في سياق تعزيز الحكامة المحلية وضمان فعالية البرامج التنموية، وجهت وزارة الداخلية المغربية، عبر مصالحها المركزية وعمال الأقاليم، تنبيهات حازمة لرؤساء المجالس الجماعية. محور هذا التنبيه يدور حول أهمية المعطيات الرسمية لتنمية الجماعات الترابية، مشددة على ضرورة الاستناد إلى الأرقام المحينة والصادرة عن جهات رسمية موثوقة، وعلى رأسها المندوبية السامية للتخطيط، في إعداد مشاريع ميزانيات السنوات القادمة، وعلى وجه الخصوص ميزانية 2026. يأتي هذا التحذير بعد رصد حالات اعتمدت فيها الجماعات على أرقام قديمة تعود لإحصاءات سنة 2014، مما يهدد دقة المؤشرات التنموية المحلية.
تأثير الأرقام المغلوطة على مسار التنمية الترابية
إن الاعتماد على معطيات إحصائية قديمة أو غير دقيقة له تداعيات خطيرة على جودة التخطيط المحلي ونجاعة المشاريع الموجهة لخدمة الساكنة. فالميزانيات الجماعية، التي تعد الركيزة الأساسية لأي عمل تنموي، يجب أن تبنى على أسس صلبة تعكس الواقع الحالي للجماعة. عندما تُستخدم أرقام تعود لأكثر من عشر سنوات، فإنها حتمًا لا تعبر عن الاحتياجات الراهنة للسكان أو عن التحديات المستجدة في مجالات حيوية مثل البطالة والبنيات الصحية. هذا الخلل في المعطيات يؤدي إلى:
- تخطيط غير فعال: تخصيص اعتمادات مالية بناءً على احتياجات قديمة أو تقديرات غير واقعية.
- توزيع غير عادل للموارد: قد تحرم مناطق معينة من نصيبها العادل من الدعم بسبب تقدير خاطئ لعدد سكانها أو لنسبة البطالة فيها.
- مشاريع غير مجدية: إطلاق مبادرات لا تتناسب مع الأولويات الفعلية للسكان، مما يهدر المال العام والجهد.
- صعوبة تقييم الأداء: يصبح قياس مدى نجاح البرامج التنموية أمرًا صعبًا في ظل غياب قاعدة بيانات مرجعية دقيقة وحديثة.
المندوبية السامية للتخطيط: مرجعية أساسية لضمان أهمية المعطيات الرسمية لتنمية الجماعات الترابية
تبرز المندوبية السامية للتخطيط كشريك استراتيجي وحيوي للجماعات الترابية، فهي الجهة المخولة قانونًا بجمع وتحليل ونشر المعطيات الإحصائية الرسمية والمحينة على المستوى الوطني والمحلي. وتكمن أهمية المعطيات الرسمية لتنمية الجماعات الترابية في أنها توفر صورة واضحة وموثوقة للوضع الديمغرافي والاجتماعي والاقتصادي لكل منطقة. فمن خلال الاعتماد على أرقام المندوبية، يمكن لرؤساء الجماعات وضع ميزانيات تتوافق بدقة مع:
المندوبية السامية للتخطيط تُعد مرجعًا لا غنى عنه في هذا المجال، حيث تُصدر بانتظام إحصاءات حول تعداد السكان، نسب البطالة، البنية التحتية، ومؤشرات أخرى ضرورية للتخطيط السليم.
إطار تشريعي وتنظيمي لدعم الشفافية المالية وتخطيط الميزانيات الجماعية
يتزامن هذا التنبيه مع إطلاق مشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي يتضمن برامج اجتماعية طموحة وإحداث “صندوق التنمية الترابية المندمجة” ليحل محل صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية. هذه المبادرات تؤكد على التوجه الحكومي نحو تعزيز التنمية المحلية المندمجة، والتي تتطلب بدورها دقة متناهية في التخطيط ورصد الاعتمادات. وقد أخضع عمال الأقاليم مشاريع ميزانيات جماعية للافتحاص، خاصة تلك التي تضمنت طلبات لزيادة الاعتمادات المالية، مع التركيز على حصر النفقات في الاحتياجات الضرورية (مثل أجور الموظفين وفواتير الخدمات الأساسية) وصيانة المرفق العمومي. كما شملت المراجعات بنود الموارد والمداخيل، مع توجيه استفسارات حول الآليات المزمع اعتمادها لتقليص ظاهرة “الباقي استخلاصه” من المداخيل غير المحصلة، التي بلغت مستويات قياسية في بعض الجماعات، مما يؤثر على قدرتها المالية على تمويل المشاريع التنموية. هذه الإجراءات تعكس التزامًا بتطبيق المادة 186 من القانون التنظيمي 113-14، التي تنص على ضرورة التصويت على المداخيل قبل النفقات، لضمان إدارة مالية رشيدة وشفافة. للمزيد من الأخبار والتغطيات حول الشأن المحلي والوطني، يمكنكم زيارة الجريدة نت، الموقع الإخباري الأول في المغرب.
نحو حكامة ترابية رشيدة: دعائم الميزانيات المستنيرة
إن التحديات التنموية التي تواجه الجماعات الترابية اليوم تتطلب مقاربة شاملة ومتكاملة، ترتكز على الشفافية والدقة في المعلومة. استخدام المعطيات الرسمية والمحينة ليس مجرد إجراء إداري، بل هو استثمار في مستقبل التنمية المستدامة والعدالة المجالية. على رؤساء الجماعات والمجالس المنتخبة تقع مسؤولية كبيرة في هذا الصدد، فبناء ميزانيات مستنيرة ودقيقة هو السبيل الوحيد لضمان الاستجابة الفعالة لتطلعات المواطنين، وتحقيق أهداف التنمية المحلية المنشودة، ودفع عجلة التقدم في كافة أرجاء المملكة. إنها دعوة لتجديد الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة، التي تجعل من المعلومة الدقيقة حجر الزاوية في كل عملية تخطيط وتدبير.
التعليقات (0)
اترك تعليقك