على الرغم من أن نتائج الانتخابات البلدية والولائية (مجالس الولايات) في الجزائر، لم تزح حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، الذي يقوده شرفيا، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من الصدارة، فإنها أعادت تشكيل الخريطة الحزبية في البلاد، وخلفت مفاجآت سياسية.
أبرز الملاحظات الأولية تتمثل في أن نسبة المشاركة بهذه الانتخابات قاربت الـ50 بالمائة (46.83%)، وهي مقبولة إلى حد ليس بالبسيط، إذا ما قورنت بحالة العزوف العامة التي شهدتها البلاد خلال الانتخابات التشريعية في مايو/آيار 2017، إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة حينها 35 بالمائة.
كما أن نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية هذه، ارتفعت بنحو 4 نقاط مقارنة بتلك التي أُجريت في 2012، إذ بلغت رسميا آنذاك 42.92 بالمائة.
ونظمت الجزائر، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، سادس انتخابات محلية في تاريخ التعددية بالبلاد، لاختيار أعضاء 1541 مجلسا بلديا، و48 مجلسا ولائيا.
** حزب الرئيس.. فوز بطعم الهزيمة
حافظ حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يرأسه بوتفليقة شرفيا، ويقوده الأمين العام جمال ولد عباس، على الصدارة، لكن فوزه بدا بطعم الهزيمة، بعدما خسر حوالي 400 بلدية (حصل على 603 بلدية/أكثر من 39 بالمائة).
ففي زمن أمينه العام عبد العزيز بلخادم، هيمن الحزب على نحو ألف بلدية في 2012 (نحو 65 بالمائة).
** حزب أويحيى.. عين على مجلس الأمة وأخرى على رئاسيات 2019
غير أن الرابح الأكبر من تراجع حزب الرئيس لم يكن خصومه الإسلاميون، بل “شريكه اللدود”؛ التجمع الوطني الديمقرطي، بقيادة رئيس الوزراء، أحمد أويحيى.
حيث رفع الحزب عدد البلديات التي فاز بها بـ100 بلدية مقارنة بـ2012، ليصل إلى 451 بلدية (ما يعادل 26.21 بالمائة)، في حين حصل على 527 مقعدا في المجالس الولائية.
وعلى الرغم من أن هذه النتائج محلية، فإن لها تأثير كبير في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان)، إذ من المنتظر أن يقوم المنتخبون الجدد في المجالس البلدية والولائية بدورهم بانتخاب 48 عضوا جديدا للمجلس نهاية 2017.
كما تشكل الانتخابات المحلية، فرصة جيدة للاستعداد للانتخابات الرئاسية في 2019، والتي لا يستبعد أن يكون أويحيى مرشحا فيها، إذا لم يترشح بوتفليقة لها، خاصة أن رؤساء البلديات لديهم دور كبير في الإشراف على الانتخابات.
جدير بالذكر أن مجلس الأمة يتشكل من 144 عضوا؛ 48 منهم يعينهم رئيس الجمهورية، و96 منتخبون يتم تجديد نصفهم (48) كل ثلاث سنوات.
** الإسلاميون.. صعود طفيف أم نكسة جديدة؟
لم يكن أكثر المحللين تشاؤما يتخيل قبل انتخابات نوفمبر 2017، أن تتدحرج الأحزاب الإسلامية، أمام أحزاب حديثة النشأة محسوبة على السلطة، وأخرى توصف بالصغيرة والمجهرية، مما يعكس الوضعية الصعبة التي وصلوا إليها بعد أن فازوا في 1990 بأكثر من نصف عدد المقاعد المحلية.
فـ”حركة مجتمع السلم” (أكبر حزب إسلامي بالجزائر)، فقدت المرتبة الثالثة بعد حزبي السلطة التقليديين، لتنزل إلى المرتبة السادسة من حيث عدد البلديات، خلف حزبين حديثي النشأة موالين للسلطة.
حيث أحدثت كل من “جبهة المستقبل” (مقربة من دوائر في السلطة/71 بلدية)، و”الحركة الشعبية الجزائرية” ذات التوجه العلماني (26 بلدية/ حصلت على 62 بلدية)، مفاجأة كانت مرتقبة لكن ليس إلى هذه الدرجة، مقارنة بـ”جبهة القوى الاشتراكية” (يسارية)، التي حلّت في المرتبة الرابعة بـ64 بلدية.
وعلى الرغم من أن الأمين العام الجديد لحركة مجتمع السلم، الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة، حاول تبرير وقع الهزيمة على أنصاره بأنهم بقوا في المرتبة الثالثة من حيث عدد الأصوات (650 ألف صوت) والمقاعد في المجالس الولائية (152 مقعدا/ 7.58 بالمائة)، فإن النتائج من حيث عدد البلديات التي فاز بها، لم تتجاوز 49 بلدية حسب النتائج الأولية المعلنة من وزارة الداخلية (51 بلدية حسب مناصرة).
