تونس في حالة طوارئ منذ 2011.. ضرورة أمنيّة أم قيود استبدادية؟

الجريدة نت17 أبريل 2019
تونس في حالة طوارئ منذ 2011.. ضرورة أمنيّة أم قيود استبدادية؟

جدل واسع ما انفكّت تثيره قرارات الرئاسة التونسية، بالتمديد المتواصل لحالة الطوارئ في البلاد منذ 2011، ما أثار حفيظة التونسيين الذين عبروا عن مخاوفهم من أن يقع استغلال ذلك لغايات سياسية.

ويخشى التونسيون أن تعيد استمرار حالة الطوارئ البلاد إلى مربّع الاستبداد الذي عانت منه طيلة عقودٍ في عهد النظام السابق، لما يمنحه من صلاحيات هامّة للسلطات الأمنيّة على حساب الحقوق والحريّات التي حقّقها الشعب التونسي خلال ثورة 2011.

وفي خضّم ذلك قرّر الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بداية أبريل الحالي تمديد حالة الطوارئ السّارية في البلاد، لمدّة شهر آخر، على خلفيّة ما اعتبرته الرئاسة التونسية “تطوّر الأوضاع الأمنية المحلية والإقليمية والدولية، وخاصة مستجدات الوضع في ليبيا”.

تمديد آخر سبقته مطالب تقدّمت بها بعض فعاليات المجتمع المدني للرئيس السّبسي بعدم التمديد مجدّداً، مطالبين بالنظر في عرائض التظلّمات المقدّمة من قبل المتضرّرين إلى السلطتين القضائية والتنفيذية.

وكانت السلطات التونسية الانتقالية قد أعلنت، في بادئ الأمر، حالة الطوارئ، في 15 يناير 2011، وجددته مراراً وتكراراً حتى مارس 2014، عندما سُمح بانتهاء مدتها، ثم أعاد السبسي فرضها في 4 يوليو 2015، بعد عملية إطلاق النار الجماعي على الشاطئ في سوسة، ليتم تجديدها بانتظام منذ ذلك الحين، وكان آخر تجديد في 5 أبريل 2019.

صلاحيات الاستبداد

وتعطي حالة الطوارئ السلطات صلاحيات استثنائية واسعة مثل حظر تجول الأفراد والمركبات ومنع الإضرابات العمالية، وفرض الإقامة الجبرية وحظر الاجتماعات، وتفتيش المحلات ليلاً ونهاراً.

ويمنح قانون الطوارئ السلطات حق مراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية، وكل ذلك من دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء.

ويتيح إمكانية إصدار وزير الداخلية أمراً بتعليق نشاط أي جمعية ثبتت مساهمتها أو مشاركتها خلال حالة الطوارئ في أعمال مخلة بالأمن والنظام العام، أو يمثل نشاطها عرقلة لعمل السلطات العمومية مع ضمان حق الطعن، كما يتضمن عقوبات زجرية للمخالفين تتراوح بين السجن والغرامة المالية.

وكانت وزارة الداخلية التونسية قد وضعت، بادئ الأمر، 138 تونسياً قيد الإقامة الجبرية قبل أن تضاعف العدد في يوليو 2016، وفي شهر مايو 2017 أضيف 22 رجل أعمال دون تسليمهم نسخاً من القرار.

ويعتقد في هذا الصدد، الناطق باسم المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، أنّ قانون الطوارئ منح السلطات صلاحية التعامل الأمني مع المحتجين، وتعريضهم للتعذيب في مراكز الإيقاف.

ويقول بن عمر في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “حملة الاعتقالات التي طالت بعض المحتجين خلال أحداث يناير 2018، إلى جانب الأحكام القضائية غير العادلة في حق المحتجين، والتي وصل بعضها إلى سنة سجناً بتهمة الاحتجاج، جاءت ضمن قانون الطوارئ”.

ويضيف بن عمر أنّ القوّات الأمنية منعت بموجب حالة الطوارئ توزيع إعلانات قانونية من أجل ممارسة حق التظاهر، مؤكّداً أنّ هذه الحالة سمحت أيضاً بتمرير بعض القوانين غير الدستورية كعسكرة عدد من مناطق الإنتاج لمنع الاحتجاج فيها.

