الريع العقاري في المناطق الصناعية بطنجة: دعوات حاسمة لربط المسؤولية بالمحاسبة
شهدت مدينة طنجة، التي تعد قطباً اقتصادياً وصناعياً مهماً في المغرب، جدلاً واسعاً خلال اللقاءات التشاورية لبرنامج التنمية الترابية المندمجة، حيث سُلط الضوء على قضية الريع العقاري في المناطق الصناعية بطنجة. تكمن الإشكالية في استغلال بعض الأفراد لعقارات مخصصة للاستثمار الصناعي بأسعار تفضيلية، ثم إعادة كرائها لشركات أجنبية بمبالغ طائلة، مما يحول دون تحقيق الأهداف التنموية المرجوة من هذه المناطق.
تفاصيل فضيحة الاستفادة غير المشروعة من الأراضي الصناعية
أثارت تصريحات مستشار جماعي بمدينة طنجة ضجة كبيرة، كاشفة عن ممارسات تندرج في إطار المحسوبية والريع الاقتصادي. فقد أشارت المعطيات إلى أن أشخاصاً لهم صلات بشخصيات سياسية تمكنوا من الحصول على عقارات في مناطق صناعية حيوية مثل “طنجة تيك” و”كزناية” بأسعار رمزية أو تفضيلية. الهدف المعلن من هذه التخصيصات كان تشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل، إلا أن الواقع كشف عن تحول هذه الأراضي إلى مصادر دخل ضخمة للمستفيدين من خلال كرائها لشركات أجنبية لمدة تتجاوز عشر سنوات، وبمقابل مادي يصل إلى عشرات الآلاف من اليوروهات شهرياً للمعمل الواحد.
إن هذا النمط من الاستغلال يُعد تحريفاً بيناً للمسار التنموي، ويضرب في الصميم مبادئ المنافسة الشريفة والعدالة الاجتماعية. فبدلاً من أن تكون هذه المناطق حواضن للإنتاج والابتكار، تحولت إلى سوق للسمسرة العقارية، مما يعرقل جهود الدولة في جذب الاستثمارات الحقيقية وتوفير بيئة عمل محفزة.
الآثار السلبية للريع العقاري على التنمية الاقتصادية والاجتماعية
لا يقتصر تأثير الريع العقاري في المناطق الصناعية بطنجة على الجانب المالي فحسب، بل يمتد ليشمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية أعمق. من أبرز هذه الآثار:
- عرقلة الاستثمار الحقيقي: عندما لا يتم استغلال الأراضي الصناعية للغرض المخصص لها، فإن ذلك يقلل من المساحات المتاحة للمستثمرين الجادين الراغبين في إقامة مشاريع إنتاجية، مما يثبط عزيمة الشركات التي تسعى فعلاً للمساهمة في الاقتصاد المحلي.
- فقدان فرص الشغل: الهدف الأساسي من المناطق الصناعية هو خلق دينامية اقتصادية تترجم إلى فرص عمل للمواطنين. عندما تتحول الأراضي إلى مجرد مصدر دخل لأفراد معينين، فإن المدينة تخسر الآلاف من فرص الشغل المحتملة.
- تشويه مبدأ العدالة الاجتماعية: يثير هذا النوع من الريع شعوراً بالظلم لدى الرأي العام، خاصةً عندما يرى المستثمرون الصغار والمتوسطون أنهم لا يحصلون على نفس الفرص بسبب غياب الشفافية أو وجود شبكات المحسوبية.
- تأثير سلبي على صورة الاستثمار: تؤثر مثل هذه الفضائح على سمعة المدينة كوجهة استثمارية، وقد تدفع بعض الشركات الأجنبية إلى التردد في الاستثمار بها خوفاً من تعقيدات بيروقراطية أو ممارسات غير قانونية.
تُعد ظاهرة الاقتصاد الريعي تحدياً كبيراً يعيق التقدم ويقوض أسس التنمية المستدامة، وهي تتطلب معالجة جذرية وشاملة.
دعوات ملحة لربط المسؤولية بالمحاسبة وتقييم شامل
طالب الفاعلون في القطاع الصناعي وخلال ورشات اللقاء التشاوري بضرورة القطع مع هذه الممارسات المشينة، والعمل على ربط المسؤولية بالمحاسبة. تتضمن هذه الدعوات المطالبة بإجراء تقييم حقيقي وشامل لكافة البرامج والمشاريع التي استفادت منها المدينة، ومراجعة لائحة المستفيدين من العقارات الصناعية، بالإضافة إلى سحب العقارات من كل من يثبت أنه استغلها لغير الغرض المخصص له.
ويعتبر هذا الموقف حاسماً في تعزيز مبادئ الحكامة الرشيدة والشفافية في تدبير الشأن العام. فبدون محاسبة صارمة للمتجاوزين، ستستمر هذه الممارسات في تقويض الجهود الرامية إلى جعل طنجة قطباً سياحياً واقتصادياً رائداً في البلاد. على الجهات المعنية اتخاذ خطوات فعلية لتصحيح المسار وضمان أن تكون المناطق الصناعية رافعة حقيقية للتنمية والتشغيل.
نحو مستقبل صناعي عادل وشفاف
إن معالجة إشكالية الريع العقاري في المناطق الصناعية بطنجة تتطلب تضافر جهود كافة الأطراف، من سلطات محلية ومركزية، وقطاع خاص، ومجتمع مدني. يجب وضع آليات رقابية صارمة لضمان الشفافية في تخصيص الأراضي الصناعية، وتفعيل القوانين التي تمنع الاستفادة غير المشروعة. كما يجب تشجيع الاستثمار المنتج وتقديم الدعم للمقاولات التي تخلق قيمة مضافة وفرص شغل حقيقية.
فقط من خلال الشفافية التامة والمساءلة الفعالة، يمكن لطنجة أن تحافظ على ديناميتها الصناعية والاقتصادية، وتضمن توزيعاً عادلاً لثمار التنمية على كافة مكونات المجتمع. للمزيد من الأخبار والتحليلات، يمكنكم زيارة الجريدة نت، الموقع الإخباري الأول في المغرب.
التعليقات (0)
اترك تعليقك