لمجرد دفاعهم عن حقوق الإنسان.
بدوره قال مايكل بيج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”: إنه “بعد عام تقريباً من توجيه اتهامات عبر وسائل الإعلام الحكومية السعودية إلى هؤلاء البطلات المدافعات عن حقوق المرأة بأنهن عميلات أجنبيات، يبدو أن التهم الفعلية ضدهن هي ببساطة لائحة بجهودهن لتعزيز حقوق المرأة”.
وأوضح بيج أن هذا التصرف لا يصدر عن حكومة تنفذ إصلاحات، كما يزعم محمد بن سلمان ومؤيدوه.
وأشار إلى أن التهم تشمل الاتصال مع الصحفيين الدوليين الموجودين في السعودية والمعتمدين هناك، والدبلوماسيين الأجانب، والنشطاء الحقوقيين السعوديين في الخارج، والمنظمات الحقوقية الدولية.
وبين نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، أن التهم الموجهة للسعوديات تتناقض بشكل صارخ مع تصريحات ولي العهد، محمد بن سلمان، لوكالة “بلومبيرغ”، في مقابلة في أكتوبر 2018.
وأردف بالقول: “عندما سُئل عما إذا كانت النساء سيواجهن اتهامات بالتحدث إلى الدبلوماسيين والصحفيين الأجانب، أجاب: الصحفيون، لا. لكن المخابرات نعم، والمخابرات السرية، ولدينا بعضهن على أشرطة فيديو، يمكننا أن نريها لكم”.
وأضاف بيج: “إذا كانت مشاركة المعلومات حول حقوق المرأة مع الصحفيين والدبلوماسيين غير قانونية فوفق هذا المعيار من المفترض أن تكون معظم القيادة السعودية في السجن الآن”.
وتمنع السلطات السعودية الصحفيين الأجانب والدبلوماسيين من حضور محاكمة الناشطات في حقوق الإنسان، وفق ما نقلت وكالة “بلومبيرغ”، في 13 مارس.
وفي وقت لاحق أكد رئيس المحكمة، إبراهيم السياري، للصحفيين أنه تتم محاكمة 10 نساء، منهن الناشطات البارزات لجين الهذلول، وعزيزة اليوسف، وهتون الفاسي، وإيمان النفجان.
المجموعة الحقوقية السعودية “القسط”، ذكرت في نفس اليوم أن 11 امرأة كانت تجري محاكمتهن، ومن ضمنهن الأربع اللواتي ذكرهن رئيس المحكمة؛ ومياء الزهراني، وأمل الحربي، وشدن العنزي، ونوف عبد العزيز، التي لم تحضر الجلسة.
وتوضح المنظمة أن حملة القمع الأخيرة ضد ناشطات حقوق المرأة بدأت قبل أسابيع من رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة، الذي طال انتظاره، في 24 يونيو الماضي، وهو الحظر الذي شن عدد من الناشطات المحتجزات حملات ضده، في حين أُطلق سراح بعضهن، بينما لا تزال أخريات معتقلات دون تهمة، مدة 10 أشهر تقريباً.