إدانات حقوقية

التمديد المتواصل للطوارئ في تونس عارضته عدّة منظّمات دولية ومحليّة في علاقة بحقوق الأفراد، كما تعالت أصوات النوّاب داخل قبّة البرلمان تحذّر من تمرير القانون المنظّم له، واعتبروه تهديداً جدّياً للحقوق والحريات، وترسيخاً لعودة الاستبداد.

بدورها، أكّدت منظّمة “هيومن رايتس ووتش” أنّ مئات المواطنين التونسيين وضعوا قيد الإقامة الجبرية غير المحدّدة، دون توجيه تهم إليهم، بموجب قرارات صادرة عن الشرطة بشكل شفهي، ودون وثائق، ما يحرم الأشخاص المتأثرين من إمكانية الطعن في القرارات في المحاكم.

كذلك شدّدت منظمة العفو الدولية على أنّ قانون الطوارئ الذي وصفته بـ”المعيب”، يمنح السلطات التونسية صلاحيات واسعة لحظر المظاهرات والإضرابات، وتعليق أنشطة المنظمات غير الحكومية.

وترى المنظمة أن القانون يتيح للسلطات فرض قيود “تعسفية” على حرية تنقل الأفراد، والقيام بعمليات تفتيش لا مبرر لها للمنازل استناداً إلى أسباب مبهمة تتعلق بالأمن الوطني.

من جهته، أكد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، أنّ قانون الطوارئ الذي تطبّقه السلطات التونسية حالياً على الشعب مخالف لدستور البلاد الذي تمت صياغته في 2014، ويتضارب مع الحقوق والحريات التي تضمنتها فصوله.

وبين مسلم في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أن قانون الطوارئ الحالي تمت صياغته منذ 1978 بهدف قمع التحركات الشعبيّة آنذاك، التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل المطالبة باستقلالية العمل النقابي، تم اعتماده منذ ذلك الحين في قمع كل الانتفاضات، وإسكات أصوات المحتجين لضمان تواصل استبداد النظام.

ووصف مسلم قانون الطوارئ بـ”غير الديمقراطي”؛ لأنّه “يضرب حريات الشعب، ويعطي وزير الداخلية والمحافظ صلاحيات واسعة لقمع كل الأصوات التي تطالب بحقوقها”، داعياً إلى ضرورة النظر في المقترحات التشريعية التي قدمها الحقوقيون في هذا الغرض.

ضرورة أمنيّة

في مقابل ذلك تبرّر الرئاسة التونسية تمديد الطوارئ بالضرورة الأمنية التي تحتّمها التطوّرات الإقليمية والمحليّة، ويرى مختصّون أمنيون أنّ هذه التطوّرات تتطلّب يقظة أمنية فائقة لمواجهة المخاطر التي تتهدّد البلد في حربها على الفساد وعلى الإرهاب.

وفي هذا السياق يؤكّد الخبير الأمني علي الزرمديني، أنّ حالة الطوارئ التي تعيشها تونس الآن فرضتها المعطيات الأمنيّة الإقليمية والداخلية، انطلاقاً ممَّا تمر به ليبيا  التي تشترك مع تونس في حدود طويلة من تطوّرات عسكرية مؤخّراً، وهو ما قد يتسبب في نزوح أعداد كبيرة من الليبيين إلى تونس، وقد يؤدّي أيضاً إلى تسلّل بعض العناصر الإرهابية عبر الحدود المشتركة.

وأوضح الزرمديني في حديث لـ”الخليج أونلاين” أن الوضع الأمني الجزائري، الذي يشهد اضطراباً منذ الشهر الماضي، قد يتسبب في انفلات أمني على الحدود مع تونس.

وأشار الزرمديني إلى أن البحر المتوسط أصبح مجالاً واسعاً للجريمة المنظّمة، لافتاً إلى أنّ هذه المعطيات مجتمعةً تضطرّ تونس إلى تعزيز موقعها وتكثيف وجودها على الحدود.

الخبير الأمني لفت أيضاً إلى أنّ القوّات الأمنيّة التونسية مطالبة بتأمين الموسم السياحي الصيفي، وإنجاح الموسم الرياضي، فضلاً عن تأمين التظاهرات الصيفية، وتكثيف الوجود الأمني خلال شهر رمضان.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.