لكن مناصرة، دافع عن حصيلته، بالتأكيد أن الحركة سجل زيادة 10 بالمائة في عدد المنتخبين بالمجالس البلدية والولائية مقارنة بـ2012، وارتفع عدد البلديات التي فازت برئاستها من 29 إلى 51، حسب مناصرة.
هذه النتائج وإن أرجعها البعض إلى محاولات النظام تشويه الحركة الإسلامية وإضعافها، لكن مردها أيضا فقدان الإسلاميين وهجهم بعد مشاركتهم في الحكومة، وتسيير البلديات في السنوات الأخيرة، وأيضا إلى الانقسامات والحروب الداخلية التي خاضوها ضد بعضهم البعض، ناهيك عن التأثيرات الدولية بعد تراجع حراك الربيع العربي.
وتجلّت مأساة الانقسام داخل العائلة السياسية الواحدة، في المرتبة التي وصل إليها ائتلاف ثلاثة أحزاب إسلامية (النهضة، وجبهة العدالة والتنمية، التي يرأسها الشيخ عبد الله جاب الله، وحركة البناء بقيادة مصطفى بلمهدي).
فقد حصلت الأحزاب الثلاثة مجتمعة على المرتبة الخامسة عشر، بـ8 بلديات فقط، في الوقت الذي كانت حركة النهضة بقيادة زعيمها المؤسس عبدالله جاب الله لوحدها، القوة الرابعة في البلاد في تشريعيات 1997، بل إن حزبه الجديد (حركة الإصلاح الوطني حينها) فاز بالمرتبة الثالثة في تشريعات 2002.
** 3 أحزاب جديدة تتموقع مع الكبار
وحقق حزبا “جبهة المستقبل”، بقيادة عبد العزيز بلعيد (54 عاما)، و”الحركة الشعبية الجزائرية” بقيادة وزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس (59 عاما)، مفاجأة غير متوقعة إلى هذا الحد، رغم أنهما حققا نتائج إيجابية في تشريعيات مايو 2017.
وحصلت “جبهة المستقبل” على 14 مقعدا في التشريعيات الأخيرة بينما فازت “الحركة الشعبية” بـ13 مقعدا، على الرغم من أنهما أخذا الاعتماد في 2012 فقط.
فجبهة المستقبل، التي ولدت من رحم جبهة التحرير الوطني، عرف رئيسها بلعيد بقيادته لمنظمتين طلابيتين مواليتين للحزب الحاكم، لكنه انحاز في رئاسيات 2004، لرئيس الحكومة المقال والأمين العام لجبهة التحرير، علي بن فليس، خلال منافسة شرسة بين قطبين للنظام أحدهما يقوده الرئيس بوتفليقة.
وبدل أن ينضم بلعيد إلى حزب بن فليس (طلائع الحريات)، أسس جبهة المستقبل، وترشح في رئاسيات 2014، وحل ثالثا خلف كل من بوتفليقة وبن فليس.
لكن بلعيد، تفوق على بن فليس (ينحدران من نفس المنطقة)، بشكل ساحق في الانتخابات المحلية الأخيرة التي لم يحصل فيها حزب طلائع الحريات سوى على 5 بلديات فقط.
أما عمارة بن يونس، فهو وزير علماني منحدر من منطقة القبائل، وتمت إقالته من التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني) لرفضه الانسحاب من الحكومة، وأعلن تأييده للرئيس بوتفليقة في رئاسيات 2004.
وأسس بن يونس، “الحركة الشعبية الجزائرية”، بعد الرئاسيات لكنه لم يحصل على الاعتماد إلا في 2012، بفضل هواجس النظام من “الربيع العربي”.
وفي الانتخابات الأخيرة تمكن بن يونس، من التفوق على حزبه الذي طرد منه، للمرة الثانية على التوالي، بعد تشريعيات مايو/آيار الماضي، مما يعكس نجاحه في استقطاب قاعدة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، خاصة بعد انسحاب رئيسها المؤسس سعيد سعدي.
أما حزب “تاج” (محافظ)، بقيادة عمار غول، وزير الأشغال العمومية الأسبق، والمنشق عن حركة مجتمع السلم، ففاز بـ31 بلدية حسب النتائج الأولية لوزارة الداخلية (41 بلدية حسب ما أعلنه غول)، بفضل “تحالف تاج” المشكل من 4 أحزاب.
وأشار غول، إلى أنه “احتل المرتبة الأولى بالتساوي على مستوى 200 بلدية، ونال 115 مقعد بالمجالس الولائية”، ليصبح بذلك في “المركز الرابع كقوة سياسية”، بنصف مليون صوت.
ومن المتوقع أن تتغير نتائج الانتخابات البلدية بعد حسم التحالفات للبلديات المتساوية من حيث عدد المقاعد، ما يؤدي إلى تغير الخريطة السياسية للمحليات، فضلا عن عدم حسم المجلس الدستوري في الطعون المقدمة إليه بخصوص التجاوزات.